أخيرا اعترفت فرنسا على لسان وزيرها للتعليم جون ميشال بلانكي بأن اللغة العربية “مهمّة للغاية، ولا تقلّ أهمية عن الصينية والروسية، وفرنسا تسعى إلى إعطائها مكانتها اللائقة بها وتعليمها لأطفالها في المدارس العمومية بدءا من المرحلة الابتدائية، وهي لغة عظيمة جدا ويجب تعلُّمُها”.. هو تصريحٌ مدوّ للوزير بلانكي أدلى به لقناة “فرانسا 24″، سيصدم بلا شكّ أنصار اللغة الفرنسية في الجزائر الذين طالما حاربوا العربية بشتى الطرق، وكادوا لها، وعرقلوا عملية تعميمها في المؤسسات والهيئات والإدارات العمومية والمحيط العام واستعملوا نفوذهم في دواليب الدولة لعرقلة قانون تعميمها منذ صدوره في التسعينيات إلى أن نجحوا في وضعه في الثلاجة من دون الإعلان الرسمي عن ذلك، لتبقى الفرنسية بذلك مهيمنة على مختلف المؤسسات والمحيط إلى حدّ الساعة.. وبعدها سعوا إلى توجيه ضربةٍ قاصمة لها في المدرسة من خلال اقتراح تقدّموا به في جويلية 2015 للتدريس باللهجات العامية في السنوات الأولى للابتدائي، فضلا عن التقدّم بمشروع لفرْنسة المواد العلمية للتعليم الثانوي تحت غطاء تحضير التلاميذ لدراسة العلوم الدقيقة في الجامعة بالفرنسية، وكذا حذف العربية ومواد الهوية من بكالوريا الشُّعب العلمية، وأسموا هذه المخططات التآمرية “إصلاحا لامتحان البكالوريا”! اليوم تقهقرت العربية في مختلف المؤسسات والمحيط العام، وأصبح الكثير من مسؤولينا يتبجّحون بالحديث بالفرنسية علناً، وخسرت العربية الكثير من مواقعها في الجزائر، لكن النصر جاءها من حيث لم تحتسب؛ فها هي فرنسا نفسها تعترف بأن العربية هي “لغة حضارة عظيمة”، كالصينية والروسية، ويجب تدريسُها في المدرسة العمومية الفرنسية، فماذا عسى يقول الآن أتباعُها الفرنكوش؟ أنصار الفرنسية في الجزائر رموا العربية بكل الصفات الذميمة، فوصفوها بالتخلُّف والعجز عن مواكبة التطوّر واتهموها بتفريخ التطرّف والإرهاب، وحمّلوها مسؤولية انهيار المستوى التعليمي بالبلاد، ودعوا صراحة إلى التراجع عن أمرية 1976 والعودة إلى مرحلة المدرسة الفرنسية بالجزائر، وكأننا لا نزال جزءا من فرنسا، ولم يتركوا تهمة إلا وألصقوها بها، ولم يتوانوا عن محاربتها بكل صلفٍ وحقد وكراهية، واستعملوا نفوذهم في مختلف دواليب الدولة لإبعادها وتقزيمها، ولذلك لا نشكّ لحظة واحدة أن تصريح وزير التعليم الفرنسي قد صعقهم، ولن يتجّرعوه مدة طويلة، فقد شهد بلانكي بالحق، ولو كان هذا الكلام قد صدر من وزير عربي لوصفوه بأبشع النعوت. هو تصريحٌ آخر يصدم بقايا “دفعة لاكوست” بالجزائر، بعد تصريح الوزير الأول الفرنسي إدوارد فيليب في 23 فيفري 2018 في ندوة صحفية عقدها بمدينة ليل، والذي كشف فيه أن فرنسا عقدت العزم على تعزيز تعليم الإنجليزية في مدارسها وستجعل ذلك إلزاميا للطلبة في المرحلة الثانوية والجامعية حتى تمكّن أبناءها من “الخروج من قوقعتهم وغزو العالم” علميا ومعرفيا. الكثيرُ من خبراء اللسانيات في العالم يؤكدون أن اللغة العربية هي إحدى اللغات القليلة التي ستبقى وتصمد وتنتشر حينما تذبل آلافُ اللغات وتموت، ولذلك بدأت بعض الدول تهتمّ بتدريس العربية لأبنائها، وفرنسا قرّرت ذلك منذ أيام لتحقّق بذلك العربية نصراً غير متوقع في عقر دار فرنسا، فما الذي يمكن أن يقوله الآن أذيالُها في الجزائر؟