خلفت الخطوة التي قامت بها جامعة وهران، من خلال فتح أقسام لتدريس الحقوق باللغة الفرنسية الكثير من الجدل وسط الأكاديميين بالخصوص، حيث قال الدكتور عبد الله راقدي من قسم العلوم السياسية بجامعة باتنة 1 ل”الشروق” إن الانفتاح عل لغات العالم معقول جدا، لكن يبقى الاختيار بين اللغات، مشيرا أن هذا أمر يخص الحكومة، بمعنى قرار سياسي يأخذ أبعادا كثيرة من النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية، كما له بعد دولي استراتيجي. فيما اعتبر العربي بومعراف، طالب سنة ثانية دكتوراه في الحقوق، ما قامت به كلية الحقوق بجامعات وهران نقلة نوعية، خاصة عندما يفتح المجال للاختيار والمقتدرين، معتبرا أن الكل يعلم ضعف الطلبة في اللغات الأجنبية في المراحل السابقة للدراسة الجامعية، وعندما ينتقل إلى الجامعة سيصطدم بطريقة تكوين جديدة عليه وبلغة لا يفقهها، ما يؤثر حسب قوله على التحصيل العلمي والفهم الجيد، خاصة أن الحقوق حسب محدثنا تتطلب التمعن في روح القانون لا الكلمات والمفردات فقط. لكن هذا لا يمنع من وجود عناصر متمكنة من اللغة الأجنبية وسيفيدها كثيرا التعلم بهذه اللغة خاصة إذا علمنا أن نصوصنا القانونية يتم إصدارها باللغة الفرنسية أولا قبل أن يتم ترجمتها في الجريدة الرسمية إلى اللغة العربية. من جهته، أوضح الأكاديمي بدر الدين زواقة ل”الشروق” أنه للتعاطي مع المسألة يجب أن نرتقي إلى المعالجة العلمية الموضوعية بعيدا عن التأثر الإيديولجي أو الدوغمائي أو الخطابي الإنشائي الذي يحدث أحيانا من خلال بعض المعالجات التي تقوم بها بعض الشخصيات، وقال إنه يجب البدء بالمستوى العفوي، مشيرا بأن تجربته مع أقسام الإعلام والاتصال بجامعات الغرب الجزائري جعلته يكتشف اهتمامها باللغات الأجنبية، حتى إن الطلبة كثيرا ما يكتبون رسائلهم باللغة الفرنسية، وعليه حسب قوله لا يمكن محاكمتهم محاكمة ايديولوجية من زاوية نظرية المؤامرة على أساس أن الجزائر تابعة لفرنسا، لكن يجب النظر إلى المستوى الثاني، من خلال رؤية ابن خلدون وفق نظرية المغلوب مولع باتباع الغالب، أما من حيث المستوى العلمي، فقد دعا الدكتور بدر الدين زواقة إلى أهمية تشجيع جميع الأقسام على التدريس بكل لغات العالم، خاصة اللغات التي لها أبعاد استراتيجية وجيو سياسية مثل الانجليزية الألمانية الاسبانية ومؤخرا التركية، لكن هذا لم يمنع محدثنا من التأكيد على ضرورة انتباه السلطات إلى بعض السلوكات التي قد تكون عفوية، خصوصا أن هذه الخطوات في مثل هذه الأوقات قد يزيد الوضع تأزما، ما يجعل أي رابح فيها خاسرا آليا. وفي السياق ذاته، رحب الدكتور بدرالدين زواقة بمسألة توطين المعرفة، على غرار ما تقوم به بلدان خليجية في صورة قطر، حيث إن جامعة حمد لجأت إلى الإنجليزية حتى في الدراسات الإسلامية، وهذا من خلال الاتيان بتجارب عالمية نوطنها في وطننا، وهذا أولى حسب محدثنا من الدخول في مثل المتاهات التي لا تنتهي، مؤكدا أن الصراع وفق الرؤى السياسة الإيديولوجية حين تدخل في الأمور المعرفية تتسبب في انسداد يكون أخطر من الامتداد السياسي. غنيمة الحرب بين الترحيب والتخوف من التبعات اعتبر الدكتور إبراهيم بوزيد من جامعة أم البواقي هذه الخرجة بأنها ليست غريبة لأن منطقة وهران معروف فيها مركز الكراسك الذي يعد مركزا للفرنكوفونية، لكن حسب قوله لا يمكن اعتبار الدراسة بالفرنسية أمرا فضيعا، لكن أصل القانون الجزائري مستقى من القانون الفرنسي والحضارة الفرنسية هي حضارة إنسانية يمكن للشعوب أن تستفيد منها، لكن لا ينبغي ربط اللغة الفرنسية بالمستدمر الفرنسي لأنها هي الأخرى لغة ثقافة، وهنا يكمن الفرق بين لغة الاستعمار التي تحمل في طياتها الرغبة في الاستحواذ والاستغلال والتوغل والانتشار بمفهوم السيطرة والاستحواذ وقتل الهوية، وبين لغة الثقافة والأكاديمية والبحث، فالقانون الفرنسي بما فيه من تأويلات حسب الدكتور إبراهيم بوزيد لا يفهم فهما عميقا بجميع أبعاده إلا إذا قرئ بلغته الأم، اللغة الفرنسية. وقال جمال مسرحي ل”الشروق”: “التخلي عن التدريس باللغة الوطنية هو مساس بأحد ثوابت الأمة، فلو كان الأمر متعلقا بالمواد العلمية أو التكنولوجية لكان الأمر مبررا ولو نظريا، لكن الحقوق أو عموما العلوم الإنسانية غير مبرر تماما والهدف هو النيل من مكاسب الشعب طوال سنوات الاستقلال وتقديم شيكات على بياض لفرنسا، ونحن سائرون بهذا الطريق إلى أن نقدم لفرنسا بالمجان ما عجزت عن أخذه بالقوة خلال 130 سنة من الاحتلال .. وهنا يجب أن نتساءل لماذا حررنا البلد إن حررناها فعلا”، وأوضح الأستاذ جمال مسرحي في ذات السياق أن الطلبة القادمين من الثانويات معروفون بأنهم ضعاف جدا في اللغات الأجنبية وتحديدا الفرنسية في الشعب الاجتماعية والإنسانية ومنها الحقوق وجعل الدراسة الجامعية بهذه الشعب بالفرنسية هو من العبث بالطالب وبالجامعة والدولة وبالتالي حسب قوله يحق للجزائريين التساؤل عن الأهداف الحقيقية لهذا الإجراء المتخذ وهل يدرك متخذوه أبعاده وانعكاساته على البلاد.