مع تواصل الغموض الذي يلفّ اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، انتقلت القضية من بعدها الجنائي والسياسي إلى بعد آخر، وهو محاولة توظيف كل عاصمة أو بلد أو جهة معينة للاختفاء وفقا لمصلحتها وتنفيذا لأجندتها! شاهدنا في الساعات الماضية مثلا نقاشا عبر الشاشات المختلفة، ليس عن خاشقجي وقضية اختفائه، بقدر ما جرى كلام كثير حول كيفية تعامل أمريكا مع القضية؟ وهل ستعاقب السعودية أم لا؟ وهل يمكن لتركيا أن تقايض خاشقجي بالقسّ الأمريكي الذي يريد ترامب استرجاعه بأي ثمن؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تتصل بالقضية مباشرة! نخشى أيضا، أنه وبمرور الوقت سيتحول الغياب الغامض أو حتى الشك في الاغتيال إلى كلام روتيني عبر الشاشات والمواقع الالكترونية، وهذا ما يريده القتلة تماما، أو على الأقل من ساهم بإخفاء الرجل! هذا لا يعني بأن ننسى جمال خاشقجي فجأة ولا أن يتحول مصيره إلى قضيتنا الوحيدة من جانب آخر، بل يجب أن نتعامل مع الملف، بمهنية وإنسانية طالما تعلمناها من خاشقجي نفسه، أي يجب النظر للقضية كأولوية قصوى لكن من دون الضرر ببقية الأخبار، فمثلا، لماذا ننسى اليمن وقد كشفت تقارير هذا الأسبوع عن مقتل 1245 طفلا في عمليات قصف جوي منذ مارس 2015 وحتى اليوم؟! لماذا ننسى مسيرات العودة على حدود غزة والتي دخلت شهرها السابع في صورة غير مسبوقة للكفاح الفلسطيني مما أسفر حتى الآن عن 200 شهيد بينهم أطفال؟! لماذا ننسى “إدلب” السورية التي يعاني مئات الآلاف فيها من حصار وتجويع وتهديدات مستمرة بالقتل، سواء من طرف الجماعات المسلحة أو من طرف قوات دولية أخرى؟ لماذا نسينا مسلمي الروهينجا؟؟ ولماذا ولماذا..!! أزمات سياسية وأمنية خطيرة وكوارث إنسانية ضخمة، لا يجب إغفالها من أجندة الإعلام مهما كان الحال، وإن كانت قضية خاشقجي مهمة فمن الطبيعي جعلها حاضرة باستمرار، لكن دون تحويلها إلى اجترار كلام وتوجيه تهم وبناء سيناريوهات هوليودية، وكل ذلك على حساب أولويات أخرى، ومشاكل كان سيهتم بها خاشقجي نفسه من خلال تغريداته ومقالاته!