يعدد سفير لبنانبالجزائر، الدكتور محمد حسن، أوجه التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويكشف عن الإجراءات الجديدة المتخذة لفائدة الجزائريين، ومنها منح تأشيرة فورية، ورفع عدد الرحلات الجوية إلى 3 رحلات أسبوعيا، مع توفر فنادق ومنتجعات فخمة، تصل نسبة التخفيضات بها إلى 60 بالمئة. ويؤكد السفير محمد حسن، اهتمام بلاده بالاستثمار في الجزائر، لاسيما في قطاع الفلاحة وإنتاج دراجات السكوتر، واستيراد التمور الجزائرية، علاوة عن ترقية التعاون في التعليم العالي، ويفصل المعني في التطور الكبير الحاصل في مجال طباعة الكتب في بلاده. هل لنا أن نعرف مستوى العلاقات التاريخية اللبنانيةالجزائرية؟ أولا نحن سعداء جدا بأن نجري الحوار تزامنا وهذه الأيام المباركة النوفمبرية، أيام التحرير واندلاع الثورة الجزائرية المجيدة، هذه الثورة التي أصبحت قدوة لكل الثوار في العالم، هذه الثورة تسمى في نظري ثورة القرن العشرين، بما تحمله من طهارة وقداسة وعظمة أبناء الجزائر وشهداء ومجاهدي الجزائر، وفي هذه الذكرى لهم منا ألف تحية وسلام، ولشعب الجزائر الأمن والأمان، ولشهدائنا ألف رحمة ونور، ولعظماء الجزائر عبر التاريخ ألف تحية، ونحن كلبنانيين في الجزائر سنحتفل بعيد استقلال بلدنا ال75 في 22 نوفمبر المقبل. ومن هذا المنظور نرى أنه ليس بالصدفة أن تكون عظمة نوفمبر وقداسته، في هذا الشهر أن تكون بدايته ثورة نوفمبر جزائرية لطرد المحتل، وخاتمته استقلال لبنان، نحن نعيش أيام استقلال وانتصارات على امتداد شهر كامل. وبالعودة إلى سؤالكم، فالعلاقات الجزائريةاللبنانية هي علاقات تاريخية عريقة تتميز بالتوافق الكبير وبالاحترام المتبادل والتشاور والتنسيق في إطار آلية التشاور بين وزارتي خارجية البلدين، ويجدر بنا التذكير أن لبنان من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة المؤقتة الجزائرية، وكان ذلك في 15 جانفي 1959. وكيف تقيمون مستوى العلاقات الاقتصادية اللبنانيةالجزائرية؟ ينشط اللبنانيون الموجودون بالجزائر في العديد من القطاعات كالمال والأعمال والمصارف والخدمات البنكية والفندقية والنفط وفي قطاع البناء، وكذا الاستثمارات في قطاع الخدمات المتعلقة بالعمران وتهيئة البناء، وتجديده وصيانته، وكذا إدارة العقارات وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والدراسات الهندسية للمشاريع، وتنفيذ كافة الأشغال العمومية، فاللبنانيون يسهمون في تطوير الجزائر وإنمائها. وقناعتنا الراسخة أن الجزائر التي تزخر بإمكانيات هامة واستثنائية تؤهلها عن جدارة لتكون قوة اقتصادية وقطبا زراعيا وسياحيا وصناعيا إقليميا في المستقبل، ونحن في لبنان على أتم الاستعداد لحيازة شرف المساهمة في تعزيز ذلك بما نمتلكه من خبرات ومنتجات واستثمارات. وإرادتنا قائمة دوما لتقديم كل التسهيلات لترقية التبادلات التجارية، والتكنولوجيا، والسياحية والثقافية والعلمية والإعلامية بين بلدينا، واحتضان كل المبادرات التي تجمع رجال الأعمال بين البلدين، ومرافقة كل المشاريع التي ستقدم القيمة المضافة للاقتصاد الجزائري. وما هو حجم التبادلات التجارية الثنائية اللبنانيةالجزائرية ضمن هذا المنظور الاقتصادي؟ هناك وجود لمتعاملين لبنانيين هنا في الجزائر يعملون في مجال التجارة "الاستيراد والتصدير". ونحن حاليا نطمح إلى توسعة حجم التبادلات التجارية بين بلدينا، خاصة لتقاسم خيراتنا التي لها ميزات تنافسية عالمية، على غرار التمر الجزائري الذي نحن في حاجة إلى وجوده في السوق الداخلية اللبنانية، وكذلك في المقابل نحن نتطلع إلى أن يجد الفرد الجزائري التفاح اللبناني على طاولته بمواصفاته العالية والاستثنائية جودة وسعرا. وبالنسبة إلى مستوى التبادلات العلمية الثنائية اللبنانيةالجزائرية كيف تقيمون الوضع؟ نحن نعمل على إعادة بعث التعاون الثنائي في مجال التكوين العالي والبحث العلمي، وكذا إرسال بعثات الخبراء والأساتذة ذوي المستوى العالي وإنشاء وتطوير مشاريع للبحث المشترك، وتشجيع تنقل طلبة الدكتوراه، ومضاعفة تبادلات الوفود العلمية، والتوأمة بين المؤسسات العلمية للبلدين، لاسيما التوقيع على اتفاقيات بين الجامعات، وكذا مسعى التوقيع على اتفاقيات حول مسألة حل إشكالية معادلة الشهادات لبعض الجامعات اللبنانية. وكيف تنظرون إلى سبل ترقية العلاقات الثقافية اللبنانيةالجزائرية؟ العلاقات الثقافية بين لبنانوالجزائر جيدة بل ممتازة، فلو نأخذ كمثال فقط، هذا الحدث الثقافي الدولي المقام حاليا بالجائر المتمثل في المعرض الدولي للكتاب، نجد القارئ الجزائري يقبل بكثرة على الكتب اللبنانية، كما أن المثقف الجزائري له ارتباط وثيق بحركة النشر في لبنان، كما نسجل حضور النخب الفنية والفكرية والأدبية الجزائريةبلبنان ووجود احتكاك وحضور قوي لها، مع تسجيل تواصل مستمر ومتنام بين الحركتين الثقافيتين الجزائريةواللبنانية، ولذلك فنحن نأمل في تطور هذه العلاقات الثقافية نحو الأحسن والأفضل. يتزامن لقاؤنا هذا مع الصالون الدولي للكتاب الذي تحتضنه الجزائر، صار اعتياديا أن تكون هناك مشاركة كبيرة لدور النشر اللبنانية، كيف أمكن للبنان النجاح في هذا المجال؟ لما نذكر لبنان فهو بلد الأرز الشامخ، ولبنان بلد الحرف والأبجدية، بلد التسامح والأديان والثقافة، وقبل دخولنا مجال الطبع والتميز في هذه الحرفة، اخترعنا الحرف الأبجدي منذ آلاف السنين، لهذا اللبناني ولد مثقفا، ومُحب للمعرفة والانتشار، إضافة إلى المطابع في لبنان التي وجدت منذ أكثر من 100 سنة، كانت دول أخرى تعيش فقرا وجهلا واستعمارا وانتدابا، بعدها المسائل التقنية تجد الفضاء للنجاح، كذلك الوجود اللبناني في الخارج ساهم في نشر المنتج اللبناني الثقافي والعلمي والفكري دون إغفال الجانب الاقتصادي. هذا الغنى الذي يقدمه لبنان، نراه في الجانب المقابل بالجزائر، لهفة لدى القارئ والمهنيين، من هنا نشهد مشاركة اللبنانيين في المعارض الثقافية بشكل مميز، وهنا في الجزائر نلحظ نشاطا ثقافيا زاهرا يشبه إلى حد كبير ما هو حاصل في لبنان. كما أن جو الحرية والتسامح ساهم في ازدهار نشاط الطبع، في دول عربية قد يمنع طبع بعض المؤلفات، فقيمة التسامح والتنوع خلقت حركية وأوجدت حالة من اللاحدود للطباعة. كما أن التنوع في لبنان مصدر غنى لنا، نحافظ عليه، فنحن نعترف بالآخر ووجهة نظره، ولهذا الغنى والتنوع فلبنان مستهدف، البعض يريد أن يكون لبنان لونا واحدا وثقافة واحدة، هذا ليس لبنان، لبنان بلد الرسالة، الجميع يعيش مطمئنا، منفتح يختلف مع الآخر ضمن اللعبة الديموقراطية، ولكن البعض يفسر التنوع المذهبي على أنه علة، هو علة في مكان آخر إذا نظرت إليه من منظار سوء نية. وماذا عن مستوى العلاقات الاجتماعية اللبنانيةالجزائرية؟ فضلا عن العلاقات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية، فإننا لاحظنا على المستوى الشعبي، محبة خاصة لدى الشعب الجزائريللبنان، وأنا أعتبر أن العلاقات اللبنانيةالجزائرية في بعدها الاجتماعي متميزة عبر مختلف الحقب الزمنية، وهذا ما اكتشفته عبر العديد من المحطات التي وقفت عليها خلال فترة وجودي القصيرة هنا بالجزائر، فعلى سبيل المثال كنت في 28 أكتوبر الماضي في زيارة إلى مدينة خميس مليانة، هذه المدينة التي كانت عاصمة سياسية لأجزاء واسعة من بلاد المغرب العربي في عهد بولوغين بن زيري أشهر أمراء صنهاجة، يعود تاريخها إلى الحضارة الفينيقية، أولى الحضارات التي استقرت بها حتى عام 42 قبل الميلاد. وماذا عن موقع التبادلات السياحية الثنائية اللبنانيةالجزائرية في منظوركم؟ عند مباشرة مهمتي كسفير لبنان للجزائر، أجريت دراسة عامة عن المشاريع ومجالات العمل في الجزائر، وأي القطاعات يمكن أن نترك فيها بصمة، وجدت أن هنالك قطاعين هما السياحة والفلاحة، وركزت عليهما، كما اتخذنا قرارا يتعلق بتسهيل منح التأشيرة، التي تسلم في اليوم، أو في نفس الوقت إذا كنت في مكتبي. وماذا عن اشتراط إظهار مبلغ 2000 دولار للحصول عليها، المبلغ مرتفع كثيرا لماذا؟ هذا الشرط يتعلق بحالة واحدة فقط، وهو أن تأخذ التأشيرة في المطار، فقد سهلت الحكومة اللبنانية إعطاء التأشيرة في مطار الشهيد رفيق الحريري فقط، المعبر الوحيد المخول بمنح التأشيرة هو مطار الشهيد رفيق الحريري، يأخذ التأشيرة شرط أن يكون حاملا لمبلغ 2000 دولار. وهل هنالك إجراءات أخرى يمكن اتخاذها في سبيل ترقية هذا الجانب؟ أجريت لقاء مع المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية، بعد الاطلاع على أرض الواقع، وعلى الطائرة والخدمة في المطار، مع تسجيل تأخرات وأحيانا إلغاء للرحلات، كان هنالك خلل في رحلة الجزائرولبنان، وأظهر عدد من المسافرين اللبنانيين امتعاضا من هذا الوضع ومنهم من فضل السفر عبر إيطاليا أو فرنسا، لاسيما رجال الأعمال فانشغالاتهم بالدقيقة، حملنا هذه الانشغالات إلى المدير العام للشركة، الذي استجاب للمطالب وتقرر تغيير نوع الطائرة، ورفع الرحلات من رحلتين إلى 3 أسبوعيا، والرابعة ستدخل الخدمة قريبا، الآن الطائرة تذهب إلى بيروت شبه ممتلئة. كما أننا نحن نعمل في اتجاهين، الاتجاه الأولى ينبع من إدراكنا للإمكانيات الهامة التي تزخر بها الجزائر، التي تؤهلها كي تكون منطقة ذات جاذبية سياحية عالية، هذا الرهان الذي تملك الجزائر كل أدواته، وهو ما يدفعنا إلى توثيق تعاوننا مع إخواننا الجزائريين لتحقيق ما يحتاجه هذا القطاع من استقرار للاستثمارات، والمحافظة عليها، وتثمينها كي تكتسب صفة الاستدامة، من خلال توطين الاستثمارات اللبنانية بهذا القطاع، والاتجاه الثاني يتمثل في تشجيع الجزائريين على اكتشاف لبنان كوجهة سياحية خارجية ذات قيمة عالية، اكتشاف لبنان بمعالمه وطبيعته، وتنوعه الثقافي والتاريخي، اكتشاف لبنان كواحدة من جنان الله فوق الأرض، والحمد لله فخلال هذه السنة تضاعف عدد السياح الجزائريينللبنان. سنعقد لقاءات مع المتعاملين السياحيين الجزائريين، لتعريفهم على الإمكانيات والهياكل السياحية الهائلة في بلدنا، مع تقديم عروض حسب إمكانيات السائح الجزائري، في وسط بيروت، قد تكون الأسعار مرتفعة نوعا ما، لكن خارج قلب العاصمة نفس الخدمات بأقل سعرا، مسافة 20 أو 50 كم تجد فنادق ومنتجعات رائعة بأسعار نعتقد أنها مقبولة للغاية، ستوفر حتى 60 بالمئة تخفيضات، سنجمع الوكالات السياحية الجزائرية مع اللبنانية، والعمل على ربط العاصمتين برحلات شارتر. ما أنا متأكد منه، أن الجزائريين وغيرهم من مواطني الدول العربية تواقون إلى زيارة لبنان، لكن بعض الجهات تعمل على تصوير لبنان أنه مرتع للتنظيمات الإرهابية، وأن القانون مغيب، هو كلام، لا قانون مبالغ فيه، لبنان وفي عز الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي كانت هنالك سياحة، هنالك تشويه من بعض وسائل الإعلام وتضخيم وتسويد للحقيقة، بغرض الإضرار بقطاع السياحة. هل هنالك تسهيلات لحركة تنقل الأفراد ما بين لبنانوالجزائر، خاصة في ما يتعلق بمنح التأشيرة؟ إدراكا منا لأهمية تسهيل حركة تنقل الأفراد بين الجزائرولبنان، فقد اعتمدنا طريقة التسليم الفوري للتأشيرة، فالجزائري يتسلم تأشيرته في نفس اليوم الذي قدم فيه الطلب، كما حسنا في طبيعة الرحلات وعلى الخصوص بالتعاون مع الخطوط الجوية الجزائرية. كيف تتصورون آفاق التعاون بين الجزائرولبنان؟ لمواكبة الخطوات الملموسة التي قطعتها الجزائر في تنويع اقتصادها، وبناء منظومة بديلة خارج المحروقات، تقوم على تحقيق الأمن الغذائي والصحي وتحسين نوعية الحياة، فإننا نتطلع إلى تطوير تعاوننا في قطاعات الزراعة والسياحة والطاقة والبناء والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وخاصة الصناعات الميكانيكية، ومنها على الخصوص صناعة الدراجات "فئة السكوتر" للمساهمة في وضع منتج في السوق الجزائرية، بمقاييس عالمية للمساهمة في فك الاختناق المروري على مستوى النقل الحضري، وفي العديد من القطاعات يمكن للجانبين اللبنانيوالجزائري، إقامة شراكة رابحة للجانبين، ونحن نطمح إلى توسعة الاستثمارات اللبنانيةبالجزائر من خلال توسيع علاقات الشراكة بمساهمة رجال أعمال البلدين. هل من كلمة أخيرة تتفضلون بها سعادة السفير… ماذا تحمل من الجزائر من فترة إقامتك القصيرة هنا؟ شخص السفير ينطبق على كل لبناني، كل لبناني محب للجزائر حديثا وقديما، بالفطرة يحبون الجزائر وتاريخها اللبناني لما يقرأ عن الجزائر وتاريخها وعظمائها يفتخر بأن هنالك شعبا حيا مقاوما حامل لقضايا أمته العربية وقضايا الإنسانية، لا يتنازل عن شرفه وكرامته، وهذا يتطابق مع شخصية اللبناني، أما عن شخصي فأشعر بأنني في لبنان، وأصارحكم القول إني نذرت نفسي أن أكون في قوافل شهداء الجزائر من حبي وعشقي لبلدكم. إن عمق التمازج بين المعاني الحضارية والتاريخية والشعبية والثقافة والاجتماعية بين بلدينا لبنانوالجزائر، ووحدة المسار والمصير بينهما، إضافة إلى أوجه التشابه التي تجمعنا التي لا يمكن حصرها، هي عوامل توحدنا إلى حد التماثل، وبإمكانها أن تسمح لنا بالمضي سريعا لتجسيد العديد من المشاريع الهامة والمشتركة التي ستترجم عمق هذه المعاني والصلات في أعمال واستثمارات يشهد منافعها الشعبان الجزائريواللبناني.