الظروف القبلية التي سبقت تشريعيات 17 ماي المقبل، بدأت تثير حسب ملاحظات أوساط مراقبة، أسبوع بعد إنطلاق الحملة الإنتخابية، مخاطرا ومخاوفا بشأن نسبة المشاركة وإقبال الناخبين على صناديق الإقتراع لإختيار نوابهم للمجلس الشعبي الوطني. الأصداء المستقطبة من الشارع الجزائري، إلى جانب عدد من إستطلاعات الرأي، تنذر بمشاركة "ضعيفة" للجزائريين خلال الإستحقاق البرلماني المقبل، وتذهب بعض التوقعات الإعلامية والسياسية والشعبية، إلى حدّ التخمين بحصول أضعف نسبة مشاركة في تاريخ الإستحقاقات الإنتخابية بجزائر التعددية السياسية، وتستند أغلب التكهنات إلى وقائع ميدانية وأسباب ومبرّرات لا يمكن إخفاؤها بغربال. أولا: عزوف الناخبين عن حضور التجمعات الشعبية والمهرجانات الإنتخابية، الخاصة بالحملة، بكثافة وحماس، عكس عدد من حملات الإنتخابات السابقة التي كانت تتحول على الأقل إلى "متنفس" للتعبير عن المكبوتات السياسية والإنتخابية. ثانيا: تركيز قادة الأحزاب والمترشحين وممثلي القوائم الحرة، على دعوة المواطنين إلى التوجه بكثافة إلى مكاتب التصويت، يؤشر إلى وجود "تخوف" من "إضراب" الناخبين على المشاركة في الإقتراع، خاصة في ظل فشل أغلب المترشحين في إقناع الناخبين ببرامجهم(إن كانت موجودة أصلا) وبأهدافهم وسيرتهم ومستواهم التعليمي. ثالثا: إنشغال الرأي العام بقضايا أخرى، وطنية وأخرى أجنبية، من شاكلة متابعة الرئاسيات الفرنسية، ورفع أجور الشرطة، ومباراة الوفاق السطايفي والفيصلي الأردني، والإضطرابات الجوية، يعطي الإنطباع بأن الإنتخابات لم تعد "أولوية" ضمن أجندة المواطنين. هذه الملامح وغيرها، تعززها أسباب أخرى: سياسيا: الأزمات التي عصفت بالأحزاب الكبيرة والصغيرة، وما حصل داخلها من إنقلابات ومؤامرات، لصعود فريق على حساب فريق آخر، ضاعف من إنتشار الروائح السياسية التي تسدّ الشهية الإنتخابية عند الناخبين عموما، ووسط الأنصار والمناضلين خصوصا وعلى وجه التحديد، حيث أدت التغييرات المفاجئة على مستوى قيادات وقواعد عدد من الأحزاب، إلى ظهور الرغبة في الإنتقام وتصفية الحسابات والإنزواء السياسي والوعد بالمشاركة "العقابية" خلال موعد 17 ماي. إجتماعيا: إستمرار معاناة شرائح واسعة من المجتمع فيما يتعلق بالقدرة الشرائية والمستوى المعيشي، إلى جانب الإنشغالات المرتبطة بملفات الشغل والبطالة والسكن، حرض أيضا الناخبين على "الجمود" الإنتخابي، بعد تقييم حصيلة ونتائج العهد الإنتخابية السابقة التي إنتهت في أغلبها مثلما بدأت أو أسوء. قضائيا: تصاعد عمليات كشف التحقيقات الأمنية والتحريات القضائية، في إطار محاربة الفساد، وإكتشاف تورط عدد من المنتخبين، في فضائح النهب والإختلاس والرشوة والتزوير وإستغلال السلطة والنفوذ، أنتج حالة من التذمر والإستنكار لدى الناخبين، بلغت حدّ الإقرار بعدم التورّط مستقبلا في "توصيل" هؤلاء وأمثالهم، من الخارجين عن القانون، إلى المناصب المنتخبة كعقاب لهم. وحتى إن كانت هذه "المبرّرات" كافية، برأي مراقبين، لتأليب الجزائريين على رسم علامات الإستفهام والتعجب أمام "الجدوى" من المشاركة في الإنتخابات، مادامت تحولت إلى وسيلة للربح السريع وجمع الغنائم والريوع، فإن للمشاركة الضعيفة في الإقتراع المقبل، نتائج عكسية ووخيمة: عدم توجه الناخبين بقوة إلى مكاتب الإنتخاب، سيعطي لدعاة المقاطعة، "حقا إنتخابيا" غير مشروع، حيث سيتبنى هؤلاء على قلتهم، النسبة التي لم تدلي بأصواتها، وينسبونها لهم، زورا وبهتانا، ويتكلمون بإسمها بلا تفويض أو توكيل، كما يمكن للمشاركة الضعيفة، أن تمنح الفرق السياسية الغائبة أو "المغيبة" أو النائمة، "سندا" يوظفونه لتطعيم أطروحاتهم السياسية وضرب "خصومهم" المتواجدين بهيئة أركان الأحزاب وبالسلطة. وحتى إن كانت المشاركة قوية وبنسبة قياسية، يعتقد متابعون للشأن الإنتخابي، بأن الأحزاب لا يمكنها مستقبلا أن تنشد أغاني الإنتصار، وتنسب ذلك إلى إنجازاتها، فقد تكون من بين أسباب التوجه القوي للناخبين، رغبة الأغلبية الساحقة منهم، في ممارسة واجبهم وحقهم الوطني المقدس، بعيدا عن إغراءات هؤلاء وحسابات أولائك، وعندما تسمع بأن البعض سيشارك في الإنتخابات، لهدف واحد، هو التأشير على بطاقة الإنتخاب، تتأكد من أن الإنتخابات مازالت مجرّد "لعبة" تتسلى بها الأحزاب كل موسم، وتسيل لعاب "الطماعين" من المترشحين، فيما تضيّع الجزائر الملايير لتمويل النصب والإحتيال الإنتخابي ! جمال لعلامي:[email protected]