بات من غير المستبعد أن ما يصدر عن بعض مكونات معسكر الموالاة بشأن الانتخابات الرئاسية، توجّهٌ يستهدف إرباك المشهد السياسي، بتصريحات متضاربة ومتناقضة، غيرت بشكل مقصود أو غير مقصود طبيعة النقاش الذي يتعين أن يشغل الجزائريين. ورغم اجتماع قادة ما يسمى "التحالف الرئاسي"، السبت، في مؤتمر حزب تجمع أمل الجزائر بعين البنيان غرب العاصمة، واتفاقهم على "الانفتاح على كل المساعي الخيرة والاقتراحات البناءة واستعدادها التام لدراستها والتفاعل معها"، إلا أن ذلك لم يخف التباين الحاصل في مواقف مكونات هذا المعسكر، بشأن بعض المسائل الحساسة، مثل ما تعلق بتأجيل أو تثبيت موعد الرئاسيات المقبلة. فلم يكد يمر يوم إلا وتتحدث وسائل الاعلام عن تصريحات تدعو إلى تأجيل الانتخابات، وأخرى تؤكد تنظيمها في موعدها المحدد، الأمر الذي أفقد المتابع بوصلة تركيزه، فراح يتساءل عن حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة. وبعد ما انطبع طيلة الأسبوع المنصرم اعتقاد لدى الكثير من الجزائريين، مفاده أن الانتخابات الرئاسية سوف لن تجرى في موعدها المحدد، بعد المبادرة التي قدمها وزير الأشغال العمومية الأسبق، ورئيس تجمع أمل الجزائر "تاج"، عمار غول "الندوة الوطنية للإجماع الوطني من أجل الجزائر"، خرجت يومية "المجاهد" العمومية نهاية الأسبوع المنصرم، لتؤكد بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في وقتها المحدد. التأكيد على احترام المواعيد الانتخابية بما فيها موعد الرئاسيات المقبلة، جاء أيضا على لسان الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، الذي لم يعثر على "مبرر مقنع" لتأجيل الاستحقاق المقبل. قد يكون تصريح صديق شهاب يعبر عن موقف حزب سياسي له طموحات لا تخفى على أحد في الاستحقاق المقبل (وهو أمر مشروع)، إلا أن افتتاحية يومية "المجاهد" يمكن فهمها على اساس أنها تعبير عن موقف رسمي، وإن لم يحمل هذا الموقف تسمية الجهة التي تقف خلفه، في مشهد يطبعه تباين في التوجهات داخل دواليب صناعة القرار. وعلى الرغم من تعدد المبادرات التي تتعلق بالرئاسيات المقبلة في الآونة الأخيرة، إلا أن أيا من أصحاب هذه المبادرات، سواء في معسكر الموالاة أو في المعارضة، لم يخرج للعلن ويصرح دون مواربة، بأنه مع تأجيل الانتخابات أو مع تمديد العهدة الحالية للرئيس بوتفليقة. كل ما هنالك، تواتر صدور تصريحات غامضة من فاعلين سياسيين، يمكن للمتابع للشأن السياسي أن يأخذها على عدة محامل أو يعلقها على عدة مشاجب، الأمر الذي حال دون إضافة جديد على صعيد تحييد الغموض المسيطر على المشهد، بل زادته غموضا في مشهد بدا وكأن من يحرك كل هؤلاء جهة واحدة تمسك بجميع خيوط اللعبة. وعندما يتنقل الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، إلى مدرسة الفندقة، حيث ينعقد مؤتمر حزب غول، ويقضي هناك يوما كاملا، ويده بيد منسق الهيئة المسيرة لحزب جبهة التحرير، معاذ بوشارب، فإن الكثير من الرسائل يمكن قراءتها من هذا المشهد، وإذا تم ربط هذا المعطى بتمسك "الأرندي" كما جاء على لسان المتحدث باسمه، شهاب صديق، بتثبيت موعد الانتخابات الرئاسية، فإن المشهد لا يحتاج إلى مزيد من التوضيحات.