قُوبلت لجنة وزارية رفيعة المستوى للمعاينة، التي حلت بمنطقة أم الشمل في الحوامد جنوبالمسيلة، أمسية الثلاثاء، بصيحات وصافرات الاستهجان وتم رشق الوفد بالحجارة، كما تم اعتراضها في الطريق المؤدي نحو الموقع المتواجد فيه الضحية عياش محجوبي، من طرف العشرات من المواطنين من سكان المنطقة ومن المتضامنين معهم الذين شكلوا دروعا بشرية ورفعوا لافتات تستهجن التأخر في تقديم يد العون لأعوان الحماية المدنية وفريق الإنقاذ بعد 8 أيام كاملة من البحث والحفر عن جثة الضحية الذي أُعلن رسميا عن وفاته صبيحة السبت الماضي. اللجنة التي حلت بالمنطقة يترأسها الأمين العام لوزارة الداخلية دحمون صلاح الدين، وتتشكل من أمناء الصحة والتضامن الوطني، الموارد المائية، رفقة المندوب الوطني للمخاطر الكبرى بوزارة الداخلية، حسب المعلومات القليلة المتحصل عليها، وقد قدمت التعازي لعائلة محجوبي ولسكان المنطقة، نيابة عن الحكومة في هذه المأساة التي حلت بها، وأكدت وقوف السلطات في هذه المحنة. وفي نفس السياق، لا تزال جهود الحماية المدنية مستمرة من أجل انتشال جثة عياش، دون انقطاع، بواسطة الآليات والعتاد، وحتى الأدوات والوسائل التقليدية، نتيجة صعوبة المأمورية وتدفق المياه، دون تحديد توقيت إخراج الجثة التي لا تزال عالقة داخل الماسورة الحديدية في عمق الأرض منذ الثلاثاء ما قبل الماضي، رغم أن العملية تشارف على الانتهاء، وفق ما عُلم من مصالح الحماية المدنية من عين المكان، إلا أن صلابة الأرضية وتسربات المياه من الطبقة الجوفية حال دون الانتهاء من ذلك في أسرع وقت. هيجان بمحيط الحفرة والحماية تنسحب كما تسببت حالة الهيجان والغضب التي سادت المئات من المواطنين المرابطين بمحيط الحفرة والذين يناهز تعدادهم الألفي شخص، خاصة بعد حلول أعضاء اللجنة الوزارية بالبلدية، في توقف الأشغال بشكل مؤقت وانسحاب أعوان الحماية المدنية، بعدما حاصرهم المئات من الأشخاص المحيطين بالحفرة من كل الجهات، وذلك خوفا من إمكانية سقوطهم، وهو ما قد يشكل خطرا حقيقيا ويساهم في إعاقة العملية، ويزيد من طول مدة بقاء الضحية عياش محجوبي داخل الماسورة لليوم الثامن على التوالي. من جهة ثانية، رسم الجزائريون صورة مشرقة عن التضامن والتآزر والتآخي أثناء وقوع المحن وأكدوا مرة أخرى، الوقوف إلى جانب بعضهم البعض، حينما يتعلق الأمر بحوادث أو قضايا تتطلب دعم الجميع، وبينت حادثة سقوط الضحية العياشي محجوبي، في بئر بقرية أم الشمل ببلدية الحوامد جنوبالمسيلة، الكثير من العبر والدروس، حيث كان المواطنون البسطاء منذ الوهلة الأولى في مُقدمة المتطوعين، من خلال تسخير عتادهم وممتلكاتهم وجهدهم ووقتهم ودعم فريق الإنقاذ التابع لوحدات الحماية المدنية. ومع انتشار خبر هذه المأساة قبيل 8 أيام، تحولت المنطقة إلى ما يشبه خلية نحل ومقصدا للعشرات بل المئات من المواطنين كبارا وصغارا، ولم يغادر الكثيرون منهم أم الشمل التي لمت شمل الجزائريين، وأضحت المنطقة الأشهر والأكثر تداولا على الألسن وعبر منصات التواصل الاجتماعي وتحولت قضية عياش إلى القضية الرقم واحد لدى الجميع. ولم يكتف هؤلاء بالحضور الرمزي وتقديم الدعم والمؤازرة إلى فريق الحماية المدنية وعناصر الدرك الوطني، بل سخروا كل طاقاتهم وعتادهم المتمثل في جرافات وآليات وشاحنات ومركبات ملك لمقاولين من داخل وخارج الولاية، هبوا جميعا من أجل المساهمة في عمليات الحفر والبحث عن الشاب محجوبي العياشي، متحملين مشقة التعب والسهر والبعد عن دفء العائلة، وكذا تحمل مصاريف الوقود والمأكل والمشرب وغيرها من المتطلبات الضرورية على أمل إنقاذ حياة عياش الذي شاءت الأقدار أن يفارق الحياة بتلك الطريقة التراجيدية التي هزت قلوب الجزائريين من داخل وخارج الوطن، الذين شرعوا نحو المنطقة لأداء واجب العزاء وتقديم ما يمكن تقديمه في هذه المحنة. مواطنون مستعدون لدخول ماسورة الموت كانت بعض الجمعيات الخيرية في الموعد ولم تتخلف يوما عن مساعدة سائقي الآليات والمواطنين القادمين من مناطق بعيدة والذين يتعذر عليهم التنقل نحو مركز البلدية، لاقتناء ما يستلزم من حاجيات، حيث تكفلوا بهم وفق الإمكانيات المتوفرة، على غرار جمعية جزائر الخير فرع الخبانة وجمعية العناية بالمريض وذوي الاحتياجات الخاصة في عين الملح، كما جمع تجار مواد غذائية وخضروات من سوق الكدية وتم إيصالها إلى عائلة محجوبي في إشارة رمزية تدل على تجذر الفعل الخيري والتضامني بين المواطنين. كما شد العشرات من المواطنين الرحال، نحو أم الشمل من عدة بلديات ومن ولايات بعيدة، محملين بوجبات غذائية، للمرابطين في عين المكان الذين قضوا ليالي وأياما متحملين الجوع والبرد والسهر وقلة النوم، وسط هبة تضامنية غير مسبوقة، تعكس قيم التآزر والتآخي بين أبناء الوطن الواحد، مجسدين أسمى صورة للتلاحم والإحساس المشترك بهذه الفاجعة التي لم تعد تعني عائلة محجوبي أو أم الشمل وإنما تجاوزت حدود المسيلة وسافرت إلى الكثير من البلدان، في الوقت الذي اختفى فيه المسؤولون وأُولي الأمر، كان الشعب حاضرا، حتى إن البعض منهم طلبوا المغامرة والدخول إلى الماسورة الحديدية لعل وعسى يتم إخراج عياش حيا وقبل فوات الأوان.