يتواصل السجال الانتخابي بين حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، غير أن السجال هذه المرة كان قاسيا على حزب الوزير الأول، في انتخابات التجديد النصفي، وذلك بالرغم من أنها تعتبر من اختصاصاته. القوة السياسية الثانية في البلاد انزلقت بعيدا خلف "جبهة التحرير"، في سيناريو لم يكن متوقعا، لأن الفارق اعتاد أن يكون ضئيلا، حتى في عز عنفوان "الأفلان"، مثلما حصل قبل نحو ثلاث سنوات. بعض المراقبين بدؤوا في قراءة العواقب التي قد تنجر عن انتكاسة من هذا القبيل على قيادة الحزب، التي تعتبر المسؤول الأول والأخير عنها، وفق الأعراف السياسية، وتتعزز هذه القراءات بالعودة إلى التجارب السابقة التي عاشها "الأرندي" طوال مسيرته خلال العقدين الأخيرين، فقد أدت انتكاسة تشريعيات 2002 إلى زعزعة أويحيى ثم إنقاذه، أما انتكاسة تشريعيات 2012 فقد انتهت بانقياده إلى الاستقالة بعد أشهر قليلة.. فهل الظروف التي يعيشها الحزب حاليا مهيأة لتكرار سيناريوهات من ذلك القبيل؟ أم إنها لا ترقى إلى أن تكون حدثا بتلك المواصفات؟ وما أثر كل ذلك على استقرار قيادة القوة السياسية الثانية في البلاد؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها. سيناريو تشريعيات 2012 يرتسم انتخابات التجديد النصفي تعزز مواقع خصوم الوزير الأول على غير العادة، زال التقارب الذي اعتاد تسجيله مع كل موعد من مواعيد انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، فقد قفز حزب جبهة التحرير الوطني هذه المرة إلى السقف، فيما انزلقت القوة السياسية الثانية، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إلى القاع. وقد اعتادت انتخابات التجديد النصفي أن تضع حزب أويحيى في المقدمة على حساب "جبهة التحرير"، بالرغم من أن هذه الأخيرة تفوق بكثير غريمها من حيث عدد المنتخبين المحليين (المجالس البلدية والولائية)، الذين يشكلون الهيئة الناخبة لانتخابات التجديد النصفي، غير أن أمورا أخرى كانت الحاسم في كل مرة. ومنذ انتخابات التجديد النصفي التي جرت 2015، انقلبت المعطيات وبات "الحزب العتيد" أفضل حالا، غير أن الفارق كان ضئيلا ولا يتعدى خمسة مقاعد، في حين إن الانتخابات التي جرت قبل أسبوع، أبانت عن معطى جديد وصادم بالنسبة إلى التجمع الوطني الديمقراطي، وهو أن نتائج هذا الأخير، باتت تشكل الثلث تقريبا، 29 مقعدا ل "الأفلان" مقابل 10 مقاعد فقط لحزب أويحيى، بعد حرمان الأخير من مقعد ولاية تلمسان، وفق قرار المجلس الدستوري الأخير. الكثير من الحيثيات والمعطيات لم تتغير عشية هذا الاستحقاق، وكل ما تغير هو حصول انتكاسة بالنسبة إلى التجمع الوطني الديمقراطي، أما بقية الأحزاب الأخرى فتبقى خارج مجال التغطية، لأن أكبر نتيجة تحققت هي تلك التي أنجزها حزب جبهة المستقبل، الذي لم يتحصل إلا على مقعدين فقط. بعض المراقبين توقعوا أن تحصل الكارثة بالنسبة إلى الحزب العتيد في انتخابات 29 ديسمبر الأخير، لعدة اعتبارات أولها حالة التململ التي يشهدها الأفلان، وخاصة بعد حل كل الهيئات القيادية فيه، مثل اللجنة المركزية وإقالة الأمين العام السابق، جمال ولد عباس، وانفراط عقد المكتب السياسي، وتكليف قيادة جديدة بزعامة رئيس المجلس الشعبي الوطني، معاذ بوشارب، وهي القيادة التي لم تحقق الإجماع بين إطارات ومناضلي الحزب. غير أن العكس هو الذي حصل، فما خلفيات ذلك؟ وما هي تداعيات هذه الانتكاسة على قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، التي اعتادت أن تدفع الثمن كلما حصلت انتكاسة للحزب في أي موعد انتخابي؟ الأمثلة على هذا المعطى كثيرة، منها "الكمين" الذي تعرض له الأمين العام الحالي ل "التجمع" بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2002، التي خسر فيها الأغلبية التي حققها في تشريعيات 1997 (…)، وقد نجا منه بعد تدخل أطراف سياسية نافذة، غير أن المطبّة التي لم ينج منها هي تلك التي وقعت له في عام 2012 في أعقاب الانتخابات التشريعية التي خسر فيها الحزب أيضا الكثير من مقاعد الغرفة السفلى لصالح غريمه التقليدي، وهو ما أدى إلى تنامي قوة نفوذ خصومه، وكان من نتائج ذلك، انقياده إلى الاستقالة في جانفي 2013. قد تبدو بعض الظروف والحيثيات مختلفة في بعض الشيء، غير أن محفزات خصوم الأمين العام وما أكثرهم، ستغذيها الانتكاسة الانتخابية الجديدة، وعليه سيحاولون استغلال طبيعة وخصوصية هذا الظرف، الذي عادة ما يخلف تذمرا لدى إطارات ومناضلي الحزب. الانتكاسات الانتخابية التي كثيرا ما تعرض لها التجمع الوطني الديمقراطي، عادة ما تكون لها قراءات وأبعاد سياسية، وعادة ما ترتبط هذه القراءات بالانتخابات الرئاسية والطموحات السياسية التي لم يخفها أويحيى، وعلى رأسها سعيه المحموم إلى التربع على كرسي القاضي الأول في البلاد، باعتباره المنصب الوحيد الذي ظل ينشده الرجل على مدار سنين طويلة ولم يتمكن من تحقيقه. وإن كان طموح أويحيى إلى منصب الرئيس يبقى مشروعا من الناحية السياسية، إلا أنه من الناحية الواقعية يبقى من الصعوبة بمكان تجسيده، بالنظر إلى التحديات والعقبات التي توجد في طريق الرجل نحو المرادية، أولها وجود مرشح مفترض للمعسكر الذي ينتمي إليه، وثانيها طبيعة أويحيى الصدامية مع الانشغالات الاجتماعية لعموم الجزائريين (قصة الزبادي الشهيرة)، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى. عضو هيئة تسيير جبهة التحرير، سميرة كركوش ل"الشروق": الأفلان سيكشف عن مستوى منتخبيه في مجلس الأمة الثنائية القطبية لا تزال تسيطر على نتائج التجديد النصفي لمجلس الأمة، نحو 90 بالمائة من المقاعد سيطر عليها حزبا السلطة، (جبهة التحرير الوطني ب 29 مقعدا) و(التجمع الوطني الديمقراطي ب 12 مقعدا).. أين بقية الأحزاب؟ سيطرة حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة ليست وليد الصدفة، فالحزبان يمتلكان قاعدة نضالية كبيرة على مستوى المجالس المحلية والولائية، ومنتخبوهم يسيطرون على أغلبية المجالس المحلية، وهو ما انعكس بالإيجاب على نتائج انتخابات السينا، على عكس باقي الأحزاب السياسية التي يمكن تصنيفها في خانة التشكيلات السياسية الصغيرة التي لم تتمكن من منافسة الآفلان والأرندي، على أكثر من نصف مقاعد مجلس الأمة، أما بالنسبة إلى حزبنا فبالإضافة إلى الوعاء الحزبي الكبير كان للخطاب السياسي دور كبير وهام في تحقيق النتائج المبهرة واسترجاع ثقة المناضلين الذين فقدوها في وقت سابق. عادة ما تكون النتائج متقاربة بين جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، غير أن هذه المرة الانتصار كان كبيرا ل "جبهة التحرير". ما تعليقكم؟ هو أمر طبيعي، فالقيادة الحالية للأفلان برئاسة رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب جاءت بخطاب سياسي وطني مرجعيته حزب جبهة التحرير الوطني، فضلا عن انتهاج الحزب لطريقة عمل ساهمت إلى حد بعيد في تحقيق نتائج إيجابية في انتخابات مجلس الأمة، وهو نفسه الخطاب الذي ساهم في منح الأحزاب الصغيرة أصواتها لمترشحي الأفلان، فبفضل هذه الثقة استطاع حزبنا تحقيق هذه النتائج والتأكيد على أن انتخابات مجلس الأمة ستعيد للمؤسسة التشريعية هيبتها ودورها الفاعل، خاصة أن البلاد اليوم في حاجة إلى تكاتف الجهود لمجابهة التحديات الإقليمية والوطنية. ما هي القراءة السياسية التي تقدمونها لنتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة؟ طغى على نتائج انتخابات السينا الشفافية والوضوح بشهادة الجميع، فبالرغم من الحديث الذي أثير قبل بداية العملية بخصوص استعمال المترشحين الشكارة وشراء الذمم، غير أن مرشحي الأفلان أثبتوا العكس بفضل نضالهم وعملهم الميداني فكانت الكلمة الأخيرة لهم، لذلك نجدد تأكيدنا على أن حزب جبهة التحرير الوطني قام بحملة انتخابية نظيفة وكان الصندوق هو الفاصل والنتيجة كانت واضحة بشهادة الجميع. البعض اعتقد أن الخلافات التي يعيشها الأفلان في ظل غياب الإجماع حول القيادة الجديدة ستؤثر على نتائج الانتخابات لكن حدث العكس لماذا؟ القيادة الحالية برئاسة منسقها معاذ بوشارب تضم مناضلين يشهد الجميع على مسارهم الحزبي النظيف، فهم من جيل الاستقلال ورئيس الحزب عبد العزيز بوتفليقة وضع الثقة في رئيس المجلس الشعبي الوطني وسلمه مشعل القيادة، وهذا الأخير عمل منذ توليه هذا المنصب على لم شمل الأفلان وظهر ذلك بوضوح من خلال استقباله لأبرز وجوه المعارضة داخل الحزب على غرار بلعياط وبلخادم وعبد الكريم عبادة الذين يمتلكون امتدادا قاعديا، عكس بعض الأصوات التي تمثل نفسها وتبحث عن مصالحها الضيقة التي لم يسمع لها صوت في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، لذلك أعيد وأكرر أن القيادة الجديدة التي تولت مهامها شهرا قبل هذا الاستحقاق تمكنت من تحقيق نتائج إيجابية. بعد ظهور النتائج كثر الحديث عن المستوى الدراسي لأعضاء مجلس الأمة الجدد المنتمين إلى حزب جبهة التحرير الوطني.. ما تعليقكم على ذلك؟ أفند تفنيدا قاطعا ما تم تداوله مؤخرا حول المستوى الدراسي المتدني للمنتخبين الجدد لحزب جبهة التحرير الوطني، وعليه فإن الأفلان سيصدر في الساعات القليلة القادمة قائمة تثبت المستوى الحقيقي لمنتخبيه الذين هم في الأصل إطارات في الدولة ومتخرجون من المدرسة العليا للإدراة ورؤساء دوائر ومفتشون في وزارة التربية. النائب القيادي في اتحاد النهضة والعدالة لخضر بن خلاف ل"الشروق": "الشكارة" سبب غياب المعارضة عن الغرفة العليا للبرلمان لا تزال الثنائية القطبية تسيطر على نتائج التجديد النصفي لمجلس الأمة، نحو 90 بالمائة من المقاعد سيطر عليها حزبا السلطة، (جبهة التحرير الوطي ب 29 مقعدا) و(التجمع الوطني الديمقراطي ب 12 مقعدا).. أين بقية الأحزاب؟ لا يمكن الحديث عن بقية الأحزاب عند قراءة النتائج، بحكم أن انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة كانت محسومة منذ البداية لسببين رئيسيين، وهما أولا طبيعة المنتخبين بصفتهم أنفسهم المنتخبين المحليين، إذ إن هذه الانتخابات تعد تكملة للاستحقاقات المحلية السابقة، التي كان الجميع يعلم بأنها انتخابات مزورة لصالح الأفلان والأرندي. بل أبعد من ذلك التزوير اشتكى منه حزب السلطة وحزب الوزير الأول الذي قدم 255 طعن لدى المحاكم الإدارية، الأمر الذي يثبت أن التزوير لم يصبح شكوى المعارضة فقط، وإنما الموالاة أيضا، وتكون بذلك نتائج انتخابات التجديد النصفي طبيعة منطقية لتلك الانتخابات، والسبب الثاني هو أن هذه الانتخابات تحكمها "الشكارة" والمصالح، فهنالك مترشحون ينفقون الملايير رغم أنهم يعلمون أن أجورهم في 6 سنوات لن تتجاوز مليارا و900 مليون سنتيم، ولكنهم ينفقون 10 مليارات للحصول على المقعد، وسوق الصوت وصل هذه المرة 70 مليون سنتيم. عادة ما تكون النتائج متقاربة بين جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، غير أن هذه المرة الانتصار كان كاسحا ل "جبهة التحرير". لماذا وقع العكس هذه المرة؟ ما ذكرت سابقا كان سبب كل ذلك، فالولاة قاموا في الانتخابات المحلية السابقة بكل ما في وسعهم لإنجاح حزب السلطة، بل هم من قام بتنشيط الحملة لصالح هذا الحزب في عدد من الولايات، لذلك فإن الأغلبية الساحقة كانت له، هؤلاء قاموا بكل ما يستطيعون للاستحواذ على الأغلبية تمهيدا للانتخابات الرئاسية، وعلى العموم، فالسلطة تهدف من خلال مجلس الأمة، إلى وضع حد لعرقلة ما يتم التصويت عليه في الغرفة السفلى، ولضمان الأغلبية ولذلك تلجأ إلى التزوير، ليكون مجلس الأمة حاجزا مزيفا أمام كافة القوانين، وهنا يجب التنويه إلى أن المنطقة الوحيدة التي تتمتع بالشفافية في الانتخابات هي الولايتان اللتان يتم التصويت فيهما على الأفافاس، بحكم أن حزبي السلطة يظلان بعيدين عنها. ما هي القراءة السياسية التي تقدمونها لنتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة؟ هي نفس القراءة التي أجبتك بها سابقا، انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة ما هي إلا تمديد للانتخابات المحلية الماضية، فالشكارة كانت المتحكم الوحيد في الوضع، كما أن هذه الانتخابات ما هي إلا تعبيد للطريق نحو الرئاسيات المقبلة، من خلال ضمان الأغلبية الساحقة، والمريحة للحزب الذي يرغبون في إيصاله إلى الحكم. هل كتب على المعارضة أن تبقى بعيدة عن التمثيل في هذه الغرفة البرلمانية الحساسة؟ نحن كمعارضة نعتبر أن وجود هذه الغرفة لا محل له من الإعراب في الساحة السياسية، ولكن السلطة بررت وجودها لتكون هيئة تضمن وجودهم خلال المراحل القادمة، أما بالنسبة إلينا نحن الإسلاميين، فلا مبرر لوجود هذه الغرفة، وهي لا تعني لنا شيئا. برأيكم، كيف السبيل لتجاوز هذه المعضلة؟ السبيل الوحيد لتجاوز هذه المعضلة في نظرنا هو إلزامية أن يتم تنظيم انتخابات نزيهة وديمقراطية وشفافة بعيدة كل البعد عن التزوير والتدليس، وهو الأمر الذي طالبنا به في العديد من المرات، فيجب قبل كل شيء تحقيق ما يصطلح على تسميته ب"توبة السلطة"، وهذا لن يكون إلا باستحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، دون تدخل الحكومة والسلطة والقضاء وكافة الجهات الأخرى، كما يجب توفر ضمانات قانونية كافية، لكي يصبح تنظيم الانتخابات يسير بشكل قانوني وبطريقة شرعية على غرار ما هو متعامل به في الدول الديمقراطية.