على عكس بقية الأحزاب المشكلة لما يعرف بمعسكر الموالاة، أبقى حزب الحركة العشبية، الذي يرأسه وزير التجارة الأسبق، عمارة بن يونس، على الشك بشأن موقفه من دعم العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. حزب بن يونس أبقى على هامش المناورة، في أعقاب اجتماع مكتبه الوطني الأخير، وقد جسد هذا، البيان الذي توج هذا الاجتماع، والذي من بين ما جاء فيه عدم الانخراط في دعوة الرئيس المنتهية عهدته، إلى الترشح لانتخابات الثامن عشر من أفريل المقبل. البيان أكد أنه "لا يمكن لأحد أن يمنع مواطنا من الترشح ما عدا المجلس الدستوري المؤهل للفصل في قبول الترشيحات، كما لا يمكن أيضا لأحد أن يُجبر مواطنا على الترشح"، وهو موقف لا يتماشى وما صدر عن كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، منذ توقيع القاضي الأول على مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية، قبل أربعة أيام. ولم يكن هذا الموقف هو الأول من نوعه من حزب عمارة بن يونس، فقد سبق لزعيم هذا الحزب أن قال كلاما من هذا القبيل في الصائفة المنصرمة، عندما التقى مع رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، في إطار مساعي هذا الأخير لإقناع فعاليات المشهد السياسي بمبادرة "التوافق الوطني" حول مرشح للانتخابات الرئاسية. وقد تسبب موقف عمارة بن يونس حينها في صدام مع الأمين العام المطاح به من الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، الذي لم يتقبل سماع مثل هذا الكلام من مسؤول حزب محسوب على معسكر الموالاة، فوقع سجال كلامي بين الطرفين. موقف حزب عمارة بن يونس هذا يبقى كلاما سياسيا بامتياز، فالرئيس بوتفليقة لم يعلن حقيقة عن ترشحه لاستحقاق أفريل المقبل، وهذا معطى يبرر موقف حزب الحركة الشعبية، غير أنه من الناحية الواقعية، يبقى موقفا مثيرا للريبة، لأن من الأدبيات المعتادة في الممارسة السياسية في البلاد، وخاصة ما تعلق بأدبيات السلطة، أن مرشحها عادة ما يسبق إعلان ترشحه، دعوات ومناشدات من الأحزاب الدائرة في فلك السلطة أو محيطها، وهي المعاينة التي وقف عليها الجزائريون خلال العهدات الأربع المنقضية للرئيس بوتفليقة. ولم تكن مثل هذه الممارسات وليدة حقبة حكم الرئيس بوتفليقة، بل تعتبر جزءا من طريقة ممارسة النظام القائم للسياسة، وهي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، فيما عرف ب"المسيرات العفوية" لدعم ترشح الرئيس السابق اليامين زروال. وعليه، يمكن قراءة موقف عمارة بن يونس من "العهدة الخامسة"، وفق احتمالين، الأول هو أن قادة "الحركة الشعبية" لا يزالون ينتظرون تميّز الخيط الأبيض من الخيط الأسود بخصوص استحقاق أفريل المقبل. بمعنى أنهم ينتظرون حسم الأمور لصالح مرشح معين في قمة الهرم، حتى يبلوروا موقفا نهائيا، في وقت يبقى الغموض سيد الموقف، برأي الكثير من المراقبين. الاحتمال الثاني وهو أن حزب عمارة بن يونس يدرك أن العهدة الخامسة آتية لا محالة، غير أنه يماطل من أجل التفاوض على "كعكة" أفضل من تلك التي حصل عليها في استحقاقات سابقة مقابل دعمه مرشح السلطة، فالرجل لم يتقلد أي منصب منذ بداية العهدة الرابعة، وكل ما حصل عليه حزبه، كانت حقيبة للسياحة باسم أحد إطاراته هو مسعود بن عقون، غير أنها بقيت مؤجلة.. وفصول القضية يعرفها الجميع.. فهل يقف عمارة بن يونس على أرضية صلبة في تبنيه لهذا التكتيك، أم إن الرجل يغامر ما قد يخسره الجمل وما حمل، كما يقول المثل؟ هذا السؤال ستفكك ألغازه الأيام القليلة المقبلة.