الشاعرة رشيدة محامدي صوت نبت خارج اعتاب الوطن و نضج وسط الحياة الاكاديمية الامريكية التي لم تستطيع بصرامتها ان تطفى الق تلك التجربة التي اكتشفتها يوما ذات ليلة ادبية على شاطئ صيفي في مدينة كانت تنهض من رماد عنقاءها التقينا كثيرا و تفرقنا عديدا كان اللقاء الادبي مشروعا مؤجلا الى اوقات تاخرت عن المجئ سنوات متتالية في اخر زيارة لها الى الجزائر حدث صدفة او قدرا ان قررناان نشعل المسجلة دون تحضير و دون نفاق في حديث كانت فيه رشيدة صريحة الى ابعد الحدود. تحدثت عن صداقاتها عن حياتها في امريكا و العراق عن علاقاتها بصدام و المخابرات الامريكية و اشياء اخرى نكتشفها في هذا الحديث. رشيدة اسم يحيل على ديوان " شهادة المسك " و صوت كان يمكن ان يكون شيئا في هذا البلد لكنك اخترت الهجرة لماذا ؟ *** نظل دائما اطفالا نتمنى تقديم شيئا للذين نحبهم انا في تلك الفترة كان هاجسي ان احضر شهادة الدكتوراه باسرع وقت ممكن حتي تلحق بها والدتي المريضة هذا الجانب ابعدني نوعا ما كمنتجة للنصوص و جعلني قارئة لحد الفجيعة هذا من جهة و من جهة اخرى كنت مرمية بكل مسؤوليتي الإبداعيةو بكل ما فيا كمترجمة لتقديم اعمال كتاب عراقيين كانوا تحت الحصار رشيدة بكل هذا الارث الشعري كيف تعيشين في امريكا في بلد يقال انه لا يؤمن الا بالقوة ؟ **** صحيح ان الامر صعب لكني اتعايش مع هذا المجتمع من منطلق الفرص التي يوفرها انا اعيش في امريكا ليس كوني امثل الصحراء في بلد عربي و بالتالي لا اراهن كثيرا على النوستالجيا التي تمثل ماض او البحث عن الامان . أعيش في أمريكا محاولة أن أجد القواسم المشتركة بيني و بين هذا الانسان الامريكي أو بالأحرى أن أكون ندا له بصراحة انا ارفض النظرة الثقافية القائمة على الفلكلور المشرقي العربي 3- هذه نظرتك انت و فهمك للإنسان الأمريكي كيف ينظر الامريكي اليك كعربية ؟ *** لا اخفي عليك انا الأمريكيون البسطاء هم سذج الى حد كبير لكن الامركيين الأكاديميين خطرين جدا و هناك اهتمام بالثقافة العربية و بالانسان العربي من منطق الفضول و دراسة الاخر كما يحرصون دائما على تقديم المقابل الحضاري لهم للآخرين. تصفين الأكاديميين الأمريكيين بالخطرين لما ؟ *** هم حقيقة خطريين جدا لانهم لا يغفلون على تغيير مقاييسهم في الجامعة و استقطاب العقول العلمية الجاهزة لهذا نجد هجرة ادمغة كبيرة جدا نحو امريكا من دول عربية و غير عربية الامريكي يستعجل المعاملة مع من يعتقد انهم يقدمون شيئا جديدا للمجتمع الامريكي لذا مثلا فمنذ ظهور مصطلح "حوار الحضارات " قام الامركيون بتدريس فكر مالك بن نبي رسميا في الجامعات الامريكية فالعقلية الاكاديمية في امريكا تعرف حدود قيمتها و لا ترفض الآخر حتى و لو كان عدوها مادام بإمكانه أن يقدم لها شيئا جديدا يمكنها من فهم عدوا اخر . رشيدة لو عدنا قيلا الى الوراء الى زمن تواجدك في بغداد و عرق الحضارة كيف اثرت تلك الفترة في طرحك الابداعي و تحديدا للشعر ؟ ***كان العراق حلقة زمنية اشعلت رغبتي الطفولية في النضال لاني منذ الصغر كنت اؤمن اني لي وطنا مغتصبا اسمه فلسطين وفي العراق وجدت غوغاء سياسية بشكل مدروس و هذا طبعا لم يكن يهمني و كل ما كان يعنيني في تلك الفترة خاصة في زمن الحصار هو كيف اقدم دعما معنويا و أدبيا وزادا معرفيا للمبدع العراقي المحاصر بان اترجم اعماله و اقدمها لاخرين فاخترت ان ادرس في الجامعات العراقية و قد عرضت عليا الدراسة في الجامعات البريطانية فوجودي في العراق كان وجودا اختياريا لكنه ايضا قدريا لاني كشاعرة مدينة لهذه الفترة من حياتي فلما كنت لاكون بهذا الزاد المعرفي و هذا الوزن الاستماعي لما أبدعته حنجرة الأرض و الحضارات القديمة لو لم اكن في العراق رغم ان العراق يومها كان يعيش زمن دكتاتورية صدام و لم يكن سهلا ان ترتفع فيه اصوات الشعر ؟ *** هذا صحيح كانت الاصوات معلقة فكثيرا ما كنت اعود في العطل الى الجزائر و عندما اعود الى العراق اجد صديقا ما قتل اة سجن او اعتقل برغم ذلك اصريت ان اكمل هذه الفترة المقدرة عليا لاني في اعماقي كنت اؤمن بالانسان العراقي و بانه سيقدم زادا معرفيا جديدا من خلال نظرته للشعر في حالة انسانية وجودية نادرة جدا هي كبف نبدع تحت الحصار الذي لم يعرفه التاريخ طيلة 12 عاما و ما زلت لحد اليوم مقتنعة انه بعد عقد او عقدين ستثمر تلك التجربة اشياء جميلة في الشعر و المسرح و السينما و سيبدا التنظير لهذه الظاهرة انطلاقا من فهم الانسان العراقي للحظة الكتابية و اللحظة الابداعية. رشيدة بعد سقوط بغداد غادرتي إلى أمريكا التي اجتاحت بغداد اليست هذه مفارقة ؟ أو بشكل آخر أليست خيانة للمبدأ *** العراق تعرف كيف تستخدم المثقف لذا يتطلب التعامل معها بعض من الذكاء هذا ما حاولت التصرف وفقه فقد رفضت الانظمام الى حزب البعث رغم انه عرض عليا باشكال مختلفة و كنت ادرس على نفقتي الخاصة في الجامعات العراقية و هذا شيء مهم ان يعرفه عني القارئ وسط هذه النار ووسط هذه اللعبة السياسية الخائنة لانسان العراقي الحقيقي لم اركع للواقع السياسي العراقي ابدا و لديا شهادات و رسائل من منظمات انسانية صحفية ادبية و انسانية من داخل العراق تعترف بدور رشيدة محامدي في تلك الفترة. ربما لذا اتهمك البعض بالعمالة الامريكا و المخابرات الامريكية تحديدا ؟ *** اولا اريد ان اوضح انني لم اقبل في الجامعات الامريكية و لكن قوبلت في اذاعة امريكية كنت اراسلها من بغداد في زمن الحصار و هي اذاعة " باسيفيكا " التي اجدها اقرب في طرحها لقضايا العرب و المسلمين مما يطرحه الاعلام العربي داخل بعض الدول العربية و الطريف في الحكاية انني ايضا اتهمت بالعمالة لصدام حسين و لكن هل يعرف هؤولاء ان رشيدة محامدي لم تقل يوما مقطعا شعريا في صدام كما فعل بعض الضيوف من هذا البلد الذين بقو سبعة ايام في بغداد و مدحوا صدام بقصائد و اغدق المال عليهم و استقبلهم انا لم ارى هذا الرجل و لم يستقبلني لان قريحتي الشعرية رفضت ان تقول فيه شعرا رغم انه كان يريد ذلك مني ، إن حكاية اتهامي بالعمالة للمخابرات الامريكية حكاية طريفة و سخيفة كون هذا البلد لا يستطعم نجاحات ابناء ه و لا يكتشف قيمتهم الا بعد عقود من ظهورهم في الغربة و لك في حياة العديد من المبدعين امثلة لكن دعيني فقط احكي لك نكتة ليعرفوا من هي عميلة امريكا لقد تصادف رحيل الشيخ ياسين ان فتحت اذاعة الباسيفيكا لاستقبال التعازي الخاص بالحادث حتي جاءت الشرطة لاعتقالي داخل الاستوديو لاني لم اكن محمية في امريكا و لا املك حتي وثائق الاقامة الامريكية دعينا نبتعد قليلا عن السياسة و نعود لديوانك الثاني " اوراد الدمعة " لما اخترت ان تنحي فيه منحا صوفيا ؟ اتعاب الحياة تجعل العديد من الشعراء و الشاعرات يقولون ان لهم ابعادا صوفية انا كتبت هذا الديوان في عز نضج التجربة و ادائي الانساني العادي كنت مرهقة نفسيا و جسديا من شهادة الدكتوراه كنت اعيش قصة حب شرسة فجاء هذا النص . على ما يبدو فانه بداخل كل إنسان منا صوفيا لا نعرفه و لا يحق لنا ان نعرفه الا اذا اثبت الزمن انه صديق حميم لنا في هذا العالم. انت ايضا عضوا في "منظمة الكتاب الأمريكيين من ذو الاصول العربية " ماذا يمكن لهذا التنظيم ان يقدم ثقافيا خاصة للعرب في ظل نظرة مسبقة لامركيين عنا ؟ *** لا أفهم لماذا ننتظر دائما من الاخرين ان يقدموا لنا شيئا ، أنا لست عضوا في هذه المنظمة لاني قدمت اقتراحا عمليا و هو كيف نقدمهم هم الينا نحن اعتقد انه علينا ان نفكر قليلا للخروج من هذه الجدلية الفجيعة المرة فالامريكي اليوم بحاجة لان يعرف نفسه من خلالنا نحن العرب لاننا نملك مثلا قدرة عجيبة على استعاب اللغات و هذه حقيقة تاريخية انا مدينة لهذه المنظمة انها تحاول مقاربة الانفاس الابداعية داخل و خارج امريكا و هذا لعله جزء من مشروع الخروج من جدلية البطل و الضحية. انت ايضا عضو في منظمة "البورن "للترجمة التي اسستها سلمى خضراء الجيوسي التي يقال انها المفكرة العربية الوحيدة و انت الوحيدة من المغرب العربي التي حققت هذا الشرف ماذا اضافت لك هذه التجربة ؟ *** مكنتني من التعرف الى هذا الكائن الخلاق سلمى خضراء الجيوسي التي اعتبرها قدوة و اطمح دائما للتعلم الجديد منها و إن كنت اعتبر نفسي جديدة في هذا المجال لكن الحمد الله لم يسبق ان رفض لي مشروع قدمته في منظمة كبيرة كهذه و دخولي لهذه المنظمة اعتبره شرفا للجزائر لاني املك نظرة محلية و هي كيف اترجم و اقدم اعمالا جزائرية للآخرين على ذكر الجزائر ماهو حظ الثقافة الجزائرية في امريكا ؟ *** لا افاجئك اذا قلت لك انه حظ قد يساوي الصفر فرغم وجود جزائريين ناجحين علميا هناك لكن لحد الان لم يظهر مثقف جزائري واحد يمكن ان يلفت انتباه الامركيين الذين يجهلون عنا حتي الان الكثير ، الأمريكي في الحقول الثقافية لا يعرف اليوم شيئا عن الجزائر فحتي اسيا جبار تدرس هناك الادب الفرنسي و انا اقوم بمحاولة مقاربة الادب الجزائري و ماعدا هذين الاسمين لا شيء أخر. برأيك من المتسبب في هذه النظرة و القطيعة ؟ *** لان ربما الذين يتصورون بيت السعادة الثقافية في الجزائر يشرعون دائما نوافذ و شرفات هذا الوطن على فرنسا و باريس و العالم اوسع و ارحب من ان تحتويه جهة واحدة فحتي الفرنسيين ايتام مثلنا عندما يلجئون إلى أمريكا و انت تتحدثين على الشرفات المفتوحة في اتجاه واحد لما انت شبه غائبة عن المشهد الثقافي في الجزائر و نحن نعيش حدث عاصمة الثقافة العربية ؟ *** ربما أتحمل جزء من هذا الغياب في غمرة انشغالي بالحياة الاكاديمية في امريكا لكن هذا لا يبرر ابدا عدم توجيه الدعوة لي في العديد من المرات سمعت مثلا ان المكتبة الوطنية تحضر ملتقى عن كتاب المهجر فكبف اقصي من الحضور هذا الموعد في بلدي و انا التي قالت لي سلمى خضراء الجيوسي على سبيل الطرفة انها لن تحضر الى الجزائر لو لم احضر انا هذا الملتقى هو مشهد ربما من الصعب ان نرممه لكن حتي اكون صريحة معك اقول ان هناك اقصاء قد يكون عمدي و قد يكون غير عمدي لكن الاكيد ان هناك غباء في رسم مشهد عاصمة الثقافة العربية بالجزائر . منذ شهر من الان قدم شاعر جزائري لن نذكر اسمه قصيدتك " وطني المستطيل الاضلاع " في امسية شعرية و نسبها لنفسه و قيل انك غضبتي كثيرا و قد توعدتي باللجوء الى القضاء ؟ *** هناك مقطع لربيعة جلطي في ديوانها شجر الكلام يعجبني كثيرا تقول فيه " ما اروع ان نتحرر ان نصبح جماعة او اكثر ان لا نتكرر " فليس أجمل من أن تلقى أناس يحفظون قصائدك لكن في المقابل ليس اقبح من ان ترى هذا الشخص ينسب اشعارك الى نفسه اني احذر ممن يجرا على اقتباس نص أو مقطع لي دون ان يقول لي حتى شكرا ولا ربما سأكون أول من تدشن عهد المحاكم الادبية في الجزائر . استشهدتي هنا بمقطع للدكتورة جلطي و بينكما صداقة مميزة ماذا بقي منها اليوم ؟ *** كانت ربيعة جلطي من الاصوات التي قرات لها و اعجبت بها و بيننا صداقة جميلة و لكن تعلمين أن آيات الكرسي تكسر كرسي المحبة أحيانا و لكن انا واثقة ان الداخل الابداعي لها سينتصر على اشياء اخرى بدليل ما حدث مؤخرا. غير ربيعة جلطي انت ايضا درستي الى جانب المفكر الامريكي الكبير نعوم شومسكي بماذا تحتفظين لهذا الرجل في ذاكرتك " *** التقيته في الجامعة التي كنت ادرس بها قدمت له نفسي و كنت اود دعوته الى الجزائر اجريت معه اكثر من 10 حوارات لاذاعة باسيفيكا و نشرت مقالاتي في المجلة التي يراسها " زاد " ،هو رجل صعب المراس محبوب من طرف الناس لكن ليس طيعا من الناحية الانسانية و مازلت اتابع كل ما يكتب و حتى الإذاعات التي يستمع اليها فلا ربما اكتشفه أكثر. رشيدة لك اصدقاء في السياسة تلتقيهم خارج اللحظة السلطوية كيف تعشين هذه اللحظات ؟ *** لا اخفي سعادتي اني اطل على بلدي كضيفة ربما هذا ما يجعل اصدقائي حتي لو كانوا في السلطة يحتفون بي على طريقتهم ، أنا مقتنعة بأنه إذا كان فيا شيء يصلح لهذا البلد فهو أنني أمثله ثقافيا و اذا قدر لي يوما ان اخلط في قدر السياسة فلن أتردد في أن أمثله دبلوماسيا . هل تؤمنين حقا بقدرة الثقافة على قيادة الدبلوماسية ؟ جدا قد تتيح الثقافة للدبلوماسية ما لا تتيحه السياية لذا يجب ان تتغير نظرتنا لتفريخ الدبلوماسيين من الحقول السياسية الى تفريخهم من الحقول الثقافية و الابداعية . حوار زهية منصر:[email protected]