''اخرج من كفني مبتسما'' عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر وعضو اتحاد الكتاب الجزائريين سيف الملوك سكتة، بعد مجموعته التي حملت عنوان ''هكذا ولدتني يداي''، يدعونا الشاعر من خلال نصوصه الى تبني الإيجابية في الحياة والانقلاب ضد كل المحن والأزمات والعقبات التي تعترض سبيلنا، من خلال النهوض والوقوف بعد كل عثرة بابتسامة، لأنها درب من دروب التحدي من جهة و نافذة الأمل التي يدخل منها نور الحياة من جهة اخرى. هكذا أسس سيف الملوك فضاءه الشعري منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث يراهن فيه على تشكيل منفرد للأداء لغة، تصويرا وإيقاعا، معتمدا على صوره الشعرية الكثيفة، والتي يحمّلها من البوح ما لا تستطيع، حتى لا تلتقطها اذن المتلقي إلا وهي نابضة بالحرف الأخّاذ والجمال المتوقد، مشعة بروح الابداع ومترجمة لرؤاه المستقبلية.. الحوار ارتأت ان تلتقي هذا الشاعر الذي يخرج من كفنه مبتسما، ويرى نفسه مثل طائر العنقاء الذي يموت ويولد من رماده ويعود للحياة مجددا، في محاولة لإماطة اللثام عن بعض جوانبه الخفي، فكان لنا معه هذا الحديث.. الحوار: أي الزوايا يختبئ فيها سيف الملوك الشاعر، وما موقف سيف الملوك المواطن من تمرده؟ - سيف الملوك: تحديدا لا أعلم فالشاعر مازال على قيد الحرية والمواطن في رحلة بحث مستمرة عمن يرشده إليه، لقد قيل لي إن الشاعر تاه منذ زمن ولم يجد عثراته بعد. من اين يحب شاعرنا أن نبدأ؟ - لا توجد نهاية فاختر من البدايات ما يناسب الآتي. أي الزوايا رأيت نفسك فيها أيها الرائي تخرج من كفنك مبتسما؟ - الغيابات والفقد والخسارات أكفان أخرج منها مبتسما. الملاحظ في نصوصك مسحة جنائزية رثائية ما سببها، اقصد من تعزي وأنت تكتب؟ - أرثي الإنسان وأغري الكائنات الأخرى تجميلا وتحديدا، الكائنات الورقية التي ظلت تحافظ على آدميتها. فقدت عنابة تجربة شعرية بمجرد ظهورها انطفأت ألا وهي تجربة المرحوم عبد الله شاكري.. ماهي في رأيك النوافذ التي فتحها هذا الشاعر في نصوصه؟ - عبد الله شاكري وعبد الله بوخالفة وبختي وعلولة من فصيلة إبداعية واحدة، لا يمكن أن تتحملهم الحياة أكثر، ولا كانت الساحة الأدبية مختلفة لو ظلوا أحياء، وأتموا مشاريعهم الجملية، عبد الله شاكري كان قصيدة تمشي على قدمين. وكيف ترى المشهد الثقافي في بلادنا؟ - المشهد : أخشى إذا رأيته أن أصاب بالعمى، فقسوته تغتال زرقة الأحلام، ولأن كلا سيدفن في قصيدته، وكثير من الشعراء انتبهوا إلى أن الإبداع عملية فردية فدائية، تنفذ سريا داخل اللغة. هل ترى أن الجغرافيا ظلمتك على غرار الكثير من المبدعين الذين يقيمون خارج العاصمة؟ - الجغرافيا أنصفتني، وأشكر الله أن بعث شاعرا في هذه المدينة المكتنزة الجمال (بونة) الفائقة الشعرية، وإذ تقصد التجارب الإبداعية خارج العاصمة، هي فعلا أقل حظوة وأضواء، ولكنها أكثر عمقا ورؤية، وقلة من مبدعي العاصمة استطاعوا الحفاظ على إنسانية وشعرية عاليتين، فالهامش وحده جدير بالشعراء، للتأمل ومباغتة المعنى. الآن وبعد أن خمدت نيران الصراع الحاد الذي كان يحترق في لهيبه اتحاد الكتاب الجزائرين.. كيف تنظر كأديب وعضو رسمي لمستقبل هذا الكيان الثقافي الهام؟ - اتحاد الكتاب نريده نقابة تدافع عن الحقوق المادية والمعنوية للكتاب ومجالا للصراعات الفكرية والاتجاهات الإبداعية بأدوات جمالية. قال الشاعر اليتيم عادل صياد في حوار سابق لنا معه إن الشعر كائن في طريق الانقراض .. بل في لحظاته الاخيرة، والسبب حسبه يكمن في غياب عنصر النقد، هل توافقه فيما قال أم تعترض؟ - الشعر أول من أكل من نبتة الخلود التي وجدها جلجامش، لذلك هو يتجدد من تلقاء رؤياه، الشعر أجمل وأعمق ناقد عرفته اللغة، ولذلك قيل كثيرا الناقد شاعر فاشل، هناك عالم شعري تقليدي، يترصده النقاد الكسالى، وهناك عالم شعري لا يقدر بمنهاج يترصده الصفوة من النقاد الذين يمتلكون مفاتيحه، ذلك أن النص الآتي يتكون من طبقات دلالية ورؤياوية لا يصل إليها حفاة العقل، الشعر لم يعرف ازدهارا كما أراه الآن، إنه يغزو أجناسا أدبية أخرى، يغزو السينما والأنترنت، والسياسة، والحروب ألم تر أن للحروب الحديثة أسماء شعرية، أما غياب النقد فيقع في مهب الغيابات المتنوعة، الشعر نقد تلقائي للشعرية العالمية، للمادية، للشر الذي نصارعه بوسائل جمالية كما يقول محمود درويش. لدينا معلومات تؤكد قراءاتك المختلفة والمتشعبة في كل المجالات والثقافات.. إلى أي مدى تشعب القراءة زوايا واتجاهات الإبداع لديك؟ - لأن القراءة أسهل من الكتابة، وهي أيضا إبداعية، ومثاقفة للنص ولعبة لاكتشاف ما تخفى من معاني وراء غابات اللغة، لنقطف من دالية الدلالات خمر الدهشة، أحاول تنويع قراءتي لأن الشعر أيضا ندخله من الفلسفة والتاريخ والفيزياء والرسوم المتحركة... هل يمكن اعتبارك من الشعراء الرومانسيين الحداثيين؟ - ما أجمل أن أعتبر نفسي كذلك... مع أنني لم أتحدد بعد. متى يتوازى ارتباطك الروحي مع الطبيعة، خصوصا وأن مدينة عنابة من أجمل المدن الجزائرية وأكثرها سحرا؟ - ما يدعى الخيال علمي دائما فلا يمكن أن نكتب خارج الحقيقة التي تبدو خيالية لأننا نلتقطها من النادر الخفي، حين أقول يطلقون الناس من المدافع، ففي القرون الوسطى كانوا يعاقبون الناس بإطلاقهم من المدافع، فالانزياح الشعري ليس عشوائيا، لا أؤمن بالشكلانية الروسية، ولا أؤمن بالقصيدة التي تمشي على عكازات البحور التي وضعها الخليل للمعطوبين شعريا الذين لا يستطيعون المشي في مجاهيل المعنى، أؤمن بالذكاء اللغوي: أنا كل ما قرأت وعشت، أنا منذ آدم وإلى آخر آدمي، لذلك أقصد بأنا نحن. ؟ متى يتملكك شيطان الشعر؟ - رغم أني أؤمن أن للملائكة والشياطين دخل في الكتابة إلا أنني أكتب اضطراريا، حين أكون بين اليقظة والنوم، في الحالة التي تسمى ألفا، فأرى الآتي والماضي متجليان أمامي، يتجمد الزمن، وأرى ذكريات المكان الذي أنا فيه وما سأكون عليه بعد عشرة أجيال، حين بيدي يكتب شاعر آخر لأني أكتب ما يراه. ماذا بعني لك الفرح والحزن؟ - الفرح والحزن وجهان لعملة ثالثة. ماذا تعني المرأة في نصوصك؟ - المرأة حين تحدق في مرآة الرجل، يفقد بوصلته لذلك، اسم المرأة مرادف للتيه. ما سبب عزوفك عن حضور الملتقيات والتظاهرات الأدبية عكس ما ألفناك عليه سابقا؟ - أحضر الملتقيات للقاء الأصدقاء لا أقلّ، في التسعينيات اكتشفنا الآخر فينا بدهشة وحب، وبعد سنوات أدركنا ضرورة الهامش فرحنا نحافظ على غيابنا لنقلل من فداحة الخسائر، لكني مازلت أنشط في اتحاد الكتاب، وفي متفرقات من الملتقيات. ما رأيك في التظاهرات الثقافية؟ - التظاهرات الثقافية ضرورية للتواصل الإنساني والمعرفي، ليعرف الحاضر أين يضع خطوته الغائبة. نشكرك على تحمل مشاق أسئلتنا الفضولية.. كلمة نختم بها هذا الحديث؟ - في النهاية.. أشكر جريدة ''الحوار'' على هذه الالتفاتة الطيبة.