حمل الحراك الشعبي الذي يقوده الجزائريون في المدة الأخيرة آثارا إيجابية تجسّدت في ارتقاء كثير من القيم الاجتماعية منها صور التكافل والتآزر والمحافظة على البيئة والمحيط، فيما يخص "تحدي النظافة" لرفع النفايات وجمعها من قبل شباب متطوعين في أحيائهم وفي بعض النقاط السوداء القريبة منهم. ففي ظل انتشار تحديات غبية لا جدوى منها سوى شد انتباه رواد الأنترنيت وتمضية الوقت في تفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع ظهرت تحديات مفيدة ومجدية. دريسي.. جزائري يقود "تحدي النظافة" إلى العالمية ومن أبرز المبادرات التي حلّقت بعيدا وعاليا في وسائط التواصل الاجتماعي تحدي النظافة الذي أطلقه الشاب الجزائري ابن مدينة تلمسان يونس دريسي تاني الذي وصل إلى العالمية وسار على دربه بعد ذلك عشرات الشباب الآخرين كل في محيطه ومجاله. ويهدف دريسي من خلال تحدّيه، حسب ما ورد في منشوراته، إلى رفع مستوى الوعي حول تلوث البيئة وحجم البلاستيك المحيط بنا "ورغبته في تقديم إضافة من خلال تحدي يخدم الفرد والمجتمع". وينشر دريسي صور المواقع التي تحظى بتحدي التنظيف قبل وبعد العملية على اختلافها من أرصفة ومساحات خضراء وشواطئ. طلبة وعمال وسكان على خطى "تحدي النظافة" تبنّت فئآت مختلفة "تحدي النظافة" كل على مستواه لما حققه من انطباعات حسنة وأثر بالغ في نفوس أصحابها والمشاهدين لها وسار على هذا الدرب طلبة الطب في جامعة الجزائر الذين أطلقوا حملة نظّفوا فيها كل أقسام وأروقة الجامعة وجدرانها ورفعوا القمامة ووضعوها في أكياس بلاستيكية ما أعاد للجامعة صورتها الجميلة، وحتى على مستوى الإقامات الجامعية تطوّعت فتيات لتنظيف أجنحتهن والمساحات المحاذية لها. وعلى هذا النهج أيضا باشر سكان بعض الأحياء العاصمية والداخلية ونظّموا حملات تطوعية شارك فيها الرجال والأطفال في أجواء غمرتها البهجة والسرور، وحتى عمال بعض المؤسسات قادوا بدورهم عمليات مماثلة قبيل انتهاء الدوام ونشروا صورهم على صفحات "فايسبوك" و"تويتر". حملات نظافة بعد مسيرات الجمعة بلغ صيتها العالمية وعكست حملات التنظيف التي سجّلتها شوارع العاصمة عقب مسيرات جمعة الحراك الشعبي وعيا ونضجا شبانيا كبيرا في الحفاظ على نظافة المحيط، إذ تطوّع شباب وشابات لجمع النفايات في أكياس تسهيلا لمهمة عمال النظافة.. صورة مشرفة تمّ تداولها على نطاق دولي… وشارك في تلك الحملات مواطنون من مناطق مختلفة شاركوا في المسيرات ورفضوا المغادرة قبل إعادة الوجه اللائق للمدينة، فبعضهم ساهم بشراء الأكياس وبعضهم الآخر ساهم بجمع النفايات، فيما قام آخرون بتوفير الماء والمكانس لإزالة البقايا الراسبة على الأرصفة والطرقات. ولم تتوقف حملات التنظيف في شوارع العاصمة بل تعدتها إلى مختلف مدن الوطن التي شهدت مسيرات حاشدة ومنها وهران وقالمة وبومرداس وأدرار، في إطار الاستفاقة والهبة النوعية للشباب. وطالب سكان مختلف الولايات في منشورات لهم على الفايسبوك، بضرورة إطلاق حملة تنظيف واسعة تحت شعار "تحدي النظافة". جزائريون يثنون ويشيدون ب "تحدي النظافة" لاقت مختلف تحديات النظافة إشادة بالغة بأصحابها والمبادرين إليها، كما حصدت الصور المنشورة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الإعجاب والمشاركة. وورد في أحد التعاليق "..أخيرا تحدي مفيد وذكي.. جزائري يصل إلى العالمية بإطلاق تحدي النظافة لحماية المحيط من التلوث". وأضاف آخر"مبادات جميلة علينا أن نتبعها"، في حين كتبت مشتركة أخرى على تويتر "هذا أروع وأجمل تحدي شفتو آخر فترة، على الأقل تحدي فيه نتائج إيجابية والأروع الفكرة كانت من جزائري عربي مسلم ونجحت ووصلت لبلدان كثيرة.. النظافة من الإيمان"، لترد عليها مشتركة أخرى "يحياو ولاد الجزائر ما شاء الله.. الله أكبر"… حنطابلي: الحراك أعاد للجزائري كل معاني الوجود الإنساني الأستاذ الجامعي والمختص في علم الاجتماع يوسف حنطابلي أوضح في تصريح للشروق أنّ هذا الحراك هو مطلب سياسي في ظاهره وهو في جوهره استرجاع الجزائري لكل معاني الوجود الإنساني في الفضاء العام، والمدينة أصبحت وسيلة الشعور بالوجود وهو ما جعل الفرد لا يشعر باكتمال الصورة إلا إذا ارتبطت بصورة أخرى وكانت النظافة السياسية التي يطالب بها في النظام تقابلها نظافة أخرى معنوية أو مادية تتمثل في تنقية الفضاء العام من الأوساخ والقاذورات. وأضاف المتحدث "الآن بدأت ثقافة جديدة تتشكل لدى المواطن الذي يطالب بالتغيير ويشعر أن المطالبة لا تكتمل، إلا إذا تغيّرت معها سلبيات أخرى". وأردف المختص "يتجلى هذا السلوك الحضاري والمدني في انطباع يعتبر الحي جزءا من الفضاء وبدأ الشعور بأن الحي عبارة عن مجال للعيش المشترك والحراك هو من أعاد هذه الوحدة في العلاقات الاجتماعية". ويتوقع حنطابلي بروز "مظاهر أخرى ستتجلى لاحقا خاصة في الفضاء المشترك للقضاء على الأوجه السلبية ومنها العنف الرمزي الذي كان ينتشر بحدة، حيث سيمتص الحراك حتما هذه المظاهر السلبية كما سيعيد الحراك تعريف العلاقات الاجتماعية ويشحنها بالانطباع الجيد". وذهب المختص أبعد من ذلك عندما توقع أن "الجزائر ستعيد تعريف معنى المواطنة على المستوى الوطني والدولي. نظرة بدأنا نشعر بانطباعها لدى وسائل الإعلام الخارجية". وختم محدثنا بالقول "الجزائر في مرحلة مخاض لإعادة حقن قيم اجتماعية جديدة حتما في المشهد الوطني والعالمي شريطة أن يسير الحراك في مطلبه وسياقه ويأخذ انطباعا يلقى الرضى لدى الجماهير المنتفضة وفي حال إجهاضه لا قدّر الله – يقول المختص- ستعرف بلادنا أوضاعا أسوأ وانهيارا عاما في القيم الاجتماعية".