الوجوه المغضوب عليها، والمطالبة بالرحيل من طرف الحراك الشعبي، بعبارة “اتروحو قاع”، أو “تتنحاو قاع”، أمرها غريب عجيب، فهي لا تريد “القفز من الباخرة”، بحجة أنها ليست من “الهاربين”، لكن الواقع يقول أن رؤوسها مطلوبة بشدّة، وأنها تحوّلت الآن إلى “رؤوس فتنة”، طالما أنها لا تريد الاستجابة لرغبة الجزائريين من خلال الاستقالة قبل أن تلحقهم لعنة الإقالة! “الباءات الثلاثة”، أو “الباءات الأربعة”، ومثلهم زعيم المركزية النقابية، وقيادات مستفزة في أحزاب “الموالاة” المحلّة أو المنحلّة، هي وجوه تصنع الغرابة، لأنها لا تُمسك بزمام الأمور، وإنّما تتمسك بالكرسي وتُمسك به بأيديها وأسنانها، رغم تنامي الغضب ضدها في المسيرات المليونية منذ 22 فيفري الماضي، وإلى غاية الجمعة السابعة! هذا الإصرار على “المقاومة”، وهذا الإلحاح على الاستفزاز أكثر، وانتظار العزل وإنهاء المهام، عوض رمي المنشفة والانسحاب، وبالتالي الاستفادة من “النجاة”، يُعطي الانطباع إلى أن يُثبت العكس، أن هؤلاء – ربما – لم يفهموا بعد رسالة الحراك الشعبي – وهذا مستبعد – أو أنهم فهموها عشرة على عشرة، لكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة حتى يكون الخروج بأقلّ الخسائر، من باب المثل القائل بأن خسارة الصوف أفضل من خسارة الخروف! ولأنهم تعطلوا وعطلوا أنفسهم، فإن الشعار تطوّر الآن من “تروحو قاع”، إلى “تتحاسبو قاع”، وهذا نتيجة التعنت وعدم السماع لصوت الشعب، وقبل ذلك، كان أولئك، قد انقلبوا على أنفسهم، وانقلبوا على “الاستمرارية”، وعلى “العهدة الخامسة”، وعلى مشروع التمديد، وانقلبوا على الرئيس، وانقلبوا على مناضليهم، وحاليا لا يعرفون على أيّ رجل معطوبة يقفون! وضعية اللاجلوس واللاوقوف، تدفع الرافضين للاستجابة إلى الشعب بالمغادرة الفورية، تدفعهم نحو الزاوية الحادة، وهم في الأصل قد دخلوا القارورة، وعجزوا عن الخروج منها، لكن غيّهم وأنانيتهم ونرجسيتهم، وأملهم في الإفلات، وكأنّ شيئا لم يحدث، يجعلهم يرتكبون المزيد من الحماقات، مؤكدين بذلك، أنهم لم يستفيدوا من درس استقالة الرئيس بعد 40 يوما من التهرّب والالتفاف ومحاولة مراوغة الجزائريين وتضليلهم بقرارات على المقاس! في مثل هكذا وضعيات وأزمات، يصبح مخرج النجدة أحيانا متراوحا بين جدوى الاختيار ومبرّر الاضطرار، والظاهر أن المغضوب عليهم، يوجدون بين خيارين أحلاهما مرّ، بالنسبة لهم طبعا، فإمّا أن يغادروا بالتي هي أحسن، وذلك في نظرهم “خسارة” بالنسبة لهم، وإمّا أنهم ينتظرون قرارات “الطرد” وفي هذه الحالة، ستكون الخسارة دون شك مضاعفة: خسارة الشارع، وخسارة المنصب، أي خسارة الصوف والخروف معا!