مع واجب تفهم الإكراهات التي فرضت على مؤسسة الجيش الحرص على الانتقال تحت سقف الدستور، وبوجوه من النظام الساقط رفضها الشارع، يجب في المقابل تفهم حاجة البلد إلى استمرار الحراك الشعبي بهذا العنفوان وبهذا التشبث الحضاري بالسلمية، يوجب بالضرورة تحركا محمودا مطلوبا من النخب لقيادة تطوير نوعي للحراك، ينقله من موقف التصعيد في المطالب إلى موقف صناعة الأفكار والبدائل القادرة على تجسيد طموحاته في التغيير، وفي حضوره في جميع مراحل إعادة بناء مؤسسات الدولة تحت شعار جمهورية جديدة تستكمل استقلال البلد، بكل ما تعنيه الكلمة من سيادة مطلقة ودائمة للشعب في تقرير مصيره عبر مؤسسات حكم يرضاها. وسط جلبة تطغى عليها الظاهرة الصوتية لنخبة وطنية لم تكتشف بعد الدور المنوط بها في ترجمة مطالب الشعب إلى أفكار، ومشاريع، وبدائل، تسبق حتما التفكير في من سيتولى إدارة البلد عبر الصندوق والصندوق وحده، وسط هذه الجلبة نلتقط من هنا وهناك بعض الأصوات الحكيمة، توجه انتباهنا إلى واجب اقتناص الفرص التي منحها الحراك الشعبي ، ليس فقط لإسقاط وتفكيك نظام فاسد ومفسد، بل منحنا ولأول مرة منذ حصول البلد على استقلاله القانوني، فرصة استكمال استقلال البلد، بتحريره من هيمنة وتوسع نفوذ المحتل القديم في جسم الدولة، واختطافه لجزء من القرار داخل الموقع الأول لصناعة القرار بالرئاسة. وللأمانة، فإن الإكراهات التي حملت المؤسسة على تنفيذ الانتقال عبر المادة 102 من شأنها أن تحرم الحراك من فرصة تأمين مطالبه عبر بناء أدوات حزبية في وقت ضيق مثل الذي تعد به المادة 102، وليس من الإنصاف تسفيه المخاوف التي عبر عنها الحراك وجزء من الطبقة السياسية حيال إدارة المرحلة الانتقالية بوجوه من النظام السابق، وبحكومة ليس عليها إجماع، وبرلمان ومجلس دستوري مطعون في شرعيتهما، نحتاج معهما إلى دعم أكثر من مؤسسة الجيش، لمطلب تأمين الاستحقاق القادم من التزوير. وبوسعنا، ومن باب تجسيد محتوى المادتين 7 و8 (كحارسي بوابة للمادة 102)، أن نطالب بتحويل الاستحقاق القادم، الذي اختير له تاريخ 4 جويلية عشية الاحتفال بعيد الاستقلال، إلى موعد لتوثيق مطالب الشعب باستعادة سيادته على الدولة، بعد استعادة البلاد سيادتها على الأرض، يكون تكملة لبيان أول نوفمبر، وثيقة مستفتى عليها تحدد للجمهورية القادمة، ولمن سيتداول على قيادة البلد معالم الاستقلال الحقيقي للبلد ولشعبه، بتوثيق سيادة الشعب المطلقة، والاحتكام إليه دون سواه في تحديد خيارات البلاد وسياساته في الداخل والخارج، وحماية ثرواته من الافتراس الداخلي والخارجي، والتأسيس الفعلي لدولة القانون، واستقلال القضاء والجهاز البيروقراطي التقنوقراطي عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقيام دولة مدنية يعصمها “الشعب وجيشه” من أي ضغط أو تهديد من الداخل أو من الخارج، وتلزم الرئيس القادم أيا كان بواجب الدعوة إلى مجلس تأسيسي منتخب هو من يتولى كتابة دستور الجمهورية الجديدة . هذه بعض عناوين الوثيقة، وثيقة الاستقلال، التي تكون مع بيان أول نوفمبر مرجعا ملزما لأي مراجعة قادمة للدستور، لا يمكن لأي رئيس أو برلمان المساس بهما، أو الالتفاف على مبادئهما كيفما كانت الحاجة مستقبلا إلى تعديل دساتير البلد وتكييفها مع المستجدات، لتكون هي الثابت الدستوري لما هو عليه إجماع وطني داخل الحراك وعند الأغلبية الساحقة من المواطنين، نلزم به جميع القوى التي سوف تتنافس مستقبلا على مواقع السلطة وطنيا ومحليا دون قلق أو خشية من الردة.