حسم رئيس الأركان الموقف من الأزمة ومن الحل الممكن المقبول بالدعوة إلى انتقال آمن تحت أحكام الدستور بتفعيل المادة 102 والعمل سويا مع جميع الأطراف على تحقيق توافق وإجماع يضمنان للبلد انتقالا آمنا وسلسا يفتح أمامها فرص التغيير والإصلاح، ويجنبها تبعات المسارات التي قد تهدم “استمرارية سيادة الدولة”. القرار الحاسم الذي كان ينتظره الجميع، بل ويطالب به جاء على لسان قائد الأركان الفريق قايد صالح في كلمة أمام ضباط وصف ضباط وجنود بالناحية العسكرية الرابعة حدد فيها موقف الجيش من إدارة المرحلة الانتقالية القادمة وضعها تحت سقف “احترام الدستور وضمان استمرارية سيادة الدولة” تنفذ عبر تفعيل المادة 102 من الدستور المنطمة لمسار إثبات شغور منصب رئيس الجمهورية ونقل ولاية الدولة إما إلى رئيس مجلس الأمة أو في حال وجود مانع إلى رئيس المجلس الدستوري. القرار كان متوقعا، ولا يفترض أن يفاجئ أحدا سوى من أساء قراءة المشهد ومتابعة تطور موقف مؤسسة الجيش حتى قبل تحرك الشارع، ورغبة المؤسسة في الدخول بالبلد في مسار اصلاحي عميق تقتضيه الحاجة إلى تنشيط موقع الرئاسة وإخراجه من حالة الجمود التي نشأت عن مرض الرئيس. الخطوط الحمراء الثلاثة لكسب تأييد الجيش ولأن الكلمات لها في هذا المقام قيمة ووزن، يفترض أن نتوقف عند أهم ما جاء في كلمة رئيس الأركان الذي أراد أن ينقل موقف المؤسسة من الأزمة ومن الحلول المتوفرة لتجاوز الأزمة مع ضمان احترام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، مع التأكيد على ثلاثة خطوط حمراء لا يمكن لمؤسسة الجيش أن تسمح باختراقها لأي كان: الأول: وهو على رأس ما تحرص المؤسسة على أن يدركه الجميع أنه لا يمكن للجيش الوطني الشعبي أن “يسمح أبدا لأي كان بأن يهدم ما بناه الشعب الجزائري”، بما يعني ان الجيش الوطني سوف يتصدى لجميع المسارات التي تضمر أو تسهل “هدم ما بناه الشعب الجزائري” حتى الآن، بما في ذلك ركوب الشارع وحرف حراكه السلمي الذي أثنى عليه رئيس الأركان، أو تلك الدعوات التي تسوق لمرحلة انتقالية خارج الدستور واستدعاء وجوه من الماضي. الثاني: واجب احترام الدستور وتنفيذ المرحلة الانتقالية تحت أحكامه إلى غاية التوصل إلى توافق حول دستور جديد يؤطر عميلة التغيير والإصلاح، بما يعني رفض المؤسسة لأي مسار آخر ينفذ خارج الدستور كما جاء في معظم عروض المعارضة في أكثر من صيغة مثل نقل ولاية الدولة في المرحلة الانتقالية إلى هيأة رئاسية على غرار المجلس الأعلى للدولة في تسعينيات القرن الماضي. الثالث: واجب ضمان “استمرارية سيادة الدولة” التي هي على رأس مهام وصلاحيات الجيش الوطني الشعبي، وهي الخط الأحمر الذي لن تساوم المؤسسة بشأنه أحدا. ويفترض أن نقرأ في هذه الجملة “استمرارية سيادة الدولة” نية المؤسسة في التصدي لأي مسار سياسي من المعارضة البرلمانية أو من القوى التي تحركت تريد حرف مسار المسيرات الشعبية، من شأنه إعاقة استمرارية سيادة “مؤسسات” الدولة وعلى رأسها مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية، وباقي المؤسسات المسيرة للشأن العام الضامنة لاستمرارية وصول الخدمات القاعدية للمواطنين، سواء الإدارات الكبرى على المستوى المركزي والمحلي ( الحكومة والبنك المركزي والأجهزة التنفيذية المحلية: الولاية، الدائرة والبلدية) وكذلك المؤسسات الاقتصادية الحساسة مثل سوناطراك وسونلغاز والاتصالات. قايد صالح يذكر بتعهدات الجيش ومع تحديد هذه الخطوط الحمراء، حرص رئيس الأركان قبل عرض الحل الذي سوف تسانده المؤسسة باقتراح تفعيل المادة 102، حرص على التذكير بتعهداته وتعهدات المؤسسة “أمام الله والوطن والشعب” على “أن الجيش الوطني الشعبي، بصفته جيشا عصريا ومتطورا قادرا على أداء مهامه بكل احترافية، وبصفته كذلك الضامن والحافظ للاستقلال الوطني والساهر على الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الترابية وحماية الشعب من كل مكروه ومن أي خطر محدق، سيظل وفيا لتعهداته والتزاماته ولن يسمح أبدا لأي كان بأن يهدم ما بناه الشعب الجزائري”. جملة من التعهدات والالتزامات التي هي من صميم صلاحياته الدستورية لا تسمح له بالوقوف موقف المتفرج من أي مسار قد يهدد الاستقلال الوطني أو السيادة الوطنية والوحدة الترابية، وأمن الشعب، وبالتالي “هدم ما بناه الشعب” مع التذكير “بجهوزيته كجيش عصري متطور قادر على أداء مهامه بكل احترافية”. ومن أجل ما سبق التذكير به من التزامات ومن خطوط حمراء لا يمكن للمؤسسة أن تسمح لأي كان اختراقه، جاء مقترح المؤسسة للخروج من الأزمة في صيغة “الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب الجزائري”، حل اشترط له بكل وضوح أن “يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة” يحتاج بالضرورة إلى “تحقيق توافق رؤى الجميع”، بل ويكون “مقبولا من كافة الأطراف” (معارضة، موالاة، وشارع)، أي أنه يظل مفتوحا لأي مقترح بناء لا يخرج به عن أحكام الدستور، وهي دعوة للمعارضة والشارع للتفاعل معه من جهة تأمينه وتأمين ما روج من قبل من وعود اصلاحية ومن اجراءات تتخذ سريعا لتأمين المسارات الانتخابية القادمة من شبهة التزوير، وهي مطالب تظل مشروعة ومقبولة ما دامت متساوقة مع شرط انجاز الانتقال السلس والآمن تحت الدستور ومادته ال102 والتفاصيل الواردة في المادة 104. خطوة الجيش مهمة لتجنب السقوط في المحظور ما يفهم من كلمة رئيس الأركان أن هذا ليس محض عرض، بل هو موقف تكون المؤسسة قد اعتمدته كأكثر الحلول أمانا وضمانا ل”استمرارية سيادة الدولة” وتجنيب البلد السقوط في المحظور وفي الفوضى، ولا يمنع أن ينفتح على أي اقتراح او اجتهاد يسمح بتحقيق إجماع عليه من طرف جميع الأطراف. الفريق قايد صالح يكون قد ألقى الكرة في ملعب المعارضة المطالبة اليوم بمغادرة خيار الانتقال خارج الدستور الذي ورد في جميع مقترحاتها والعودة إلى كنف الدستور، خاصة وأنها هي من طعنت عن حق في عرض التمديد بوصفه يخرج بالبلد عن أحكام الدستور، فلا خيار لها اليوم للطعن في الحل الذي تقترحه مؤسسة الجيش الا بتقديم عرض لا يتعارض مع الدستور أو تقترب من عرض المؤسسة باقتراحات تثريه وتثمن مطالب الشارع بالتغيير التي التقت مع ما أبدته مؤسسة الجيش نفسها من رغبة حقيقية في التغيير وإصلاح نظام الحكم يسمح لها مستقبلا بالاطمئنان على سلامة إدارة البلد والتفرغ كليا لمهامها الدستورية. غير أن المعني الأول بما جاء في كلمة رئيس الأركان هو المواطن الجزائري والشريحة الواسعة منه التي خرجت بكل سلمية وانضباط تطالب بالتغيير، حيث يضمر موقف المؤسسة الجديد استجابة فعلية لواحد من أهم مطالب الشارع بعد المطالبة بإسقاط العهدة الخامسة، وهو إسقاط مسار التمديد، ومع هذين المكسبين تحقق حتى الآن إسقاط الواجهة السياسية التي كان يستند إليها الجناح الفاسد في السلطة الذي استغل مرض الرئيس لاختطاف القرار منه، هو ما نراه من تصدع داخل أحزاب الموالاة، وتيه عند أحزاب المعارضة التي ولدت مثلها مثل أحزاب المعارضة تحت سقف دستور 89 الفاسد، ويفترض أن نساعدها على واحد من الخيارين على منوال ما دعا اليه الشاعر أزراج عمر جبهة التحرير منذ ثلاثة عقود “أن تتغير أو تتجدد أو تتبد”.