بقلم: خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com أمام النسبة الكبيرة للجزائريين الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجد معالي وزير الداخلية مبرِّرين، الأول هو أنّ المشاركة الضعيفة للناخبين أمر جارٍ حتى في أعتى الديمقراطيات في العالم، وهذا شيء يبشّر بالخير لأن ديمقراطيتنا الفتية ارتقت إلى مصاف شقيقاتها في العالم المتقدّم. أما السبب الثاني الذي قدّمه معاليه فهو أنّ المواطن سئم من أداء الطبقة السياسية والبرلمان السابق فكان ردّ فعله العزوف عن التدافع نحو مكاتب الاقتراع. وإن كنت لا أدري إن كان المبرّران يكمّل أحدهما الآخر أم أنّهما مبرران متناقضان، فإنّني أستسمح معالي الوزير لأقول له إنّ سبب البهدلة التي حصلت لنا مع العالم بمناسبة العرس الديمقراطي الأخير لا يتحمّلها الشعب الذي أراد أن يقلّد الديمقراطيات العالمية العريقة في العزوف عن زيارة مكاتب التصويت، ولا حتى الأحزاب السياسية التي بذلت كل ما في وسعها لتكون في مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها. وأنا أرى أنه إذا كان هناك من جهة يمكن أن نحمّلها مسؤولية نسبة المشاركة الضعيفة فهي مرة أخرى الإدارة والسلطات المختصة والخبيرة في شؤون العمليات الانتخابية في الجزائر. تقولون لي إنّ الإدارة لم تكن حيادية في حياتها أكثر ممّا كانت عليه في انتخابات 17 مايو، فقد اجتهدت والتزمت بما وعدت به فتركت العملية الانتخابية تجري في كنف الشفافية والديمقراطية دون اللجوء إلى التزوير، وأقول لكم هنا مربط الفرس وهنا الخلل الذي خربط العملية الانتخابية وجعلنا أضحوكة أمام العالم! نعم، كل هذه البهدلة لأنّ الإدارة لم تزوّر. فالشعب العظيم تعوّد منذ الاستقلال أن تتولى الإدارة والسلطات المعنية التصويت بدلاً عنه. كان في كلّ مرة يسمع وعودا عن الشفافية وحرية الاختيار ليكتشف بعد ذلك أنّ الإدارة تكرّمت بكلّ مسؤولية باختيار الرجال المناسبين وتحديد نسبة المشاركة المناسبة. هذه المرة اقتنع الشعب أنّ عليه أن يثق في اختيار إدارته فقرّر البقاء في البيت ليفسح المجال للآلة الإدارية كي تشتغل دون تشويش فحصلت الكارثة. هل نعيب على الشعب بعد ذلك ثقته في حكومته الموقّرة ونحمّله مرة أخرى مسؤولية تخلي الإدارة عن واحدة من أهمّ المسؤوليات الملقاة على عاتقها، أم أنّ على الحكومة أن تعترف بتقصير الإدارة التي خذلت شعبها ومواطنيها؟! لحسن الحظ أن هذا الخلل لم يحصل بمناسبة الاستفتاء على الدستور أو في انتخابات الرئاسة، وأملنا أن تتدارك الإدارة هذه الهفوة فتسترجع صلاحياتها ومهامها في المواعيد الانتخابية لأنّ الشعب قرّر أن لا ينازعها بعد الآن في مكتسباتها! لكن يبدو أنّ الخلل لم يقتصر فقط على الإدارة الموقّرة، بل تعدّاه إلى واحد من أهمّ الشخصيات الوطنية التي صنعتها هذه الإدارة. فعندما نقرأ أن رجلا مثل أحمد أويحيى الذي يقود واحدا من أهم أحزاب الإدارة السياسية يشتكي من قانون الانتخابات ويتحدّث عن محاولات التزوير والتجاوزات التي قال إنها كانت كثيرة خلال الانتخابات الأخيرة، لا يسعنا إلا أن نتساءل عن هذا الفيروس الذي اخترق منظومتنا السياسية وجعل الأمور تمشي مقلوبة. لا أذهب إلى حدّ القول إنّ حال زعيم حزب الإدارة صار يشبه حال الغانية التي خرجت تحاضر في مسائل الشرف، فهذا تشبيه غير لائق طبعاً ولا يمكن أن أتبنّاه شخصياً! ولا أخرج كثيراً عن دائرة الحديث، لأنقل هنا واحداً من أهمّ التصريحات السياسية التي قرأتها هذا الأسبوع. كان ذلك في صحيفة ليكسبريسيون والقوال هو الدكتور الداعية عبد الرحمن سعيدي الذي أعلن بثقة وشجاعة وحزم أنّ حزبه (حركة مجتمع السلم) لن يرضى هذه المرّة بغير منصب رئيس المجلس الوطني، فقد آن الأوان لهذا الحزب الوطني أن يتبوّأ مكانه الحقيقي داخل هيئات البلد السياسية. والنعم! الشيخ الدكتور يؤمن صادقاً أنه لا فرق بين حركة مجتمع السلم وحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فالثلاثة أحزاب مشهود لها بالوطنية ومحبة الشعب لها ومحبتها للنظام، فما معنى أن يفسح التجمع المجال لجبهة التحرير لرئاسة البرلمان السفلي ولا يستمر التداول بعد أن وصل الدور على حركة مجتمع السلم المسالم؟! كما شدّد الشيخ سعيدي على أن رئاسة البرلمان لا تكفي لوحدها، بل لا بد أن يحصل الحزب على حقائب وزارية محترمة وذات سيادة ولا يبقى نصيبه وزارات من غير حقائب أو وزارات البزنس الصغير! طبعاً ليس هناك أي مبرّر يمنع أبناء الحركة الكرام البررة من التربّع على أحسن مناصب مؤسسات الدولة، وهنا لا يسعني إلاّ أن أضمّ صوتي إلى صوت الشيخ الداعية، بل سأكون أوضح كلاماً منه فأقول إن حركة مجتمع السلم أثبتت أنها أهل لثقة أهل الحل والعقد وقد آن الأوان لكي تنال جزاء وفائها وإخلاصها، فقد مرّ عليها في الخدمة الوطنية الآن أكثر من عقد ونصف وهي مدة تؤهّلها لترقية معتبرة. وحتى لا نتيه في التفاصيل أرى أنّ من حقّ الحركة المسالمة أن تغنم منصب رئيس الحكومة ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية والتربية والتعليم والتكوين والثقافة والطاقة، إضافة إلى رئاسة البرلمان السفلي طبعاً، في انتظار أن يصلها الدور ليقع الاختيار على مرشّحها للرئاسيات المقبلة. تهانينا مسبقاً! وقبل أن أقفل موضوع الانتخابات لا يفوتني أن أعبّر عن غضبي الشديد من رئيس اللجنة المستقلة لمراقبة صلاحية الانتخابات الدكتور بوالشعير، ولا أتحدث هنا إلاّ عن نقطة واحدة من التقرير الذي رفعه إلى صاحب الفخامة وضمّنه عددا مما وصفه بالتجاوزات ومحاولات التزوير الفاضحة والمعممة خلال العرس الديمقراطي الأخير. فقد تحدث المنسق عن معالي وزير التشغيل والتضامن الذي منح ممثليه في مكاتب الاقتراع بولاية ترشحه عين تموشنت قمصانا عليها صورته واسم حزبه جبهة التحرير الوطني ليرشدوا بها الناخبين. يا حضرة المنسق العام، لو أنك تحدثت عن مرشح أو حتى عن وزير آخر لقبلناه منك. أمّا أن يمتد تقريرك إلى معالي الوزير النائب جمال ولد عباس فهذا أمر لا نرضاه ونستنكره. ألا تعلم أنّ الرجل لا يتحرّك إلا بوحي يوحى إليه من فخامته وأنّه لا يتنفس ولا يتكلم ولا يقرّر شيئا إلاّ بعد أن يتلقّى تعليمات من ولي نعمته صاحب الفخامة والمهابة؟ كان عليك أن تفهم أن فكرة القمصان لم تكن فكرته ولا قرارا منه، وأنك عندما تتّهم معاليه بالتزوير فإنك تتهم الذات الفخامية بهذا الفعل المشين. توبة! ابتهجت كثيراً لخبر الإفراج عن عبدالغني جرّار الرئيس المدير العام لمجمّع تونيك الورقي من السجن. والحقّ أنني لا أعرف هذا الشاب وفرحتي ليست متعلقة بخبر الإفراج بقدر ما كانت لسبب آخر، وهو أنّ هذه القضية فضحت المغرضين والمصطادين في المياه العكرة. قد يكون الكثير منكم سمع مثلي أو قرأ هنا أو هناك عن معجزات مجمّع تونيك وعن الدعايات المغرضة التي تقول إن صاحب المجمّع الضخم هو ابن جنرال نافذ صار الآن متقاعداً وأنه استفاد من سلطة والده ليبني امبراطورية بواسماعيل. طبعاً تبيّن الآن كم كانت الناس تفتري وأنّ المجمّع الكرتوني يملكه شخص لا هو ابن جنرال ولا حتى صهره اسمه عبدالغني جرار. كما أنّ هذه الحادثة تثبت أيضاً أنّ البنوك الجزائرية لا تفضّل مواطناً على آخر، فقد كان من نصيب شاب شعبي طموح أن يحصل في أقل من عامين على قرض تجاري بقيمة 11 مليار دينار، ثم تضاعف المبلغ مرة ومرتين وثلاثا حتى بلغ في ظرف ست سنوات أزيد من 65 مليار دينار. كل ذلك من دون أي ضمان! فهل يستفيق الشباب الجزائري هذه المرة ويدركوا كم أنّ بنوك وسلطات بلدهم تحبّهم فيتقدموا بطلبات قروض لفتح مجمعات بلاستيكية وكرتونية أخرى بدل الهروب والموت تحت الجسور أو في أعماق البحر المتوسط! ولا أنهي حديثي عن الشباب قبل أن أعرّج على قضية الشاب العزيز مامي المطارد من قبل السلطات الفرنسية بسبب قضية شخصية عائلية. الصحف قالت إن الشاب مامي هرب إلى الجزائر مباشرة بعد خروجه من السجن الفرنسي بكفالة وسلطات بلده ليست مستعدة لتسليمه للمحاكمة في فرنسا. طبعاً هذا يبقى موقفا وطنيا لبلد تسكنه الغيرة على أبنائه، لولا خوفي أن تستغل حكومة ساركوزي قضية عبد المومن خليفة فتطالب السلطات الجزائرية بمقايضته مع الشاب مامي، وهنا لا يسعني إلا أن أنصح سلطاتنا الحكيمة بالإسراع لدى السلطات البريطانية من أجل إلغاء كل المتابعات ضد الخليفة حتى لا يتحول إلى أداة لضرب واحد من خيرة شبابنا!