الحراك الشعبي السلمي، غرس أمس الجمعة الموافق ليوم 19 أفريل 2019، مليونيات تاسعة، عبر مختلف ولايات الجمهورية، في رسالة لا تستدعي الكثير من التفكير والمشاورة، إلى أولي الألباب، مفادها بأن المطالب المشروعة لم تتحقّق كلها إلى حدّ الآن، رغم استقالة بوتفليقة، وما تبعه من انتصارات، آخرها سقوط باء من الباءات الأربعة! السلطة السياسية ما زالت إلى أن يثبت العكس، تنتهج منطق التقطير والتقسيط، في الاستجابة للمطالب الشعبية، ولذلك جاءت الجمعة التاسعة بعد الثامنة، وستأتي العاشرة، ما لم يتمّ تنفيذ رغبة أغلبية الجزائريين في التغيير والشروع الفوري في بناء جمهورية جديدة، تعيد الحقوق لأصحابها، وتعيد عملية بناء كل شيء معوّج وأعرج، على أسس سليمة وصحيحة! الرسائل المتوالية من الجمعات المليونية السلمية، تؤكد بأن الجزائريين لا يملّون ولا يتنازلون، ولهذا هم متمسّكون بمطالبهم بعيدا عن الالتواء والالتفاف والمراوغة والمخادعة والتحايل في الاستجابة لها، ومن عجائب “بقايا” نظام الرئيس المستقيل، حسب ما يسجله سياسيون ومواطنون، أنها لا تريد التخلّي عن الواجهة المغضوب عليها والمرفوضة شعبيا! الجمعة التاسعة، قالت أن رحيل باء من الباءات، وإطلاق “مشاورات” من طرف رئيس الدولة، هي محاولات فاشلة لم تقنع الحراك، وليست سوى محاولة أخرى لربح الوقت، وتعطيل الحلول والبدائل المعقولة التي بإمكانها تحقيق التهدئة وبداية الخروج التدريجي من عنق الزجاجة والورطة التي أنتجها النظام السياسي بخياطة “كوستيم” على المقاس! الآن، وفي ظلّ تجدّد المسيرات السلمية كلّ نهاية أسبوع، وتتابع المظاهرات والاعتصامات الفئوية طوال أيام الأسبوع، ألا تكفي الجمعة التاسعة، ليستجيب “ورثة بوتفليقة” للشعب ويقولون أخيرا وآخر: أمرك أمري؟ ولماذا كلّ هذا التأجيل، إذا كانت في نهاية المطاف، سيتمّ العودة إمّا اختيارا أو اضطرارا، إلى حلّ وحلول يتمّ إغماض الأعين عنها حاليا؟ لقد أثبتت مرّة أخرى حشود المواطنين، أنهم متمسكون إلى أبد الآبدين بالسلمية والتحضر، مدافعين عن وحدتهم الوطنية وسيادة وطنهم، وارتباطهم مع جيشهم ومختلف قواتهم الأمنية، مصرّين على التغيير بدل ترميم المرمّم، ومغادرة المتورطين في سوء التسيير، ومحاكمة “العصابة” وناهبي المال العام، والعاثين في أرض الشهداء الأبرار فسادا! المواطنون لم يقتنعوا بخطوات السلطة، ولم يتأثروا بتحليلات الخبراء، ولا تفسيرات الفقهاء، ولم يسمعوا لحسابات الأحزاب، ولذلك خرجوا مرّة أخرى بالملايين، رجال ونساء وشيوخ وحتى أطفال، لا يُريدون شيئا سوى سماع صوتهم واحترام رأيهم وتطبيق أمرهم، وما عدا هذا، فإن الجمعة التاسعة ستلحقها عاشرة، ما لم تنزع السلطة الطين عن آذانها!