د. بشير مصيطفى: msitba@voila.fr مستشار اقتصادي/ دبي ينعقد هذه الأيام بالعاصمة القطرية الدوحة الملتقى الثاني للديمقراطية والاصلاح السياسي في الوطن العربي بمشاركة قياسية للمثقفين العرب منهم مدير مركز ابن خلدون الناشط المصري المعروف سعدالدين ابراهيم ، والمفكر المغربي محمد عابد الجابري بالاضافة الى رموز سياسية معروفة مثل الجنرال السوداني عبدالرحمن سوار الذهب والرئيس الموريتاني الأسبق ولد محمد فال وكل من سليم الحص وعزيز صدقي وهما على التوالي رئيسا وزراء سابقين للبنان ومصر. وينعقد المؤتمر الذي اختتمت أشغاله أمس في أجواء محنة الديمقراطية في البلدان العربية واستمرار حالة السلبية التي تعيشها شعوب المنطقة من منظور المشاركة الحقيقية في الحكم ‘ فعدا النموذج الموريتاني الذي بدا نموذجا واعدا ضمن الخصوصية التاريخية لهذا البلد المغاربي ، تظل تجربة الاصلاح السياسي في بقية الدول العربية تتجاذبها العائلات الحاكمة بما تملك من شرعية تاريخية من جهة وتيارات المعارضة بما تملك من ملفات ترى فيها رهان المشاركة السياسية . ملفات الرهان في الاصلاح السياسي العربي لازال الحديث عن اصلاح سياسي عربي يراوح دائرة المطالب من قبل المثقفين العرب وبعض الفعاليات السياسية ، وتكاد هذه المطالب تتكرر في كل لقاء حتى ملتها الأسماع مما يؤكد حقيقة بارزة هي ضعف الارادة السياسية لواضعي السياسات في جل البلدان العربية في الحسم فيها واستمرار حالة التباطؤ في تحقيق تنمية سياسية حقيقية . حالة من التباطؤ أعيت النخبة المثقفة ودفعت بقطاعات شعبية واسعة الى مقاطعة الحراك السياسي ورمت بالكوادر المؤهلة الى دنيا الاغتراب . ومن هذه الملفات التي تتكرر في كل لقاء : الاعتراف بالمجتمع المدني وتحرير المعارضة السياسية ، التعديلات الدستورية واستقلالية القضاء ، دورالاعلام في الحراك الديمقراطي ، الأداء البرلماني وممارسة حق الرقابة على الحكومة ، التدخل الخارجي ، اشكالية المشاركة السياسية للمرأة العربية ، الاقتصاد كأداة لتجسيد الديمقراطية ، الاسلام وممارسة الحكم ومصير الأقليات الدينية ، وأخيرا شفافية الفضاء السياسي وانتقال الحكم الى جيل جديد . وتبرز النظرة العربية في بعض جوانبها – للأسف - من خلال نظرة المجتمع الدولي للتحول الديمقراطي في البلدان العربية ، نظرة تعكس الرؤية الأمريكيةالجديدة : التحول الديمقراطي في اطار تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة ولهذا نجد جل الملفات المذكورة ترافع من أجلها جهات تدعمها الهيئات الدولية وجمعيات حقوق الانسان . لقد أصبحت شعارات الديمقراطية والشفافية والحكم الصالح والمشاركة السياسية أصبحت شعارات نمطية أكثر منها ممارسة داخلية حقيقية للأحزاب والجمعيات النشطة في البلدان العربية ونفس الشيء بالنسبة للحقل الاعلامي حيث العجز واضح في تشكيل أو حتى الاقتراب من تشكيل رأي عام عربي يخدم تشكيل طبقة سياسية مهمة وفاعلة . أسئلة كثيرة طرحها المثقفون العرب المشاركون في مؤتمر الدوحة وستظل مطروحة لزمن قادم آخر: كيف السبيل المنهجي للتحرر من املاءات العائلات الحاكمة في البلدان العربية واملاءات المجتمع الدولي المتسمة بالانحياز الى الرؤية الأمريكية ؟ كيف السبيل الى تداول حقيقي وسلمي على السلطة يخدم التنمية والرفاه الاجتماعي ؟ وما المأمول فعله الآن والساحة العربية تتحول تدريجيا الى ساحة تجارب في الأداء الديمقراطي ؟ جدوى الموارد الاقتصادية في اتجاه التحول الديمقراطي هل يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي في اتجاه تحول الثروة وفرص الاستثمار من القطاع العام الى محيط القطاع العام ؟ والى أي مدى يمكن للقطاع الخاص في البلدان العربية من المساهمة في التحول نحو الديمقراطية ؟ اشكالية حقيقية تخص مصير الطبقة الوسطى العربية وعلاقة الممارسة الديمقراطية بمصير هذه الطبقة ؟ وبتعبير آخر كيف نفهم العلاقة بين عالم الأعمال والتحول اليمقراطي عربيا؟ أثبتت الوقائع علاقة جدلية بين الاستقرار السياسي ووجود طبقة وسطى من السكان ، طبقة تساعد على اعادة توزيع الثروة وتشكل رايا سياسيا مستقلا ، وفي النموذج الليبرالي حيث تهيمن الطبقة البرجوازية يعمل السوق على اعادة توزيع الدخل بصورة لا تسمح بتشكل الطبقة الوسطى أما في الدول التي تمر بمرحلة انتقال فهي معرضة لاضمحلال هذه الطبقة كي تعوضها طبقة برجوازية ناشئة غالبا ما تتشكل في محيط العائلات والأحزاب الحاكمة . تصنيف اجتماعي جديد ينذر بانتقال السلطة ليس على أسس تاريخية بل على أساس امتلاك رأس المال والثروة . وفي هذه الأجواء تبرز بعض تقاسيم النموذج الغربي : المال في خدمة التشكيل الديمقراطي وفي رسم اتجاهات الاصلاح السياسي . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف يمكن توجيه التحول في ملكية الموارد في اتجاه تحول سياسي ايجابي ومفيد ؟ كيف يمكن اعطاء مسار الخوصصة روحه الديمقراطية وتمكين الطبقة المتوسطة من رأس مال انتاجي مهم ؟ كيف يمكن تعبئة القطاع الخيري والقطاع الاجتماعي في وجه الزحف الليبرالي ونفوذ الشركات الكبرى ؟ عن المسعى الجزائري وليست الجزائر بمنأى عن اشكاليات التحول الديمقراطي المذكورة وهي تمارس حراكا سياسيا في هذا الاتجاه ، وكان بالامكان اختبار هذا التحول قبل الاستمرار في ممارسة أدوات الديمقراطية وعلى رأسها الانتخابات والمشاركة السياسية : الى أي حد ساهم هذا التحول في تجسيد اصلاح سياسي واقتصادي حقيقي ؟ ما درجة انفتاح الحقل السياسي مقارنة بمعايير الحكم الديمقراطي ؟ ماذا تمثل الطبقة السياسية بالنسبة للسكان وما درجة انخراط النخبة المثقفة الجزائرية في الحراك السياسي ؟ ما هو تكوين رأس المال الخاص الناشئ وما علاقته بالاصلاحات السياسية والاقتصادية ؟ ماذا تعني نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات وهل هي بالفعل مؤشر خطير على مستقبل المشاركة الديمقراطية الحقيقية ؟ أسئلة في صميم البناء الديمقراطي والاجابة عنها بالشكل السليم وحدها الكفيلة برسم مصير جيل كامل من شباب الاستقلال والفعاليات العلمية والثقافية والكوادر المؤهلة لتشكيل النخبة ، وفي نفس الوقت تسمح لنا الاجابة عن هذه التساؤلات بتحديد نطاق تفاعل مكبوتات اجتماعية ونفسية قد تنفجر يوما لا سمح الله .