قلة من الأحزاب والوجوه السياسية، تفضل السكوت دهرا والنطق كفرا، ولذلك فإنها لا تقدّم الحلول والبدائل المعقولة للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وإذا قدّم غيرها مقترحاته ومبادراته، ركبت رؤوسها بالمقاطعة والتتفيه والتسفيه والتخوين والتجريم والتحريض، وهي بذلك تتموقع ضدّ كلّ مخارج النجدة، ولا تريد تجاوز الأزمة بما هو مقبول ومعقول، وفي هذا طبعا إن وأخواتها، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم! هل يُعقل أن تهاجم نفس “الفئة” كلّ المبادرات والمقترحات ومخرجات الحلّ، وترفض كلّ ما هو قادم من هنا وهناك، مهما كان مصدره وطبيعته، ولا ترضى إلاّ بغيّها ومنطقها وتصوّرها، المبني أساسا على “التأسيس للخراب والتخريب”، من خلال مقترحات تعارضها الأغلبية الساحقة والمسحوقة من المواطنين والطبقة السياسية ومنظمات المجتمع المدني؟ هذه “النخبة المعزولة” التي ظلت لسنوات طويلة تتبنى معادلة “الأقلية الساحقة” في مقابل “الأغلبية المسحوقة”، وتكفر بالصندوق ولا تعترف بالإرادة الشعبية مهما كان خيارها واختيارها، وتدعو إلى الانقلابات في السرّ والعلن، ولم تستح بداية التسعينيات من التخطيط للوصول إلى السلطة فوق “الدبابة” بدل الانتخابات، هذه “المجموعة الصوتية”، تقف الآن مثلما وقفت بالأمس، ضدّ أيّ حلّ ومخرج ومفتاح مبني على العمليات الانتخابية! التشويش على الانتخابات قبل إعلان موعدها والاتفاق والتوافق عليه بالحوار والتشاور والتفاوض، هو في الأصل والفصل، محاولة يائسة ومفضوحة لركوب حراك شعبي يرفض منذ 22 فيفري استغلاله أو السطو عليه أو الحديث باسمه أو “التخلاط” والضغط والابتزاز والمساومة والمقايضة به! الرافضون للحوار، هم نفسهم تقريبا الذين يتهرّبون من الانتخابات، وهم ذاتهم الذين تعوّدوا على عقلية “الكوطة”، بعد ما “والفو” بعدّة سنوات ماضية منطق الاستفادة عوض الإفادة، و”والفو” يأخذون ولا يعطون، و”والفو” التصرّف في أصوات الناخبين والاستثمار في الكتلة الصامتة، المشكلة من ملايين الجزائريين الذين كرهوا منهم ومن أمثالهم وضرّاتهم في “الهفّ”! عوض أن يعرضوا “بضاعتهم” لمنافسة غيرهم في استقطاب الجمهور وإقناعه، فإنهم يسارعون إلى محاربة سلعة غيرهم بالإشاعة والدعاية المغرضة والتسميم والكذب والنصب والسّب والتخويف والفتنة، وهم يتعاطون مع التبصّر والتعقّل والرزانة، بمنطق الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، وإذا انكشف أمرهم فإنهم يقلبون الشريط الغنائي ويبدّلون الأغنية لتكون “الرقصات في الرّاس بزاف والرجلين ما قدّولها”! الظاهر أن نفس “الجماعة المتمسكنة” التي ساهمت بداية التسعينيات في زرع الآلام، تسعى الآن مجددا لقطف الغلّة بالمكر والخداع، لكن الجزائريين “فاقو” وحتى إن خرجوا وسيخرجون للشارع في مسيرات سلمية، فإنهم لن يسمحوا لهؤلاء المتهوّرين و”الخلاطين” بفرض نشازهم!