مهما كانت الأسباب والأهداف، فإن تزكية “معارض” ليكون رئيسا للمجلس الشعبي الوطني، بعد سقوط “الباء الثانية” من الباءات المغضوب عليها منذ 22 فيفري، هو انتصار جديد للحراك الشعبي السلمي، الذي فرض منطقه، مهما كانت الطريقة في تنفيذه والاستجابة لمطالبه، وهو ما يضع الكثير من أطياف الطبقة السياسية، في الزاوية الحادة، وهي “المتعوّدة دايما” على التشكيك وصناعة الإبهام والغموض! الحراك في جمعته ال21، تمسّك بمطلب بناء “الجزائر الجديدة”، وهذه الجزائر لن تكون طبعا إلاّ من تشييد الجزائريين، في إطار وحدتهم الوطنية وسيادتهم وأمنهم واستقرارهم وثوابتهم، المبادئ النوفمبرية غير القابلة للتنازل أو التفاوض، ولا إلى التشتيت والتجزئة، وهذا هو السقف الذي يتحصّن تحته الجميع من أجل الوصول بالبلد إلى برّ الأمان! الانتصارات المتتالية المحققة منذ قرابة الخمسة أشهر، بكلّ سلمية وحضارية ومشروعية، هي رسالة تطمين وعربون ولاء ووفاء إلى “فخامة الشعب” الذي استرجع كلمته وأعاد الأمل لفئاته في مختلف الولايات، وبسط سيطرته، فقال له أبناؤه المخلصون “أمرك أمري”، لكن للأسف، فإن “خلاطين” ومنتفعين وانتهازيين، مازالوا يحاولون الاصطياد في المياه العكرة، من أجل جني ثمار مسمومة وتحقيق أغراض شخصية! لا يجب بأيّ حال من الأحوال، تتفيه كل “المكاسب” التي تحققت بفعل الإصرار على التغيير السلمي الهادئ والشجاع والهادف، ولعلّ أكبر نصر لكلّ الجزائريين، أن الفضائح والتجاوزات والفساد والخروقات والانحرافات والاستفزازات والتلاعبات، التي حصلت طوال العشرين سنة الماضية، لن تتكرّر بذلك الاستعراض والفلكلور والبهلوانية مستقبلا! من هذا المسؤول الذي ولدته أمه، سواء كان رئيسا أو وزيرا أول أو وزيرا أو واليا أو مديرا، بإمكانه أن يجترّ “خطايا” السابقين من المعاقبين والملاحقين والمسجونين و”المبهدلين”؟.. من بوسعه تحدّي الشعب بعد الآن؟.. من بإمكانه مدّ يده ورجله إلى المال العام بتلك الطريقة البائسة والمفضوحة التي تسببت في خسائر لا تعدّ ولا تحصى لاقتصاد البلد؟ نعم، القادمون -مهما كان لونهم وانتماؤهم- طبعا عقب اختيارهم من طرف الأغلبية في انتخابات نزيهة وحرّة، قد يرتكبون أخطاء وهفوات وسوء تسيير وتدبير، وهذه طبيعة البشر، فلكلّ إنسان هفوة ولكلّ جواد كبوة، لكن هل يُعقل أنهم سيقعون في المحظور والممنوع بعد كلّ الذي حصل، وبعد “درس العصابة” وسقوط الحاشية وبطانة السوء؟ “فخامة الشعب” انتزع صلاحية المراقبة والمحاسبة، وهذا أكبر ضمانة لعدم تكرار المأساة التي أعادت البلاد والعباد إلى الوراء، لكن الضمانة الأخرى، أن يشمل الحراك لاحقا الذهنيات والأخلاق واحترام الآخر وحبّ العمل والتفاني، حتى تكون مهمة بناء “الجزائر الجديدة” مطلوبة من الجميع، وليس مفروضة على فئة دون غيرها بما يقسّم هؤلاء وأولئك إلى جماعة مستفيدة وجماعات مفيدة!