ترسّم أمس نصر آخر ومكسب جديد للحراك السلمي للجزائريين، فقد أعلن المجلس الدستوري عن “استحالة” تنظيم الرئاسيات التي كانت مقرّرة في 4 جويلية القادم، وهو “القرار الاضطراري” الذي كان منتظرا ومتوقعا، فمنطقيا وواقعيا وسياسيا وانتخابيا، لا يُمكن بأيّ حال من الأحوال، استدعاء الهيئة الناخبة إلى انتخابات ترفضها شكلا ومضمونا ! شكليا لم يبق من مطالب الحراك سوى “القليل”، مقارنة بالمطالب التي حققها منذ 22 فيفري الماضي، فقد أسقط العهدة الخامسة وتمديد الرابعة، وأسقط رئاسيات أفريل وندوة وإصلاحات بوتفليقة، وأنهى العهدة المنقضية قبل أوانها، ثم أسقط رئيس المجلس الدستوري والكثير من المسؤولين الذي ارتبطوا مباشرة بحاشية الرئيس المستقيل، وزجّ بالكثير من رموز “العصابة” وبطانة السوء في السجن والملاحقات والتحقيقات ! وهاهو الحراك يُسقط رئاسيات “عيد الاستقلال”، بعدما أسقط الندوة التي دعا إليها رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، وهو ينتظر توالي سقوط ما تبقى من “الباءات”، في طريق تحقيق “تغيير النظام”، والشروع في بناء الجزائر الجديدة ببنيان غير مخدوع وأساسات متينة وغير مغشوشة ! وبينما تتوالى انتصارات الحراك، يغرق “رهط” من المتعوّدين على الدفع نحو المجهول والمغامرات، في بئر الحلول والبدائل غير القابلة للتحقيق، ليتحوّل هؤلاء إلى فئة معزولة و”شاذة” تلقى نقد وانتقاد الأصوات العاقلة والرزينة التي تدعو منذ بداية الأزمة وإلى غاية الآن، إلى الدفع بالتي هي أحسن، وابتكار المخارج التي تنفع ولا تضرّ ! هدوء الحراك وسلميته، حضاريته ووعيه، مسؤوليته ومستواه العالي، “قتل” الخلاطين بالبارد، وجعلهم يوما بعد يوم يغرّدون خارج السرّب، وفي أغلب الأحيان يتلقون إجابات صادمة من عامة المستمعين لأغانيهم المشبوهة، وفي أحسن الأحوال يسمعون كلمة “يا سعدك يا لطرش”، على ألسنة جزائريين رضعوا الوحدة والتآزر والتضامن والوطنية، ويكفرون بالتفرقة والأحقاد وتصفية الحسابات والبحث عن “القمل في راس الفرطاس” ! لقد حقق الحراك الشعبي، خلال 3 أشهر، ما لم تحققه لا سلطة ولا طبقة سياسية ولا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا جمعيات ولا منظمات جماهيرية ولا شخصيات وطنية ولا موالاة ولا معارضة، منذ 30 سنة كاملة، وهو ما يستدعي من كلّ أولئك الفاشلين والعاجزين والممثلين، أن يتراجعوا إلى الصفوف الخلفية، يستمعون أكثر ممّا يتكلمون ويثرثرون، ويلتزمون ويطبقون “قرارات فخامة الشعب” دون مراجعة ولا تعليق وبلا لفّ ولا دوران ! أمّا بقايا “المتعوّدين دايما”، فعليهم التزام الصمت والسكينة، لأن مبادراتهم ومقترحاتهم وأفكارهم ونواياهم خارج مجال تغطية الأغلبية الساحقة !