هل بوسع حكومة تضم وزراء متهمين بتغليط رئيس الجمهورية وتظليل الرأي العام، ومتهمة في وقت سابق، بإفشال البرنامج الرئاسي، أن تقنع برلمان منتخب بنسبة 36 بالمائة فقط؟، وهل يمكن لنواب وأحزاب عاقبهم الصندوق وأدّبتهم الأغلبية، أن يقفوا ضد برنامج ستقدمه الحكومة، وقد صوّت لصالحه الناخبون بنسبة 85 بالمائة، خلال رئاسيات أفريل 2004؟. تعتقد أوساط مراقبة، بأن علاقة البرلمان الجديد بالحكومة الجديدة مستقبلا، لن يخرج عن منطق العجوز التي أمسكت لصا فوق السطوح(..)، فلا الجهاز التنفيذي بإمكانه إستعراض عضلاته على الهيئة التشريعية، ولا هذه الأخيرة بقدرتها ليّ ذراع الحكومة المكلفة بعرض وتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وبإستثناء التشويش و"العصيان" الذي يمكن صناعته نسبيا وبشكل إنفرادي ومعزول، من طرف أحزاب من شاكلة العمال والأرسيدي والأفنا، فإن أصوات "الأغلبية" البرلمانية، تبقى في جيب الحكومة، علما أن مقاعد التحالف الرئاسي(الأفلان والأرندي وحمس)، تكفي لتمرير المشاريع والمصادقة على القوانين وكسر شوكة المغرّدين خارج السرب. لكن، "نشاز" بعض النواب والأحزاب التي لا تسبّح ظاهريا بحمد السلطة، سيصنع خلال العهدة البرلمانية الجديدة، الإستثناء، حتى وإن كان بطريقة هزلية ومسلية، ويضطر الحكومة الجديدة القديمة، على مواجهة رياح "المعارضة" داخل البرلمان، ولا يستبعد أن يلتمّ شمل "المعارضين" و"المغضوب عليهم" بهدف تقوية "تحالف سياسي" خفي أو ظاهر، للتصدّي للتحالف الرئاسي، وحتى إن كانت عملية تجميع مقاعد هؤلاء، ستكون كمن يحرث في الماء، إذا أرادت منافسة مقاعد ثلاثي التحالف، إلا أنها برأي مراقبين ستحرج وتزعج الحكومة التي ستواصل عملها بنفس الفريق الوزاري-الذي شكله أويحيى وإحتفظ به بلخادم لمرتين- المتهم من طرف كتلة الأفلان السابقة بتعطيل البرنامج الرئاسي !. ولا يمكن حاليا الإجابة على عدد من الإستفهامات والتخمينات، إلا عندما تعرض الحكومة "برنامجها" على البرلمان، حيث ينص الدستور على أن رئيس الحكومة يقدّم برنامجه إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه، ويُجري هذا الأخير لهذا الغرض مناقشة عامة، وتشير المادة 81، إلى أن "رئيس الحكومة يقدّم إستقالة حكومته لرئيس الجمهورية، في حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على البرنامج المعروض عليه"، وهو السيناريو الذي يستحيل حدوثه في ظل الأرقام والمؤشرات التي تقرؤها سيطرة التحالف الرئاسي على "أغلبية" البرلمان والحكومة معا، كما لا يمكن أن لا يوافق برلمان إنتخبه 6 ملايين فقط و"قاطعه" قرابة 13 مليون جزائري، على برنامج إنتخبه الناخبون بنسبة 85 بالمائة؟. هشاشة البرلمان الجديد وضعف تمثيله الشعبي، هو برأي أوساط سياسية، صكّ على بياض لفائدة الحكومة، لكن هذه الأخيرة، هي الأخرى بعد "تجديد الثقة" فيها، رغم الإتهامات الموجهة إليها وبالرغم من إخفاقاتها في أكثر من قطاع، أصبحت مهزوزة الثقة لدى المواطنين، علما أن 18 وزيرا منها، ترشح في التشريعيات الأخيرة، فتورطوا في الإفلاس والعجز عن إغراء الناخبين وإقناعهم بالمشاركة القوية في الإقتراع(..) !. وتنص المادة 82 من الدستور، أنه "إذا لم تحصُل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني ينحل وجوبا"، وهو ما لايمكن حصوله لا في أحلام الحكومة ولا كوابيس البرلمان، فالخط الرفيع الذي يفصل بينهما، هو برنامج رئيس الجمهورية، وتجمعهما بالمقابل السياط الشعبية التي مزقت ظهرهما خلال الإنتخابات الأخيرة، وبالتالي يكاد يكون البرلمان والحكومة في نسختهما الحالية، وجهان لعملة سياسية واحدة، الفرق الوحيد بينهما، هو أن بوتفليقة وبلخادم سيحكمان رقاب الوزراء خلال إجتماعات مجلسي الوزراء والحكومة، وسيقطفان الرؤوس التي أينعت، فيما سيواجه زياري بعض "المتاعب" أثناء جلسات المناقشة والمصادقة !. وستسقط من التعاملات بين الحكومة والبرلمان الجديدين، الأعراف الدستورية التي تسمح لرئيس الحكومة أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة، لأن البرلمان الفاقد لثقة أغلبية الشعب، لا يمكنه أن يمنح الثقة لغيره !، وينتظر، أن يرفع الرئيس بوتفليقة من خيار التشريع بالأوامر الرئاسية، حسب ما يخوله الدستور، وذلك تجاوزا للنسبة الكاريكاتورية التي تحصل عليها البرلمان خلال التشريعيات التي لا يمكنها أن تشكل "شرعية موازية" لما حصل في الرئاسيات الأخيرة. كما ستفقد القوانين المصيرية، من عيار قانون البلدية والولاية وقانون الإنتخابات وقانون الأحزاب، وتعديل الدستور، ستفقد وزنها ومصداقيتها، طالما ستعرضها حكومة لم تتعدّد ولم تتجدّد ولم تتبدّد، وسيناقشها ويصادق عليها برلمان يمثل "الأقلية"، دون تناسي خرق الدستور، من طرف البرلمان، عندما تورّط في تأجيل عملية التنصيب، ومن قبل الحكومة التي أخّرت إستقالتها، فخرق 18 وزيرا نائبا منها الدستور في مادته التي تمنع الجمع بين المهمة النيابية ومهام أخرى، وقد أنهى رئيس الدولة مهامهم بمرسوم رئاسي قبل أن تستقيل الحكومة ويرجعون بتعيينها الجديد !. جمال لعلامي:[email protected]