قبل أيام، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور الطيب بوزيد نتائج الاستفتاء الذي نظمته وزارته حول تعزيز استخدام اللغة الإنجليزية في الجامعات، وكانت النتيجة باهرة، حيث أعرب 94 بالمائة من المشاركين في الاستفتاء عن تأييدهم لمقترح الوزارة، غير أن تساؤلات جدية بدأت تُطرح حول مدى نجاح التوجه الجديد للوزارة في الانتقال إلى اللغة الانجليزية باعتبارها لغة العلم والحضارة، والصعوبات التي يمكن أن تواجهها في ظل الواقع الذي يشير إلى سيطرة اللغة الفرنسية في التخصصات العلمية. لكن التساؤل الذي لا بد أن يطرح في هذا السياق هو: لماذا بدأ مسار التحول إلى اللغة الانجليزية كلغة أجنبية أولى من القمة وليس من القاعدة؟ ولماذا لم يطرح الاستفتاء على أولياء التلاميذ في كل مراحل التعليم من الابتدائي إلى الثانوي؟ ولماذا لم يتم إعادة النظر في إرث بن غبريط التي كانت تمثل النفوذ الفرنسي في قطاع التعليم، بدليل كل الخطوات التي قامت بها وعلى رأسها استقدام فريق من الخبراء الفرنسيين للإشراف على ما سمي بالجيل الثاني من الإصلاحات التربوية؟ لقد تعرضت المنظومة التربوية إلى محاولة مسخ مدروسة بدأت بمحاولة استخدام العامية في التدريس تحت شعار استخدام اللغة الأم مع أن الخبراء في التربية يشيرون إلى أن اللغة الأم هي اللغة العربية الفصحى وليست الدارجة، وأنه من الخطأ اعتماد اللهجات في العملية التربوية. ومن المؤكد أن محاولات بن غبريط لتطبيق آرائها التربوية الداعية إلى تغريب المدرسة وفصلها عن سياقها الحضاري قد منيت بفشل ذريع بسبب العمل الجبار الذي قام به إطارات التربية سواء على مستوى الوزارة ومديريات التربية أو على مستوى المؤسسات التربوية التي تصدت لكل ما حيك ضد المنظومة التربوية. إن الواجب الآن هو إعطاء أهمية بالغة للمدرسة، أولا بمعالجة الاختلالات الموروثة عن عهد بن غبريط في المناهج والكتب المدرسية، وثانيا بإعادة النظر في السياسات الرسمية المعتمدة في المنظومة التربوية سواء من زاوية حجم الإنفاق العمومي عليها، أو من زاوية عصرنتها واعتماد أحدث أساليب التربية والتعليم، والتجارب الناجحة كثيرة في العالم وليس منها التجربة الفرنسية التي تصنف في مراتب متخلفة مقارنة بتجارب أخرى أوروبية وحتى في المنطقة العربية مثل الأردن وتونس.