وسط غيوم كثيفة، تغطي سماء الرياضة الجزائرية إلى درجة أنها صارت تحتل مراكز متوسطة وأخيرة مع الأفارقة والعرب، يعود مرة أخرى البطل توفيق مخلوفي في محاولة لوضع اسم الجزائر مع الكبار، وكان منذ أولمبياد لندن 2012 مرورا بأولمبياد ريو دي جانيرو 2016 الوحيد من الجزائر الذي صعد على منصات التتويج فأحرز في الأولى الذهبية وعاد في الثانية ليحرز فضيتين في سابقة لم تحدث في تاريخ الرياضة الجزائرية من قبل، ويحاول توفيق مخلوفي اليوم الأحد أن يتوج لأول مرة في تاريخه بالميدالية الذهبية للبطولة العالمية في سباق 1500 متر الدائرة في قطر، ليكون ثاني جزائري يحرز الذهب في الأولمبياد والبطولة العالمية في الرجال رفقة نور الدين مرسلي، وهو نفس إنجاز البطلة حسيبة بوالمرقة التي فازت بذهبية نفس الاختصاص في البطولة العالمية في طوكيو 1991 في أولمبياد برشلونة 1992. لا يمتلك توفيق مخلوفي حظوظا كبيرة للتتويج بالذهب مع تراجع مستواه وبلوغه الواحدة والثلاثين وستة أشهر من العمر، وظهور عدائين كبار مرشحين لتحطيم الرقم القياسي في القريب العاجل لهذا الاختصاص ولكن بلوغه الدور النهائي في اختصاص يحتاج المثابرة وأن يكون العداء فيه من صغار السن، دليل على أن توفيق مخلوفي الذي فاز بذهبية الأولمبياد منذ سبع سنوات في لندن مثابر من النوع الفريد، وفي حالة تمكنه من حصد ميدالية مهما كان لونها فهي إنجاز كبير، أما إذا حصد الذهبية فيمكن أن نضعه من أكبر الرياضيين في تاريخ الجزائر ويحتاج إلى تكريم أكبر مما قُدّم لفريق كرة القدم في أمم إفريقيا، ليس من السلطة وإنما أيضا من الشعب الذي مازال يهتم بكرة القدم فقط دون بقية الرياضات. كثيرون ظنوا بأن توفيق مخلوفي سينتقل لمسافة 5000 متر منذ نهاية أولمبياد البرازيل، حيث فاجأ العالم بانتزاعه ميداليتين فضيتين في سباقين مختلفين وهما 1500 و800 متر، وهو الإنجاز الذي لم يحققه أي بطل جزائري، ولكنه مع مرور الوقت قرّر البقاء في نفس الاختصاص، ولعب كامل طاقته في البطولة العالمية الحالية الجارية في قطر، والبدء في التحضير أو قياس قدراته بالنسبة للألعاب الأولمبية التي ستجري في الصائفة القادمة في طوكيو العاصمة اليابانية، حيث ستكون آخر طلقة رياضية بالنسبة لتوفيق مخلوفي، الذي حصل على توقيت متواضع يفوق ثلاث دقائق و36 ثانية، ولكنه فتح باب المفاجأة واسعا. وتأهل في الفوج الذي شارك فيه مخلوفي، عداء كيني قوي هو شيرويتي والبريطاني غورلي والأمريكي أنجلز والسويدي بيرغلاند، وسيجد إلى جانبه المغربي عبد العاطي إيكيدير الذي يفوق توفيق مخلوفي سنا بسنة كاملة، وهو الذي كان منافسه في أولمبياد لندن وحصل في ذلك الوقت على المركز الثالث والميدالية البرونزية، والجيبوتي سليمان عليشان. تميز أداء توفيق مخلوفي منذ أن برز للعالم بالذكاء، حيث رفض السعي لتحطيم الأرقام القياسية التي لن تدوم، كما حدث لنورالدين مرسلي وقبله سعيد عويطة اللذين عاشا لأجل تحطيم الأرقام القياسية أكثر من الحصول على الميداليات، وتحطمت أرقامهم القياسية جميعها، وصار توفيق مخلوفي يقتصد طاقته ويختار السباقات التي يشارك فيها، وهو أسلوب يستعمله كبار العالم في مختلف الرياضات ويستعمله حاليا في لعبة كرة القدم، مثلا رونالدو وميسي بعد أن تجاوزا سن الثلاثين، حيث أن المشاركة في الجوائز الكبرى يمنحهم المال، ولكن يستهلك طاقاتهم البدنية وهم يجرون من أجل الذهب. سيبقى سباق 1500 متر في الألعاب الأولمبية في سنة 2012 راسخا في أذهان الجزائريين، لأنه جرى في لندن التي اعتبرت في حينها عبر أكبر وسيلة إعلامية في بريطانيا بأن النشيد الوطني الجزائري عنيف وغير صالح للعصر الحديث، فأجبرهم توفيق مخلوفي على سماع نشيد قسما، وفي اختصاص يعشقه البريطانيون الذين امتلكوا في تاريخهم الكثير من الأبطال في هذا الاختصاص ومنهم رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى الحالي سيباستيان كو، وأيضا لأن توفيق مخلوفي سيطر على السباق وجعل بقية العدائين يتصارعون على الفضية والبرونزية فقط، بعد أن وضع توفيق مخلوفي الذهبية في جيبه منذ بداية الدورة الأخيرة، وفي حالة تمكن توفيق مخلوفي من إحداث المفاجأة الكبرى هذا الأحد بانتزاع اللقب العالمي، يمكن اعتباره أحسن رياضي جزائري في العشرين سنة الأخيرة ومن أساطير الرياضة الجزائرية رفقة نورالدين مرسلي وحسيبة بوالمرقة والملاكم الراحل حسين سلطاني، وتبقى النقطة السوداء في هذه المغامرة هو لا اهتمام الصحافة بكل فئاتها بالحدث العالمي وبإنجاز مخلوفي وحتى المواطنين الذين لا يعلم غالبيتهم بأن توفيق على موعد كبير مع نهائي بطولة العالم، في أهم اختصاص في أم الرياضات. ب.ع