في خطوةٍ رمزية داعمة للقضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين، أوقفت تونس الدراسة مدّة 20 دقيقة في جميع المدارس والمعاهد للسماح لتلاميذها برفع علم فلسطين إلى جانب العلم التونسي وترديد أناشيد تشيد بالقضية الفلسطينية وتمجِّد المقاومة. هي خطوة قد تبدو صغيرة ورمزية، ولكنها في الواقع مهمّة جدا لأنها تأتي في وقتٍ تخلّى فيه عددٌ من الدول العربية عن فلسطين وأضحت تهرْول بلا حياء باتجاه الكيان الصهيوني و”تتنافس” بينها على من يستطيع إرضاءه وكسب ودِّه أكثر؛ إذ فتحت أبواب عواصمها لوفودٍ سياسية ورياضية واقتصادية وغيرها لزيارتها وعزفِ النشيد الصهيوني فيها، واستقبلت دولة خليجية رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو منذ عامين استقبال الفاتحين، وتفاخر وزراءُ الاحتلال بالتقاط صور لهم أمام مسجدٍ كبير في عاصمة خليجية أخرى، واحتضنت دولة خليجية ثالثة مؤتمرا في جوان الماضي لترويج “صفقة القرن” اقتصاديا، ثم استضافت مؤتمرا آخر يروّج للتطبيع العسكري مع الصهاينة من خلال إقامة حلف بحري معهم بعنوان “الحفاظ على أمن الملاحة في الخليج”، ومنذ أيام قليلة استقبلت عاصمة خليجية وفدا طبيا يضم تسعة أطباءِ أطفال لإجراء جراحاتٍ لأطفالها، وكأنّ كل دول العالم المتطورة خلت من أطباء الأطفال المتمرِّسين حتى تستنجد بأطباء الكيان الصهيوني! على الصعيد الشعبي تتواصل جهود التطبيع من خلال قيام “النخب” المدجّنة التي باعت ضمائرها، بحملةٍ غير مسبوقة لإنهاء مقاطعة الاحتلال وتسريع وتيرة التطبيع العربي معه؛ إذ عقد عددٌ من السياسيين والديبلوماسيين العرب القدامى والصحفيين والأكاديميين غير المعروفين، مؤتمرا بلندن دام يومين لدراسة كيفية تفعيل التعاون مع الاحتلال وسبُلِ “منْهَجة التطبيع إعلاميا وتربويا”، وطالبوا الدولَ العربية بإنهاء مقاطعته وفتح أبوابها له على مصراعيها! ويضاف إلى ذلك ما يقوم به الذباب الإلكتروني لدول خليجية في السنوات الأخيرة من ترويجٍ للتحالف مع الاحتلال وشيْطَنة الفلسطينيين المضطهَدين وتسفيه قضيتهم العادلة وتجريم المقاومة، حتى إن إعلاميا خليجيا زار القدس منذ أشهر وقابله الفلسطينيون بالضرب بالكراسي والبصاق على وجهه، لم يتورّع عن الدعاء لجيش الاحتلال ب”النصر على الإرهاب؟!”، خلال جولة القتال الأخيرة مع الجهاد الإسلامي! في غمرة هذا الانبطاح غير المسبوق، والمجاهرة بفاحشة معاداة فلسطين وإدارة الظهر للقدس وخيانة الأقصى، تأتي هذه الصفعة المدوّية من أطفال تونس للمهرولين؛ فإذا كان هناك من يستلذّ الذلّ والعمالة، ويبيع مقدسات الأمة بثمن بخس، ويتحوَّل إلى بيدق ينفّذ مخططات الأعداء لتصفية القضية الفلسطينية.. فإنّ هناك بالمقابل من لا يزال يحمل فلسطين في قلبه، ويرفع رايتها عاليا، ويسعى لإحيائها في قلوب أبناء الأمة وأجيالِها الصاعدة، وهو موقفٌ يُحسب للرئيس التونسي المنتخَب قيس سعيّد. وبالمناسبة، لو تُرك الأمرُ للشعوب لاختيار حكامها لاقتلعت جذور كل الخائنين وأوصلت أمثال قيس إلى الحكم. إذا خانت هذه الأجيال فلسطين، فسيُذهِبها الله ويأتي بقوم آخرين ينصرونها ويحرّرونها مهما طال الأمد. لقد قالتها تلميذةٌ تونسية مدوّيةً: “سنبقى في منامهم كابوسا، وفي يقظتهم فجيعة، وستبقى القدس عاصمة أبدية لفلسطين”.