أفرزت محاكمة وزيرين أولين وعدد من الوزراء السابقين، ورجال أعمال، فضول المواطنين، وأصبحت الحدث البارز في البيوت والمقاهي والشوارع، الكلّ يدلي بدلوه، يحلّل ويتوقع، يناقش ويستشرف.. ولعلّ التلخيص والتشخيص الذي التقت حوله الأغلبية، هو أن الفئة القادمة واللاحقة من المسؤولين، مهما كانت ملتها وانتماؤها، لا يمكنها بأيّ حال من الأحوال أن تقترف ما اقترفته السابقة، من أخطاء وخطايا، انتهت في مستنقع الفساد! المسؤولون القادمون، من الرئيس إلى الوزير الأول إلى الوزراء والنواب والأميار ومديري المصالح والمؤسسات، سيعتمدون دون شك على حكمة “عوم وعسّ حوايجك”، أو ربما “عوم بحوايجك”(..)، فلم تبق للحاشية و”بطانة السوء” حظوظ للتكيّف والتعايش مع المستجدات، مثلما يصعب على الانتهازيين والوصوليين و”الغمّاسين” أن يبسطوا أيديهم إلى غاية أقدامهم، عندما يتعلق الأمر بالاستفادات والامتيازات المشبوهة! من الصعب أن يبقى قادم الوزراء والولاة والأميار ومختلف المسؤولين، بنفس العقلية التي انتهت ببعض السابقين إلى التحقيقات والمحاكمات والسجون، وهذا “الإنجاز” هو واحد من مكاسب الحراك السلمي، الذي رافقه الجيش، فالقادمون لا يمكنهم أن يُعادوا “فخامة الشعب” بنفس الطريقة المفضوحة والاستفزازية التي وقعت خلال السنوات الأخيرة، فعدمت الثقة بين الحاكم والمحكوم! المواطن سيكون خلال المرحلة القادمة، ومن أجل “الجزائر الجديدة”، حارسا على أقوال وأفعال وأعمال المسؤولين، سواء في القمة أو القاعدة، وقد يكون من الوهم والخيال، أن يتورّط مثلا “المير” بنفس الشكل والمضمون، الذي كان عليه سابقا، وهذا المثل البسيط بأجزاء الجزائر العميقة، ينطلي أيضا على الحكومة وعلى “وعود والتزامات” المترشح الفائز بالرئاسة! مهما كانت النقائص والثغرات، لا يُمكن للقادم أن يكون نسخة طبق الأصل من الوضع الذي غيّره الحراك منذ 22 فيفري، ومثلما المواطن مسؤول على “الحراسة”، فإن الطبقة السياسية والمعارضة والأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، مسؤولة كذلك على المساهمة في منع تكرار تجربة العشرين سنة الماضية، سياسيا واقتصاديا وشعبيا! تغيير الذهنيات والعقليات، هو أكبر رهان خلال المرحلة المقبلة، ولن يتحقق هذا إلاّ إذا فهم المسؤولون القادمون العبرة والدرس، سواء من محاكمة الحراك للعصابة، أو محاكمة العدالة للمتهمين بالفساد، وهي الرسائل التي ينبغي على السياسيين وكلّ المسؤولين “الجُدد” ومستشاريهم ومساعديهم والمقرّبين منهم، أن يرمّموا ما كسره السابقون من ثقة ومودّة مع المواطنين، وأن يحاولوا إعادة ربط الحبل السرّي بين المواطن والمسؤول بما لا يعيد إنتاج نفس الأسباب التي تؤدي إلى نفس النتائج!