10 أشهر لم تكن عادية ولا طبيعية.. كانت “بوابة” محتملة لفتنة جديدة والعياذ بالله.. كانت نافذة لمحنة لم يكن الجزائريون يريدونها.. كانت “مفتاحا” حاول أعداء الجزائر استعماله لإدخال البلاد والعباد في أتون مواجهة دموية بعد تجربة التسعينيات.. لكن، ولأن الله يسخّر رجالا منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، فقد سارت الجزائر إلى برّ الأمان وخرجت من عنق الزجاجة، بعد فشل مخطط خنقها! الرجال والأبطال لا يموتون.. فقد رحل فقيد الجزائر الفريق المجاهد أحمد قايد صالح، لكن ما قام به خلال تلك الشهور، تحديدا، لن ينساه أحد، ولا يُمكن بأيّ حال من الأحوال، لمزوّري التاريخ ومحرّفي الأحداث وسارقي الانتصارات، أن يطمسوها أو يخفوها.. فقد أنتج الراحل فكرة جديدة عن الجيوش الحديثة، وأعطى صورة مثالية ونموذجية، لكلّ قيادات الجيوش في البقاع التي وقفت ضد إرادة شعوبها ولم تعرف قيمة شعار “الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة”! مثلما أدهش الشعب الجزائري بعبقريته وسلميته، كلّ العالم، أذهل كذلك جيشه بفضل قيادته النوفمبرية جميع المراقبين والمتربصين والمتآمرين ضد جزائر الشهداء الأبرار والرجال الأحرار.. لم يكن الفريق قايد صالح، سوى مرآة عاكسة لجيش وطني شعبي، وهو سليل جيش التحرير الوطني، الذي قاوم المستعمر وهزمه، ووقف بعد 57 سنة من الاستقلال المجيد، ضد “محاولات العودة” من خلال التدخل والضغط بالأذناب والعملاء! رحل الفريق، لكنه ترك خلفه جيشا قويا، وبلدا آمنا، وشعبا واحدا موحّدا.. وترك وراءه ألسنا تذكره بخير، وتتذكّر مواقفه وتصريحاته.. مرافقته للحراك السلمي والتزامه بحماية المسيرات الشعبية.. وعده بعدم سيلان ولو قطرة دم واحدة.. سيخلده موقفه البطولي عندما رفض إنزال الجيش إلى الشارع لقمع الجزائريين وإعلان حالة الاستثناء، استجابة لأولئك الذين أرادوا الخلود في الحكم بأيّ ثمن.. سيخلده التاريخ، لأنه لم ينقلب على الدستور ولم يقد أيّ انقلاب للاستحواذ على مقاليد السلطة، لكنه دعا للانتخابات وأصرّ عليها، وها هو يفارق الحياة بعد أن احتار الجزائريون رئيسهم، وبعد أن كرمه الرئيس بوسام الصدر. هي سابقة فريدة من نوعها.. الجيش يلتزم بالدستور، ويرفض استلام الحكم في عزّ الأزمة، ويأبى التفاوض مع السياسيين، ويجهر بأن لا مرشح له في الرئاسيات، ويتعهّد باحترام إرادة الشعب وحماية الصندوق من التزوير والتلاعب، وبمرافقة الرئيس المنتخب.. استثناء يكاد لا يحدث إلا في الجزائر، بلد المعجزات، فبينما كان “العسكر” في بلدان أخرى، خلال نفس الفترة، يقمع شعبه، وينتزع السلطة بالقوّة، كان الجيش الجزائري مرافقا حاميا مؤمّنا لمظاهرات “فخامة الشعب” الذي طالب بالتغيير. لسان حال الجزائريين، يترحّم على روح الفقيد الذي عاش ومات مجاهدا في أقواله وأفعاله وأعماله، قائدا في نظرته الاستشرافية وتحركاته الميدانية، وجزائريا في عزة نفسه وكبريائه ووقفته الشامخة مع استقرار وأمن وطمأنينة هذا البلد الآمن.. وقد قالها بالفم المليان: “أحنا اولاد الشعب.. الجيش ضد العدو موش ضد شعبو.. يستحيل نتقبلها يكون واش يكون”.. إنه حسن الخاتمة.