أفادت مصادر رسمية من مصلحة قدامى المحاربين في السفارة الفرنسية، وهو ملحق إداري للديوان الوطني للمحاربين وضحايا الحروب، المنضوي تحت وصاية وزارة الدفاع الفرنسي، أن فرنسا أحصت رسميا 60 ألف شخصا في الجزائر، يستفيدون من المنح والتقاعد العسكري، من بينهم الأرامل، وقدامى المحاربين الذين شاركوا في صفوف الجيش الفرنسي في الحرب العالمية والصراعات المسلحة في القرن العشرين، كما تمس هذه المنح أيضا عددا كبيرا من الحركى الذين بقوا في الجزائر بعد الاستقلال، ولم يغادروا التراب الوطني، وهم من صرح بشأنهم الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، واعترف بأن فرنسا تخلت عنهم منذ أكثر من نصف قرن. ولطالما أحيطت المنح التي يتقاضاها الحركى في الجزائر بالتكتم الشديد من طرف المستفيدين منها، ولا يجرؤ أي شخص في الجزائر، سواء كان من الحركى أو من ذويهم، عن الإفصاح عن قيمة ما يتقاضاه هؤلاء من أموال فرنسية، خاصة ممن مايزال يقيمون في المداشر والدواوير والقرى، حيث يتعارفون فيما بينهم، في حين يتقاضى قدامى المحاربين منحهم بدون حرج. ولجأ قدامى المحاربين والأرامل وكل من شارك إلى جانب الجيش الفرنسي منذ سنوات، إلى مراسلة السلطات الفرنسية للاعتراف بهم، عن طريق شكاوى يحررها لهم كتاب عموميون، أو عن طريق السفر إلى فرنسا، للمطالبة ببطاقة "محارب" وهي أهم وثيقة في ملف المنحة. وحاليا يتصلون بالسلطات الفرنسية عن طريق الانترنت والهاتف، ويتلقون بطاقاتهم عن طريق البريد الالكتروني، والرد عن كتاباتهم سواء بالرفض أو القبول. وعشية الاحتفالات بذكرى الفاتح نوفمبر المجيدة، كشفت السلطات الفرنسية لأول مرة من خلال مصالح سفارتها في الجزائر عن قيمة الأموال والمنح التي تقدمها لقدامى المحاربين والأرامل، وما تبقى من الحركى المقيمين في الجزائر والمقدرة ب6.8 ملايير دينار سنويا، يستفيد منها 60 ألف شخص، وتقدر منحة التقاعد بالنسبة للمحاربين الحاصلين على بطاقة محارب في صفوف الجيش الفرنسي 666.76 أورو في السنة، اي ما يعادل 66.6 ألف دينار جزائري سنويا، وهي اقل منحة في قائمة "التعويضات"، أما منحة التقاعد العسكري و تخص المجندين لمدة تزيد عن 15 سنة في صفوف الجيش الفرنسي، فلا تقل عن 45 ألف دينار شهريا، وهي تعادل منح المحاربين الفرنسيين، ويعتمد قانون التعويضات الفرنسي على تحويل منحة التقاعد العسكري للأرامل بمبلغ 20 ألف دينار، في حين يقصي القانون أرامل المحاربين من الاستفادة من منحة المحارب التي تنقطع بمجرد وفاة المعني بالأمر. أما الفئة التي "تدللها" السلطات الفرنسية فهي فئة المعطوبين الذين يتقاضون منحا حسب درجات الإعاقة بصفة متساوية مع الفرنسيين منذ جانفي 2007 . وسبق للبرلمان الفرنسي أن اتخذ في 29 ديسمبر 2010 مقاييس "لتثمين" المنح الفرنسية لقدامى المحاربين في الجزائر، ومن المنتظر أن يتم رفع المنح في جانفي 2013 . ويتردد على مصلحة قدامى المحاربين بالسفارة الفرنسية خلال أيام وساعات الاستقبال المئات ممن يبحثون عن وثائقهم وملفاتهم لإثبات "نسبهم" للجيش الفرنسي، حيث صرح لنا أحد الأشخاص الذي قدم من إحدى الولايات الداخلية أنه أودع ملف "بطاقة" محارب منذ أزيد من 14 شهرا، لكنه لم يحصل عليها، وآخر تقدم بشكوى نيابة عن والده الذي شارك في الحرب العالمية مع الجيش الفرنسي ضد ألمانيا، ولم يتقاضى أية منحة لحد الآن. كما لاحظنا إقبال العديد من الأرامل رفقة أبنائهن إلى مصلحة قدامى المحاربين للمطالبة بالمنح، لكن القانون الفرنسي لا يمنح أرامل المحاربين أية منحة سوى أرامل المتقاعدين فقط، كما تقدم عدد كبير من أرامل الحركى وأرامل قدماء المحاربين بمراسلات للسلطات الفرنسية للمطالبة بالمعاشات الفرنسية، لكن القانون يحول دون استفادة أرامل الحركي الذين لم يكملوا سنوات الخدمة في الجيش الفرنسي حتى التقاعد، تقول السيدة "فاطمة.خ" أنها لم تتوقف عن مراسلة المصلحة منذ سنة 1997 في فرنسا للمطالبة بمنحة زوجها، الذي انظم إلى الجيش الفرنسي سنة 1956، وقتل في إحدى المعارك سنة من بعد تجنيده. وهي تقوم بهذه المراسلات في السر دون علم أقاربها وجيرانها. وقد لاحظنا أن الأشخاص الذين استفادوا من المنح الفرنسية خاصة منهم الحركى في المدن الداخلية لا يبوحون بها، ولا يفصحون عن قيمتها، ولا يتحدثون عنها، نظرا لحساسية الموضوع الذي مايزال من "الطابوهات"، وعلى الرغم من ذلك، تتواصل مساعي الآلاف في مراسلة السلطات الفرنسية للحصول على "التعويضات"، علما أن السفارة الفرنسية منحت سنة 2011 خمسة آلاف بطاقة محارب جديدة، في انتظار النظر والفصل في عدد غير معلن من الملفات أغلبها للأرامل .