هكذا إذن انتهت جولة المفاوضات الليبية التركية الروسية في موسكو دون التوصل لاتفاق، يسكت أصوات إطلاق النار، على طريق الوصول لحل سياسي توافقي، يعيد وحدة ليبيا وأمنها المفقود. من كان يعتقد أن الأطراف المتصارعة ستعود باتفاق ينتظره الشعب الليبي الفاقد لقواعد الاستقرار في مجتمع يتمزق أمام أنظار العالم؟ الصراع الليبي الذي يبدو داخليا في شكله، هو صراع دولي في جوهره، لم تراع فيه الأممالمتحدة وحدة ليبيا، التي خضعت لمنطق غير عادل يضمن مصالح القوى الكبرى في اتفاقيات أشرفت على توقيعها بين طرفي النزاع . اخترق قرار وقف إطلاق النار قبل وصول الجنرال خليفة حفتر إلى بنغازي، ووصول فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس، مع انتهاء هدنة مفاوضات فاشلة في موسكو رعتها روسياوتركيا معا. محادثات الهدنة في ليبيا بحضور وزراء الخارجية والدفاع لروسياوتركيا مع الجنرال خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، اختتمت بعودة القتال إلى تخوم العاصمة طرابلس، قتال روسي – تركي بالوكالة، لن ينتهي بسقوط العاصمة، رمز سيادة ليبية مفككة . بدت محادثات موسكو التي فتحت ملف فشلها منذ البدء، غير جادة في وقف إطلاق النار، وقد أضحت فضاء كاشفا لعمق الخلاف بين طرفي النزاع الليبي وحاضنتيهما، أنساهما ضرورة إيجاد أرضية ملائمة يتحقق فوقها اللقاء الرامي إلى توافق ينهي النزاع القاتل. ذهب المتنازعان إلى موسكو وكأنهما فوجئا بأطراف المحادثات، خليفة حفتر رفض حضور الجانب التركي، والسراج رفض اللقاء بحفتر الذي رفض مسودة الاتفاق. تركيا حاضرة، كان يعلم خليفة حفتر بحضورها، كان يعلم أن اتفاق الهدنة لا يغلق الباب أمام تدخل عسكري تركي، لقاء طرفي النزاع كان أمرا منطقيا في بلوغ هدنة لقتال طاحن استمر شهورا، يدرك فايز السراج أمر انعقاده. لكن حفتر – السراج رفضا برتوكول هذه المحادثات، ورفضا أي لقاء ثنائي في رعاية حاضنتيهما، وكأنهما ذهبا لساعات هدنة بعيدا عن ضجيج حرب أهلية، أقضت مضجعيهما . من المسؤول عن فشل محادثات موسكو؟ الثنائي حفتر – السراج، أم الراعيان لمحادثات لم تكتمل تركيا – روسيا؟ فشلت روسيا في جمع طرفي النزاع كما أعلنت، وفشلت تركيا في إقناع السراج بلقاء خصمه حفتر، وكأن النوايا لم تكن صادقة في إقرار هدنة يتلمس الشعب الليبي ثمارها. دعوة الرئيسان فلاديمير بوتين والطيب رجب أردوغان التي ختمت أجلها بفشل دبلوماسي منتظر، سترفع سعير نار الحرب الأهلية في ليبيا، وستشتعل جبهات القتال التركي – المصري المباشر في ظل انتعاش محاور دولية – إقليمية لا يعنيها أمن شمال إفريقيا، وستفتح أبواب مدينة برلين على اجتماع ترعاه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سيكلل بالفشل الذريع، فالأطراف التي فشلت في إقرار هدنة عسكرية، لن تلتقي حول طاولة مفاوضات صلح سياسي مستحيل.