هم أوّل الجنود المحاربين للإمبراطور "كوفيد التاسع عشر" دجّجوا أنفسهم بألبسة واقية وقفازات وكمامات وأقنعة لخوض حرب تركت آثارها على وجوههم وأجسادهم المتعبة والمنهكة.. هم أطباء وممرضون ومستخدمون في قطاع الصحة، غامروا بحياتهم وفارقوا أبناءهم وأهلهم وأحباءهم لتلبية نداء الواجب وإنقاذ حياة ضحايا العدو الفيروس الذي افتك بمئات الجزائريين وقتل العشرات منهم إلى غاية الآن، في ظل نقص إجراءات الحماية ومستلزمات الوقاية ما جعل الكثيرين منهم يواجهون الوباء بصدور عارية.. يعلم أغلبية العاملين في قطاع الصحة حجم الخطر الذي يواجهونه يوميا أمام الانتشار المتزايد والمتسارع لفيروس كورونا، إلا أنهم لم يتراجعوا خطوة إلى الوراء ولم يبدوا أي تردد لأداء واجبهم على أكمل وجه. وتؤكد البروفيسور نسيمة عاشور رئيسة مصلحة الأمراض المعدية بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة "القطار" نحن نعمل في ظروف صعبة جدا وتحديات كبيرة نحاول قدر المستطاع إنقاذ حياة المصابين وحفظ أرواحهم..الجميع هنا في القطار مجندون ليلا ونهارا ويعملون لساعات متأخرة جدا بلا انقطاع همهم الوحيد هو سلامة المرضى. فارقنا أولادنا وأسرنا ونعمل في ظروف صعبة البروفيسور عاشور التي تقيم بولاية تيزي وزو لم تر أولادها وأسرتها منذ قرابة الشهر والنصف شهر بسبب المسؤوليات الملقاة على عاتقها كرئيسة مصلحة ورئيسة للمجلس الطبي وقالت "رئيس المصلحة يجب أن لا يغادر عمله وأن يبقى إلى جانب زملائه.. هذه هي المسؤولية التي أعرفها أنا يجب أن أكون حاضرة إلى جانب فريق العمل وأن أدير عملي على أكمل وجه مهما بلغت التضحيات". وتحدثت البروفيسور عاشور عن فريق عمل رائع بالقطار بمختلف المصالح الثلاثة "أ" و"ب" و"س" من أطباء ومقيمين، معبرة عن امتنانها للجميع على رأسهم الدكتور موسى والدكتور زينيت والدكتور مهران، وجميع من بادر إلى العمل أكثر مما يستلزم دوره.. وتحدّثت المختصة عن شوق كبير للمهنيين لأبنائهم وأسرهم غير أنّ الواجب أسبق من كل هذا وقالت "لم أر أولادي منذ شهر تقريبا أصغرهم يبلغ من العمر 11 عاما، أقدّر حاجته إلي لكن ما عساي أفعل". وتضيف "نحاول تدارك الأمر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي "واتس اب وفايبر" إلى أن تفرج الأمور وتتحسن الأوضاع. كورونا يقتل طبيبا وممرضا وسائق سيارة إسعاف ولم تغير بعض الإصابات المسجلة لدى زملائهم من أطباء وصيادلة في الأمر شيئا حتى مع وفاة سائق سيارة الإسعاف ببوفاريك جراء الفيروس لم يصدر منهم سوى الرضا بقضاء الله وقدره والترحم على الفقيد الذي نحسبه جميعا شهيدا عند الله. جمال طالحي ابن "الصومعة" سائق سيارة الإسعاف، رحل وترك أرملة وأيتاما.. رحل وهو يؤدي عمله مثل جندي في حرب، كان يعرف الخطر جيدا، لكنه آثر على ذلك نقل عشرات المرضى مثل أي جندي شريف لم يهرب من الواجب حتى توقف نبضه. وإلى جانب جمال الذي لم يكتب له عمر جديد، أصيب بعض الأطباء والصيادلة بالفيروس حالاتهم مستقرة إلى غاية الآن حسب ما تؤكده مصادر مقربة من محيطهم، ترفع لهم يوميا أكف الدعاء والتضرع لله تعالى بأن يشفيهم ويحميهم، في حين توفي ممرض من مستشفى البليدة جراء إصابته بفيروس كورونا، كما يتم تداول أخبار عن وفاة طبيب في مصلحة السرطان بمستشفى مصطفى باشا الجامعي كان يعالج مريضا يبدو أنه أصيب بالفيروس. وبالتالي يكون فيروس كورونا إلى غاية الآن قد حصد حياة ثلاثة مهنيين في قطاع الصحة. أطباء.. نعمل لأجلكم فابقوا في البيوت لأجلنا بعثت إحدى الطبيبات النفسانيات بتحياتها لجميع زملائها والمتضامنين مع الطاقم الطبي من الحجر الصحي بمستغانم، ووجهت رسالتها لجميع المواطنين قائلة: "نحن نبقى في العمل لأجلكم فابقوا في بيوتكم لأجلنا.. ربي يقدركم أنتم أمل البلاد ربي يوفقكم إن شاء الله".. أمّا أمين تواتي عن مجموعة أطباء جزائريين الفايسبوكية فنشر على صفحته "ما سأكتبه بعيد عن لغة الخشب أو الشعبوية أو أي نسخ ولصق من أي صفحة أخرى، اليوم أريد أن أعبر عن مشاعري وأغلبية العمال من أطباء وممرضين وأعوان أمن ونظافة وقباضين وسائقين وإداريين ..تحيتي اليوم أقدمها الى أهلنا: أمهاتكم وأبائكم، زوجاتكم وأزواجكم، أبنائكم وبناتكم، إخوانكم وأخواتكم..أقسم برب الكعبة بأنني أكتب متثاقلا ثقل تلك النظرات التي يقابلوننا بها حين توديعنا للعمل، كيف لا ونحن ذاهبون لتحدي فيروس في عقر منزله رغم أن الكل هارب ومختبئ منه. لا أحد مكاننا يمكنه أن يعيش تلك اللحظة التي نعود فيها إلى أهلنا وتلك الفرحة التي تستقبلنا حين عودتنا من معركتنا اليومية ضد ذلك الفتاك . صدقوني كل العائلة تتألم كل دقيقة لأجلنا ويدعون الله لأجل سلامتنا وكل عقولهم طوال اليوم أو الليل معنا… سوف لن نخذلكم يا من تسهرون لأجلنا وسوف نجعلكم تفتخرون بنا لأننا جيش الوطن الوحيد في هذه المعركة وأي معركة ضد مجهول وجب علينا أولا اكتشافه ثم فتكه…رجاء فقط: بعد الكورونا لا تشكرونا ولا تكرمونا فقط احترمونا..". نقابة الصحة: الحماية والتنسيق أكثر النقائص في الميدان بدوره أكد إلياس مرابط رئيس نقابة مستخدمي الصحة إصابة عدد من الأطباء والصيادلة والمستخدمين في الصحة بعدوى فيروس كورونا وحالتهم مستقرة إلى غاية الآن، موضحا بأن ظروف العمل بدأت تعرف تحسنا مقارنة مع ما كانت عليه في البداية، حيث بدأت المعدات تصل بصفة متقطعة وبكميات معقولة. الأمور تحركت بشكل جيد، يقول مرابط، خلال 48 ساعة الأخيرة بعد توفير بعض المستلزمات من مآزر وكمامات وقفازات وواقيات الراس ونظارات الحماية وباتت توزع وفق الأولويات على مختلف المؤسسات الصحية القريبة من الوباء والموبوءة، غير أن النقائص لا تزال موجودة في الميدان خاصة من حيث التنسيق بين الفاعلين والمسؤولين والمصالح، وهو ما يترجم احتجاج العاملين في مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك يوم الخميس. ودعا مرابط وزارة الصحة والقطاعات ذات الصلة بالموضوع إلى الاجتهاد أكثر لتوفير ظروف الراحة في العمل للمهنيين على اختلافهم من خلال تخصيص أماكن لائقة لأخذ قسط من الراحة للمناوبين والعاملين على مدار أيام متواصلة وتخصيص أماكن محترمة تمكن المهني من حجر نفسه فيها بعد انتهاء مداومته بدل العودة إلى بيته وتعريض أسرته إلى خطر العدوى وذلك من خلال حجز مرافق مجهزة لهؤلاء المهنيين، داعيا إلى تضامن واسع مع المهنيين وذويهم ممن يضحون لأجل سلامة المرضى وانتصار الوطن. نقص الإمكانيات وغياب التنسيق يدفعان الأطباء للاحتجاج دفع نقص الإمكانيات وغياب التنسيق مستخدمي الصحة العمومية بمستشفى بوفاريك بولاية البليدة إلى الاحتجاج يوم الخميس الماضي، مطالبين برحيل رئيس مصلحة الأمراض المعدية، ومنددين بما وصفوه ب"سوء التسيير". يأتي الاحتجاج عقب وفاة سائق سيارة الإسعاف بالمؤسسة جراء إصابته بفيروس كورونا، حيث أكد العمال أنهم "يعيشون ضغطا يوميا رهيبا في عز الأزمة الصحية التي تشهدها المنطقة الموبوءة". وفي ذات السياق أوضح الياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة أنّ الوقفة الاحتجاجية كانت من أجل تبليغ صوت ومعاناة المستخدمين كافة ومحاولة تدارك الأمر مؤكدا أن العمال المحتجين سرعان ما عادوا إلى عملهم لضمان استمرارية الخدمة. وأردف مرابط "الاحتجاج كان فرصة للتعبير عن نقص الإمكانيات وغياب مرافقة فعلية من قبل السلطات المعنية وهو ما بعث وعزز القلق والتوتر والخوف في نفوس العاملين على اختلاف مستوياتهم." وحسب مرابط فقد تم إبلاغ وزير الصحة بواقع العمل في بوفاريك كما تم إبلاغ الوزير الأول عبد العزيز جراد الذي طلب تقريرا مفصلا عن الأمر. وأرجع المتحدث أغلب المشاكل إلى نقص التنسيق بين المسؤولين والمصالح، متسائلا عن سبب التماطل في نقل مرضى الحجر الصحي من بوفاريك إلى المصلحة الجديدة "طب القلب والشرايين" التي دشنها الوزير الاول جراد بمستشفى البليدة والتي أمر أن تخصص للحجر الصحي لمرضى بوفاريك غير أنه لغاية الآن بعد مرور أسبوعين كاملين لم يستجد أي شيء في الأمر لمعارضة أطراف نافذة للقرار. واستغرب رئيس النقابة عدم تحرك والي البليدة إلى غاية الآن للاجتماع بمختلف الفاعلين في سلك الصحة والمجتمع المدني لبحث مشاكل وحلول الواقع المرير الذي يعانيه المهنيون، وهو المسؤول الأول عن تسيير ولاية موبوءة تسجل بها نصف الإصابات، في حين سارع ولاة آخرون في الجزائر ومستغانم وغليزان وغيرها إلى ذلك.