في الوقت الذي اتخذت فيه مراكز البريد، والبنوك عبر الوطن، إجراءات استثنائية لوقاية موظفيها من عدوى كورونا الفيروس المستجد، ووضع مسافة الأمان كشرط أساسي في التعامل مع الزبون، أساءت بعض هذه المراكز وخاصة المتواجدة في المدن المعنية بحظر التجول الذي يبدأ من الثالثة زوالا، إلى المواطنين. فرغم إبقاء الطوابير خارج المقر، إلا أن الباب الوحيد والضيق أحيانا، ومع غلق المداخل الأخرى، خلف حالة اكتظاظ بين الداخلين والخارجين.. لكن الأمر المثير للغرابة والملفت للانتباه، هو تلك الفئة المسنة من الزبائن، وهم من شيوخ وعجائز تخطى بعضهم عتبة ال 80 سنة.. يمشون بخطوات بطيئة وظهور منحنية، والكحة تتغلب على أجسامهم الضعيفة، وهم من دون كمامات، لسحب أموالهم، وسط أجواء تنذر بعدوى كورونا! واستغرب زبائن مراكز البريد في العاصمة، خلال هذا الأسبوع، من تواجد فئة المسنين من بينهم، خاصة أن البعض من هذه الفئة، كانت حالتهم تثير الشفقة، على غرار مجاهدة في ال90 سنة، اصطحبها ابنها لسحب معاشها، وكانت منحنية الظهر تماما وتجاهد لتخطو خطوة واحدة، حيث مرت وسط الطابور وهي لا تضع كمامة على فمها وأنفها، فشدت أنظار المارة أمام مركز البريد، وراح بعضهم يلوم ابنها، والشيء نفسه، بالنسبة إلى شيخ كان يبدو أن سنه لا تقل أيضا عن 80 سنة، يتكئ على عصاه ويرتجف، جاء مع ابنه ليسحب مبلغا ماليا من رصيده، حيث في ظل الاكتظاظ ولا مبالاة هؤلاء المسنين ولا أولادهم، بكورونا، يبقى انشغالهم الوحيد هو سحب المال استعدادا لمصاريف شهر رمضان. واستنكر بعض زبائن مراكز بريد العاصمة، غلق المداخل والسماح لهم بالدخول والخروج من باب ضيق، تسبب في اصطدام وتزاحم رغم وجود عون يقوم بتنظيمهم، ولم يرق لزبائن مركز بريد حسين داي، عدم تخصيص مدخل للكبار السن، تفاديا لإصاباتهم بعدوى فيروس "كوفيد 19″، خاصة أنهم من الفئة الأقل مقاومته لهذا الوباء. مسنون يرفضون تسليم الوكالات لأبنائهم وفي جولة استطلاعية قادت "الشروق"، مع بداية هذا الأسبوع، إلى مراكز بريد في العاصمة، تقربنا من بعض كبار السن الذين وجدناهم يسحبون أموالهم، وكان أغلبهم رفقة أحد الأبناء، حيث قال شيخ في ال75 سنة، إن تسليم وكالة لواحد من أبنائه قد يجعل بقيتهم يخاصمونه، ويدخلون في خلاف معه ومع الابن المستفيد من الوكالة، فيما ردت عجوز مسنة، بأنها لا تثق في أحد، وأن أحفادها قد يسحبون مبالغ مالية من رصيدها دون علمها. وأما في مركز بريد حسين داي، فأكد لنا ابن إحدى المسنات وهي تخطت عتبة ال80 سنة، بأنها رفضت رفضا قاطعا أن تمنحه وكالة لسحب المال من البريد، عوضا عنها. جمعية الشيخوخة المسعفة تحذر وفي السياق، قالت سعاد شيخي، رئيسة الجمعية الجزائرية للشيخوخة المسعفة، إن تواجد المسنين في طوابير مراكز البريد والبنوك، يهدد بانتشار عدوى كورونا، ولا يحمي فئة هشة تستحق كل الحماية، وتساءلت قائلة: "أين المساعدة الاجتماعية للبلدية؟". وطالبت السلطات بأن تتدخل وتجد حلا مناسبا لفئة المسنين، الذين يرغبون في سحب أموالهم من مراكز البريد والبنوك، وتسهيل عمليات السحب، وذلك بأن تلعب المساعدة الاجتماعية حسبها، دورا في إحصاء هؤلاء بالدخول إلى البيوت، والتقرب منهم، والتحقق من حالتهم الصحية والذهنية. وحذرت شيخي عائلات المسنين الذين تجاوزوا 70 سنة، من تعريضهم إلى مخاطر العدوى، حيث ترى بأنه على الحكومة أن تجد حلا لإيصال المبالغ التي يريدون سحبها من أرصدتهم، إلى مقرات سكناهم، كما قالت إن على البنوك ومراكز البريد أن تخصص أكشاكا ومسالك خاصة بالمسنين، ولا تستقبلهم ضمن بقية الزبائن. وأشارت سعاد شيخي إلى أن جمعيتها ستطرح إشكالية كبار السن وتواجدهم يوم 27 أفريل الجاري المصادف لليوم الوطني لحماية المسنين في الجزائر.