أصبح الجزائريون في أولى أيام وباء كورونا، على وضع صحي واجتماعي واقتصادي بائس، وعلموا بأنهم أضاعوا السنوات في إطلاق "الأكاذيب" وتصديقها، فلا المنظومة الصحية التي تداول عليها العشرات من الوزراء وأنفق عل إصلاحها ملايير الدولارات، تحت شعارات "الطب المجاني والصحة للجميع" أفلحت، ولا التعامل بين القمة والقاعدة لأجل محاصرة الوباء رست بالسفينة على برّ الأمان، ولا ما تم اكتنازه من مال في عشريات البترول المرتفع الثمن أزهرت، وهو ما يجعلنا ننتظر أياما صعبة بعد كورونا، لأنه عندما دخلنا المدرسة وعلمونا قصة النملة والصرصور، دفعونا لحمل قيتاراتنا والغناء والرقص في ربيع ريع البترول، والاستهزاء بحاملي المؤونة، فاعتبرنا الصرصور قدوتنا وليس النملة. الرئيس عبد المجيد تبون في آخر لقاء له بالصحافيين، تحدث عن ثروات منسية، أو ربما أريد لها أن تُنسى مثل اليورانيوم والألماس والنحاس والذهب والفوسفات، ووضع الجزائر في المرتبة الرابعة عالميا في الثراء من المعادن النادرة وغالية الثمن، وتحدث عن الإمكانات الفلاحية التي أساسها خصوبة الأرض والمياه الجوفية والسطحية، وراهن على الاكتفاء الذاتي في مواد أساسية، تبتلع من فاتورة الجزائر ملايير الدولارات، مثل الزيت والسكر. صحيح أن كل الرؤساء الذين مرّوا على الجزائر كانوا "يطربونا" بنفس الخطاب، وكانوا يُعيّشون الجزائريين في الأحلام، فلا ثورة زراعية أعلنها هواري بومدين حققت اكتفاء ذاتيا، ولا الثلاثة ملايير دولار التي أنفقت في عهد عبد العزيز بوتفليقة في نقل المياه ما بين عين صالح وتمنراست أنبتت قمحا، لكن الجديد هذه المرة، أن الرئيس عبد المجيد تبون بدا مستندا إلى مشروع ضخم، وإرادة قوية لتحقيقه، عندما قال بأنه من غير المقبول ألا نستغل هذه الموارد النادرة، وبأنه أعطى الأمر لوزارة الصناعة لإحصاء هذه الثروات، ووضع دفتر شروط لاستغلالها ولو بالشراكة مع دول أجنبية، وبأن برنامج استصلاح ملايين الهكتارات في الصحراء الجزائرية سيتم مباشرته، بعد نهاية وباء كورونا، من أجل ألا يكذبوا على الجزائري بأرقام مغلوطة عن تصدير البطاطا إلى الخارج، وبذورها وأدويتها مستوردة من الخارج، والاكتفاء الذاتي من اللحوم البيضاء والبيض، وكلها نتاج صوص مستورد، بينما الجزائري لا يكاد يهنأ بفطور صباحه وغذائه، إلا من قمح وسكر وحليب وقهوة وزيت وعجائن وبقول مستوردة. لقد كانت المعادلة بسيطة جدا على مدار عقود، من خلال بيع البترول في سوق لا الجزائر فيها مديرة ولا مسؤولة، ومن أموال البترول يتم استيراد الغذاء من بيض وقمح وحليب وزيت وسكر، وكلما أنهار سعر النفط تزلزلت المعادلة، إما بارتفاع أسعار الغذاء أو ندرته، فما باك أن لامس سعر النفط الآن الحضيض، ولم يعد لنا من حل سوى تغيير البترول أو دعمه بمواد أخرى، يمكن أن تكون فيها الجزائر مديرة ومسيّرة لشؤونها، ومن أموالها تطوّر إنتاج الغذاء، كل الغذاء، وهنا يمكن أن نقول بأن الأمل في جزائر جديدة.. ممكن.