مجرّد كتابة أو قراءة هذا العنوان "الغريب" عن أبناء جزائر الاستقلال، يثير الرعب والحزن، فما بالك أن يعيشوه، بل إن الكثير من القراء سيولّون وجوههم شطر عناوين أخرى، لأن الحديث عن الجزائر بلا بترول هو أشبه بالحديث عن الموت، بالنسبة للكثيرين، من الذين جعلوا من الجزائر هِبة النفط.. وفقط. فمجرد نزول أسعار النفط دون المئة دولار، وظهور تقارير تتحدث عن إمكانية انهيار الأسعار خلال سنة 2015، وردّ فعل السيّد يوسف يوسفي "المُطمئن" من مستغانم الذي قال للجزائريين بأن كل التدابير قد اتخذت، يؤكد أن القلوب قد بلغت الحناجر، لأن الوزير يعلم مثل كل الشعب، بأن الجزائر قد أصبحت مع سبق إصرار الدولة وترصّد الشعب، سجينة لما في باطن أرضها، منه تحيا وعلى نخبه تموت وفي سبيله تسبح وعليه تلقى مصيرها، والمواطن الذي صار يستعمل بنفسه الجرعات المخدّرة بسائل النفط، لا يمكن أن يبقى يعامل بهذا "الدلال" الزائد عن حده، ليس لأنه طفل بريء، وإنما لأجل ربح ما يسمى بالسلم الاجتماعي، الذي جعل بعض المواطنين البسطاء، وليسوا بالضرورة من أبناء الذوات، يحصلون على وظائف سامية وهم لا يمتلكون غير شهادة الميلاد، ويحصلون على سكنات اجتماعية بالجملة، وليس على سكن واحد، تحت تهديد المسؤولين بالانتحار وبإحداث الشغب، وغيرها من الممارسات التي دفع ثمنها باطن الأرض ذهبا أسود، وليس من أفكار الدولة أو عرق الشعب. على الجزائري، أن يعلم بأنه يُصبح بفطور كله من هِبة البترول من حليب وقهوة وسكر وخبز مستورد، ويرتدي نسيجا مستوردا، ويمتطي وسائل نقل مستوردة، ويستطب بأدوية مستوردة، ويعمل في مصانع أو متاجر مجهزة بكل ما هو مستورد، ويأخذ أجرته ويُدرّس أبناءه من أموال النفط وليس نظير ما ينتجه، ويعود إلى بيته المنجز والمؤثث بأموال النفط، وإذا انهار سعر البترول ولا نقول جفت الآبار، وكلها مشاهد ستحدث في يوم ما، فإن كل هذه الحياة التي تبدأ بكأس حليب وتنتهي بمتابعة مسلسل تركي أو مباراة كرة.. ستزول. الجزائريون لا يريدون سماع خبر انهيار أسعار البترول، أو "كارثة" الجزائر بلا نفط، بالرغم من أنها مصير محتوم، قد يطول أحفادهم، وربما أبناءهم، وفي المقابل يتقاعسون، حتى لا نقول يرفضون السير على خطى البلدان العالمية في مشارق الأرض ومغاربها التي أوجدت لنفسها ثروات أخرى، ونفخت في شعوبها روح العمل والابداع، مثل تركيا وخاصة أندونيسيا التي كانت بلدا فقيرا بالنفط، وعندما جفت الآبار قفزت إلى دائرة البلدان العشرة الكبرى اقتصاديا في العالم. قرأنا في سنوات الدراسة الابتدائية، حكاية النملة والصرصور، حيث ظلت النملة طوال فصل الشمس، تكدّ في جمع الطعام وتخزينه، أمام حيرة الصرصور الذي لم يتوقف عن المرح والغناء بڤيتارته، وعندما هبّت العواصف وبلغت السيول مساكن النمل والصرصور، وجدت مملكة النمل غذاءها وأمضت شتاءها في نعيم، بينما ضاع الصرصور وأضاع أبناءه.. هذا ما قرأناه في صبا الزمن الجميل.. ولكننا للأسف اخترنا أن لا نكون نملة؟.