يعيش العديد من مستخدمي الصحة في الجزائر صدمات نفسية عميقة واضطرابات حادة، خلال أزمة كورونا، نظرا للضغوط الكبيرة التي يواجهونها والصراع النفسي الذي يتخبطون فيه بين مسؤولياتهم العائلية والمهنية وكذلك حالة القلق والترقب الدائمة بخصوص مستجدات هذا الوباء الفتاك وترقب آفاق انفراجه. قلة نوم وأرق.. قلق وتوتر.. كوابيس وغيرها من الأعراض التي يعانيها العاملون في المجال الصحي من أطباء وممرضين وأعوان امن وسائقي سيارات الإسعاف وغيرهم ممن تربطهم صلة بالمؤسسات الاستشفائية التي تستقبل حالات كورونا في الجزائر. ويؤكد عديد هؤلاء أن مشاهد الموت والمرضى وهم يحتضرون لا تغيب عنهم يوميا، رغم بذلهم كل ما في وسعهم لإنقاذ حياتهم إلا أن القدر أحيانا يسبق كل الجهود. وبالمقابل يخشى العودة إلى بيوتهم بعد انقضاء مداوماتهم تجنبا لأي عدوى قد تنقل إلى أهلهم أو أبنائهم خاصة بعد تسجيل حالات من هذا القبيل لدى بعض الزملاء في بداية انتشار الوباء. ويرى البعض أن البقاء في الحجر الصحي أمر غير ممكن، خاصة بالنسبة للنساء أين يرفض بعض الأزواج مكوث زوجاتهم في الفنادق أو مراكز الحجر الصحي، وضع يجعلهن يخاطرن بحياة أولادهم أمام فيروس قاتل لا يرحم، ومع كل الإجراءات الاحترازية التي يحاول هؤلاء التقيد بها إلا أنّ الخوف يبقى المسيطر رقم واحد عليهم. وأكد في هذا السياق البروفيسور محند الطيب بن عثمان رئيس مصلحة الطب العقلي بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا الجامعي ورئيس الجمعية الجزائرية للطب العقلي، إنشاء خليتي أزمة على مستوى مصلحته وضعتا لخدمة الأطقم الطبية والمواطنين من خارج المستشفى تعمل من التاسعة صباحا إلى غاية الثانية بعد الزوال، حيث يسهر فريق من المختصين والخبراء على تقديم إرشادات وتوجيهات للأشخاص في وضع صعب وكذا للطاقم الطبي العامل بمستشفى مصطفى باشا الذي يناهز عددهم 5 آلاف مستخدم. وتتوفر الحليتين على رقمين هاتفيين بإمكان المعنيين الاتصال عليهما وطرح انشغالهم أو المشكل الذي يواجهونه وإذا استدعى الأمر تخضع الحالة للفحص، ولفت المتحدث الانتباه هنا إلى أهمية تخصيص رقم اخضر أو رقم مجاني لتمكين مختلف الحالات من الاتصال بدل الاتصال على رقم المستشفى مثلما هو الحال عليه وربما هذا ما جعل كثيرا من الحالات تتردد في الاتصال. ومن بين أهم الأعراض التي يعاني منها المستخدمون في الصحة يقول البروفيسور بن عثمان تجد قلة النوم ونقص الشهية والخوف إلى جانب أمور أخرى مثل الضغط والتوتر والقلق.. وغالبا ما يشعر الأطباء والممرضون وفريق العمل بتأنيب الضمير متسائلين ما ذنب عائلاتهم وأبنائهم في الإصابة بعدوى فيروس كورونا، وهنا يقول المختص تبرز أهمية العمل التوعوي والتحسيسي. وأضاف المختص أن الأطباء والممرضين قد لا يشعون بحقيقة الضغوط التي يعيشونها لأنهم في قلب الحدث غير ان الوضع سرعان ما سيتغير بعد انقضاء الأزمة فهم كفاعلين في الأزمة تتجاوزهم الأحداث وقد لا يجدون الوقت للوقوف عند بعض الجزئيات والتفاصيل. وأكد بن عثمان أن الأمر يختلف من فرد لآخر حسب طبيعة شخصيته إذا كانت قوية أو هشة وفي الحالة الأخيرة أي الهشة قد يصاب الشخص باضطراب عقلي أو نفسي إذا لم يكن محميا وغير مستعد لمواجهة الأعراض لذا فان المعاينة والتواصل مع المختصين يبقى ضروريا جدا. وأفادت بدورها وفاء سلاوي مختصة نفسانية على مستوى خلية الأزمة بمصلحة الطب العقلي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي أنّ الأطباء والممرضين والمستخدمين في الصحة عادة ما يعانون في هذه الأيام من لحظات ضغط كبيرة ويشتكون من قلة النوم والقلق الملازم بالإضافة إلى الكوابيس التي لا تفارقهم. ويؤكد أغلب العاملين في المستشفى بحسب المختصة النفسانية أنهم يعيشون صراعا داخليا فهم يخافون من نقل العدوى لذويهم سواء الأهل الوالدين والأسرة أو للأبناء كما أن الواجب يملي عليهم الاستمرار في العمل لإنقاذ أرواح المرضى وهو ما يجعلهم في حيرة من أمرهم هل يعودون إلى بيوتهم بعد انتهاء الدوام أن لا، خاصة خلال شهر رمضان الكريم الذي يتميز بخصوصية كبيرة لدى العائلات الجزائرية ويكون حضور جميع الإفراد ويشعر مستخدمو الصّحة على الدوام بتأنيب الضمير وهو يسبب ألما وأوجاعا في الرأس وإجهادا عصبيا. وأكدت سلاوي أن العمل الحقيقي لفريق خلية الأزمة المكون من مختصين نفسانيين وعقليين يبدأن بعد انتهاء أزمة "كوفيد 19″ حيث تظهر الحالات جليا بالنسبة لمن لم تمكنهم الظروف من عيش الحزم على أهلهم أو ذويهم وقالت " ينتظرنا عمل كبير بعد الأزمة كوفيد 19 حيث ستظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، حيث أن هنالك أشخاصا كثيرين يجهدون أنفسهم خلال هذه الأزمة دون أن يشعروا بذلك في حينه وتترسب كل تلك الضغوط إلى ما بعد انقضاء الأزمة أين تظهر النتائج لاحقا. 146 مستخدم في الصحة أصيبوا بكورونا وعشرات الوفيات أصيب 146 مستخدما في قطاع الصحة بشكل مؤكد بفيروس كورونا، بحسب ما أكدته وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، فيما يوجد 288 شخصا آخر مشكوك في إصاباتهم. ويتعرض العديد من الأطباء والممرضين وكذا أعوان الأمن وسائقي سيارات الإسعاف إلى خطر الإصابة بالعدوى بالنظر إلى احتكاكهم المستمر بالمرضى المصابين بفيروس كورونا. وفقد قطاع الصحة في الجزائر، خلال هذه الجائحة، عديد المهنيين الذين لم يترددوا في تأدية الواجب بالرغم من الأخطار المحدقة بهم، وهو ما أثر كثيرا في زملائهم وحز في نفوسهم.