المختص في الطب العقلي كثيرا ما يكون حديثه عن الصحة العقلية مثيرا جدا ويبعث على طرح تساؤلات كثيرة، فكم من جزائري يحتاج لعلاج عقلي؟ وما هي أسباب تواجد مرضى في شوارعنا؟ وما هي الإستراتيجية التي وضعتها الجزائر لمثل هذا المرض؟ ولماذا ارتفعت حالات الانتحار في بلادنا؟ وغيرها من الأسئلة التي استطاع رئيس مصلحة الطب العقلي على مستوى مستشفى مصطفى باشا الجامعي البروفيسور محمد الطيب بن عثمان أن يجيب عليها في فوروم «البلاد». 681 حالة في العاصمة خلال ثلاثة أشهر في غياب الإحصائيات الرسمية، كشف ضيف فوروم «البلاد» البروفيسور محمد الطيب بن عثمان أن وجود مرضى عقليين في الشارع، أصبح ظاهرة منفرة، نلاحظها في الجزائر، لأن المريض عقليا يمكنه أن يضرب أو يرتكب «جرائم» في الشارع، فضلا عن كونه يكون متسخا وينقل بعض الأمراض التي يمكنها أن تتحول إلى عدوى. ودعا بن عثمان إلى ضرورة نقل هؤلاء المرضى إلى المصحات العقلية لتلقي العلاج، الذي حصره ضيف «البلاد» في تشخيص الحالة تشخيصا جيدا وعلاجه وتلقي العناية اللازمة. وفي حديثه عن تشخيص الحالة قال البروفيسور بن عثمان إنه على مستوى مصلحة الطب العقلي يطرح على المريض 72 سؤالا متعدد الجوانب، فيها جانب من الصحة العقلية والصحة النفسية والاجتماعية وكذا أسئلة عن أسرته وهل هو راض عن تواجده في المجتمع أو في الشارع وما هي الحياة التي يريدها، وعند جمع الإجابات عن هذه الأسئلة يتم تحديد وتشخيص مرضه وتحديد العلاج اللازم له. وأشار محدثنا إلى أن منظمة الصحة العالمية تحدد الصحة العقلية بأنها العيش الجيد جسديا وذهنيا واجتماعيا. ومن جانب آخر قام البروفيسور بإحصائيات ودراسة امتدت إلى ثلاثة أشهر، حيث اكتشف أن 25 في المائة من المعالجين وعددهم 681 حالة في العاصمة فقط لم يكن لديهم مرض عقلي سابقا، فيما يوجد 3 في المائة من بينهم يتجاوز سنهم 60 سنة. وعلق ضيف «البلاد» أنه بعد هذه الدراسة فإن نتائجها دفعت المختصين إلى دق ناقوس الخطر في الجزائر، بالنظر إلى إصابات الكثيرين وخصوصا الشباب. وأرجع محدثنا هذه الإصابات إلى تفشي الظواهر الاجتماعية وضغوطات الحياة اليومية والمهنية وكذا المشاكل المترتبة على البطالة وعن عدم إمكانية الكثيرين من تحصيل معيشتهم اليومية. 600 طبيب عقلي في الجزائر قليل جدا أمام تضارب الأرقام أعلن البروفيسور محمد الطيب بن عثمان أن الجزائر لديها 600 طبيب عقلي، وهو رقم متواضع، بالنظر إلى الحاجة الملحة للجزائريين لأطباء ومتخصصين في هذا المجال الواسع والذي يتعلق بصحة «العقل» خصوصا أن هناك مؤشرات وضعها المتحدث كقاعدة أساسية في تشخيص الأمراض. وهنا تحدث البروفيسور عن الوضع الذي عاشته الجزائر خلال العشرين سنة الماضية وخاصة كما قال «العشرية السوداء» أو « لعشرية الحمراء» التي بدأت تراكماتها تظهر، مشيرا إلى أن هناك العشرات من الحالات المرضية وجدت نفسها على هامش المجتمع بسبب العمليات الإرهابية فهناك من شاهد والديه يقتلان أمامه وهناك من تعرض لاعتداء بعملية انتحارية وغيرها من الحالات التي يصعب تعدادها ولكنها تعتبر حلقة من سلسلة متواصلة في حياة الجزائريين لا يمكن فصلها عن باقي الحلقات من حياة الجزائريين وهي من المراحل الحساسة التي دفعت الكثيرين إلى الجنون والمرض، يواصل المتحدث. وعلى النقيض من هذا كشف ضيف «البلاد» أن التوجه السائد اليوم في التخصصات الطبية هو توجه وحب الطلبة لهذا التخصص أي الطب العقلي، خصوصا أن العديد من الأطباء سافروا نحو الولايات الجنوبية للعمل ووجدوا ضالتهم في علاج المرضى. المريض العقلي هو شخص عادي المريض العقلي هو مريض عادي يجب التعامل معه بصفة عادية لتمكينه من العلاج، بهذه العبارة شرح البروفيسور طبيعة هذا المرض وكشف أن في الجزائر لدينا أحد أعراض المرض العقلي، حيث تحصي المصحات العقلية وجود 1 في المائة من الجزائريين لديهم انفصام الشخصية وهو أحد الأمراض العقلية أي ما يعادل 37 ألف مريض وهناك حالات أخرى تتمثل في حالة الكآبة والانزواء والانطواء وهناك حالات الفرح الكبير وهي حالات مرضية يجب علاجها في أقرب وقت لتعديل شخصية الفرد. ظاهرة الانتحار تحتاج إلى تشريح من المختصين رفض البروفيسور بن عثمان أن يتحدث عن ظاهرة انتحار الأطفال، على اعتبار أنها تحتاج مختصين في تشريح الظاهرة ومعرفة أسبابها خصوصا أنها جديدة على اعتبار أنها تمس شريحة الأطفال، مثلما حصل في ولاية تيزي وزو. وعليه قال ضيف «البلاد» إن المثير في الظاهرة أنها تحتاج إلى تدقيق في الأسباب دون الأخذ بسبب واحد أو اثنين خصوصا أن وسائل الإعلام أعطت لها أبعادا بعيدة كل البعد عن واقعها الحقيقي، فيما يقترح المختص في الطب العقلي أن مثل هذه الظاهرة تحتاج لمختصين في هذا المجال لأنها تمس مختلف الفئات وعرفت ارتفاعا في عدد الحالات. ز.ف الطب العقلي في حاجة إلى ممرضي شبه الطبي أكد البروفسور محمد الطيب أن هناك نقائص بالجملة في مجال الصحة العقلية ولعل أبرزها النقص الكبير في اليد العاملة المتخصصة في مجال شبه الطبي، إذ شدد على أهمية هذه الفئة لما لها من دور فعال في التكفل بالمرضى، مؤكدا على أن المحلل النفساني لا يستطيع أن يعالج عددا كبيرا من الأشخاص، دون تدخل وإعانة من الطاقم شبه الطبي، لذلك يتوجب حضوره. كما أشار إلى ضرورة إعادة برامج التكوين شبه الطبي في الصحة العقلية، الذي أهمل منذ سنوات، إذ يقول في هذا السياق «عندما بدأت ممارسة الطب العقلي كان لدي اثنان أو ثلاثة ممرضين في هذا المجال، حيث كان هذا الأخير محط اهتمام لكن ما نلاحظه هو اختفاء هذا التكوين في المجال العقلي». وعبر بن عثمان عن عدم ارتياحه لواقع الصحة العقلية اليوم، خصوصا بعدما وصل الأمر إلى جلب ممرضين من تخصصات طبية أخرى ووضعهم في هذا المجال، دون أدنى تكوين أو تحضير لطريقة التكفل أو التعامل مع المرضى. قال ضيف «البلاد» رغم أننا نقوم بجلسات مصغرة مع الممرضين الجدد قصد تبسيط الصورة لديهم حول التعامل مع المرضى»، إلا أن هذا المجال، حسبه، يبقى في حاجة إلى ممرضين مؤهلين خصيصا لمواجهة المريض العقلاني واتخاذ الطرق الصحيحة في التعامل معه، معترضا في الوقت ذاته على النقل العشوائي للممرضين بين التخصصات الطبية، إذ أورد أنه لا يستطيع إعادة شرح الدروس لكل ممرض لا تربطه أي صلة بهذا التخصص، إذ سيستغرق الأمر سنة أو سنتين حتى يتعلم، لذلك قال الدكتور «فضلنا استمرار التكوين شبه الطبي في ميدان الطب العقلي»، أما فيما يخص الأدوية فقد أشار هذا الأخير إلى أن هناك اكتفاء. اما من حيث المنشآت القاعدية للتكفل بالمرضى، فناشد الدكتور السلطات أن تأخذ هذا المجال الحساس بعين الاعتبار وتزيد في عدد المراكز المتخصصة. كما تحدث عن المؤطرين فقال «لدينا دكاترة شباب متخصصون نرجو من الدولة فقط أن تدعمهم.» وذلك ليتم الرقي فعلا بهذا المجال، حسبه. المتابعة جد هامة لاندماج المريض في المجتمع أكد البروفيسور بن عثمان على وجود متابعة للمريض بعد خروجه من المستشفى، مشيرا إلى مركز الصحة النفسية الذي انشأته وزارة الصحة في ما مضى بفروعه المنتشرة في القطر الوطني، وخصوصا في الجزائر. فالمريض عندما يتعافى ويسترجع حيويته ويستقر يتابع في مراكز متخصصة، سواء كانت عيادات خاصة لأطباء عقلانيين وأطباء نفسانيين ومتخصصين اجتماعيين، فهناك فرق متكاملة تحوي طبيبا عاما ومعالجا عصبيا، الذي يعلم المرضى كيفية استئناف حياتهم والاندماج من جديد في المجتمع، وذلك عن طريق بعض الورشات الصغيرة، كالرسم بالألوان أو الخزف، لذلك فهؤلاء تتم متابعتهم جيدا، كتعليمهم القراءة والكتابة وهي الأعمال التي تحضرهم للاندماج. خالد العلوي الإدمان لايؤدي إلى السعادة النفسية صرح بن عثمان أن المدمن ليس دائما سعيدا، بل هو يهرب من الواقع المر الذي يعيشه بطريقة أو أخرى، كما أرجع المعني أن الإدمان في الدول الغربية يعتبر مرضا كسائر الأمراض الأخرى التي تفتك بالشخص، وبالتالي فالكثير من العلماء والمختصين يؤكدون أن المدمن غير سعيد وعليه ليس أمام بعض الأشخاص من ذوي الشخصية الضعيفة سوى اللجوء إلى تناول الأقراص والمهلوسات والتي ترجع بالسلب على حياته، لكن مع مرور الزمن هناك الكثير من المدمنين يلجأون للأطباء المختصين في العلاج النفسي بغية السعي إلى التوقف عن تناول مثل هذه الحبوب التي ضررها أكثر من نفعها، كما تسعى مصحات العلاج من هذا النوع من المرض كمصحة الشراڤة والبليدة توفير كل الإمكانيات المادية لاستقبال هذا النوع من المصابين والذين يحاولون التخلص من هذا الوضع غير السوي. من جهته أشار ضيف «البلاد» أن الجهات الوصية في البلاد تسعى لتوفير كل الظروف المساعدة، ولها نية كبيرة في الذهاب بعيدا في التخلص من هذا النوع من المرض والذي أصبح منتشرا بكثرة في الأوساط الشعبية وذلك من خلال بناء العديد من المستشفيات الخاصة بهذا النوع وكذا التحسيس في الوسط الاجتماعي بهذا الخطر الداهم. احمد.ب ضيف «البلاد» في سطور بن عثمان محمد الطيب بروفيسور متخصص في الطب العقلي رئيس مصلحة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة مدرس أطباء عامين متخرجين حديثا في هذا المجال تولى رئاسة العديد من الملتقيات.