حادث المرور الذي تابعه الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان يمكن أن يكون رقما آخر في تعداد حوادث المرور، لولا المواطن الشّجاع الذي صور الحادث ثم لاحق الجاني وصوّر رقم تسجيل السيارة، وسلّم مصالح الأمن ملفا كاملا يدين السائق المتهور الذي باشر عملية قتل واضحة. هذا السلوك الذي يمكن إدراجه ضمن "صحافة المواطن" والذي أشادت به قيادة الدّرك الوطني يمكن أن يساهم في محاصرة الكثير من السّلوكيات الإجرامية في المجتمع سواء في الطرقات أو حتى في الأسواق والأحياء السكنية. وقد تكون هذه الحادثة بداية استغلال ما تتيحه التكنولوجيا من حلول سريعة وآنية لمشاكل النقل، وقد تكون أقوى رادع من القانون نفسه، لأنّ الشّاب المتهور الذي شرع في عملية قتل على المباشر فضح أمام الجزائريين جميعا، وسيدفع ثمن فعلته دون أن تكون له الفرصة للالتفاف أو تقديم رواية مناقضة للمشهد الذي تابعه الجزائريون كله في مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يكفي التّشجيع على السّلوك الحضاري الذي قام به مصور الفيديو، ولكن لا بد من تقنين هذا السلوك وحماية صاحبه، لأنّ الرّجل كان يمكن أن يخضع للمساءلة لو لم تتطور المشاحنة إلى حادث مرور، لأنه قام بالتصوير من دون إذن، ثم نشر معلومات خاصة مثل رقم تسجيل السيارة على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لا بد من تقنين مثل هذه الممارسات وضبطها حتى لا تكون فرصة للتجسس على الناس والتضييق عليهم في حياتهم الخاصة. وهنا يُشار إلى تجارب بعض الدّول في الاعتماد على الكاميرات المثبتة في السّيارات لتحديد المسؤولية في حوادث المرور، وكشف المجرمين وغيرها، وهو إجراء يمكن اعتماده في الجزائر طالما أن تزويد السيارات بمعدات التصوير أصبح في متناول الجميع. يجب أن نعترف أن المنظومة القانونية والإجراءات العقابية التي تسلط على مخالفي قواعد المرور لم ينجح في كبح ظاهرة السّياقة المتهورة، والغريب أن هذه العقوبات غالبا ما تطال السائقين الذين يرتكبون هفوات بسيطة دون أن يشكلوا خطرا على أنفسهم أو على غيرهم، بينما ينجو السّائقون المتهورون الذين نراهم يوميا يقومون بمناورات خطيرة على الطرقات ويتسببون في حوادث مرور قاتلة.