وسط حضور قليل من الأهل والأقارب، وعلى وقع زغاريد خافتة، وفي موكب لا يتجاوز سيارتين أو ثلاث، يزف عرسان "كورونا"، الذين انتظروا ليلة العمر بفارغ الصبر.. غير أن الإجراءات والتدابير الوقائية من فيروس كورونا وتأخر رفع الحجر الصحي الكلي واستئناف نشاط قاعات الحفلات حرمهم عيش اللحظة التاريخية، كما خططوا وبرمجوا لها على مدار عام كامل. فضّل عدد من العرسان إقامة حفل الزفاف، بعد تعليقه لعدة أشهر وانتظار عودة الحياة إلى طبيعتها السابقة، غير أن استمرار التهديدات الصحية لوباء كورونا جعلهم يتراجعون عن ذلك ويسارعون إلى عقد القران، على نطاق عائلي ضيق جدا، اقتصر فيه الحضور على الوالدين والإخوة والأخوات من كلا الطرفين، وعدد محدود جدا من الجيران المقربين، الذين أبدوا رغبتهم في الحضور. وتخلّت أغلب الزيجات عن كثير من الطقوس المعتادة في عرف المجتمع الجزائري، الذي كانت تمتد أفراحه على مدار 7 أيام و7 ليال، منها حمام العروس والحنة والتصديرة.. طقوس وعادات لطالما حلمت بها الفتيات وهن يحضرن لأجمل الفساتين والأزياء، التي يرتدينها أمام جموع الحاضرين من الأهل والأحبة، لكن شاءت الأقدار غير ذلك. أعراس"باهتة" بلا مواكب ولا زغاريد ولا مدعوين وأعلن موسم الأفراح مباشرة عقب انقضاء شهر رمضان الكريم، بنحو أسبوع تقريبا، رغم كل المخاوف التي كانت تتملك العائلات والعرسان. وهو ما جعلهم أكثر حرصا على ارتداء الكمامات والغسل المستمر للأيدي في كل تحضيراتهم التي سبقت الموعد الاحتفالي، خوفا من أي عارض صحي قد يطرأ عليهم أو على محيطهم العائلي، مع احترام التباعد الاجتماعي وتجنب تقبيل العرسان، إلاّ نادرا جدا، في ما تعلق بالوالدين أو الأخوات. كل هذه المستجدات، التي اقتحمت قاموس أفراح الجزائريين، حزّت كثيرا في نفوس العرسان وأهليهم، حيث أعرب هؤلاء عن أسفهم لهذه الظروف الاستثنائية التي جعلتهم يكتمون فرحتهم ويغيّبون أقاربهم الذين اعتادوا مرافقتهم في مواكب لا ترى لها نهاية، تتعالى منها الزغاريد والتصفيقات والأغاني ومزامير السيارات التي خرست خشية اكتشاف أمرهم وتعرضهم للعقوبة، كما أنهم اضطروا مجبرين إلى تأجيل سفرياتهم لشهر العسل إلى آجال لاحقة. أزواج يصرّحون: ظروفنا الخاصة عجلت الزواج ويبرّر العديد من الأشخاص قرارهم بظروفهم الخاصة ورغبتهم في إتمام الزيجة التي ظلت عالقة على مدار أشهر، ومن ذلك ما قالته "وردة. ل"، من بلدية الحراش، التي زفّت إلى بيت زوجها في أجواء عكس ما حلمت به مرارا، حيث كان من المقرر أن تزف في نهاية مارس الفارط، غير أن الحجر الصحي جعلها تعدل عن ذلك أياما قليلة فقط من توجيه الدعوة إلى أحبائها واستكمال الإجراءات والتحضيرات، وظلت تنتظر وتنتظر علّ الأيام المقبلة تحمل أخبارا سارة، لكن الانتظار طال، فقررت وزوجها تنظيم العرس وفق المعطيات الحالية بحضور الإخوة والأخوات فقط، مع تحضير "عشاء الحلال" كما قالت. بدوره، أفاد "فؤاد. غ"، من ولاية بومرداس، بأنّه تردد كثيرا قبل اتخاذ قرار تنظيم الزفاف، لكن ظروفه العائلية جعلته يعجل الأمر ولا ينتظر انقضاء الأزمة، فبعد وفاة والدته العام الفارط لم يتبق له أحد في البيت، خاصة أن إخوته وأخواته متزوجون جميعا، كما أن العروس ظلت خطيبة منذ قرابة عامين.. وضع لم يعد يتحمّله، فقررا معا الاجتماع تحت سقف واحد. أمّا نبيلة، التي ظلت تهاود زوجها لتأجيل العرس لأيام أخرى، فقررت الرضوخ للأمر الواقع وتنظيم الزفاف، شريطة أن يقيم لها زوجها "عقيقة" في قاعة حفلات، إذا رزقها الله مولودا في القريب العاجل، تقيم خلالها تصديرتها وتدعو إليها القريب والبعيد، لتعوض ما فاتها في عرسها. وأثنى كثير من المتبعين على جرأة هؤلاء العرسان، الذين تزوجوا في فترة الحجر الصحي، وأعطوا درسا قويا لمن اعتادوا على تبذير الأموال في أعراس نجومية إشهارية لا ترضي الله، مؤكدين أن بركة الزيجات في قلة النفقات وحسن إدارة العلاقة الزوجية مستقبلا. عرسان يخلّدون زيجاتهم في مواقع أثرية ومناظر طبيعية وتم تداول العديد من المنشورات والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، لعرسان صنعوا التميز والاستثناء في زفافهم، ووثقوه بزيارة أماكن عريقة وأثرية في منطقتهم أو مواقع طبيعية في الغابات أو الجبال أو على شواطئ البحر أو ضفاف الأنهار، والتقاط صور في غاية الروعة، تخلد في ألبوم الصور العائلي، الذي سيكون مخالفا تماما للمعتاد من الصور التقليدية في قاعات الأفراح وسط ديكورات مصطنعة. ومن الأمثلة الحيّة عن ذلك، ما قام به الحارس الجزائري الشاب في نادي بارادو، مختار فراحي، إذ أعلن عن زواجه بطريقة غير مألوفة في المجتمع الجزائري، وذلك عن طريق دعوة زوجته إلى ملعب "حيدرة"، الذي يُعتبر ملعب ناديه، وتبادلا اللعب بالكرة، وتسديد الركلات، وكان العريسان في أبهى حلة، البدلة السوداء والفستان الأبيض، ما حقق تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل ومشاركات واسعة للصور. ومن الأمثلة الأخرى أيضا، ما قام به بعض شباب العاصمة، أمام مقام الشهيد بالمدنية، وكذا شباب آخرون في مدينة الورود بالبليدة، أمام ساحة التوت، والحال ذاتها مع بعض شباب قسنطية، أمام الجسور المعلقة.