ساهمت التكنولوجيا الحديثة في نشر ثقافة التبليغ من قبل بعض الشباب الذين أظهروا شجاعة في فضح اعتداءات وحوادث كانوا شهود عيان لها بعد أن وثّقوا تفاصيل الجريمة ومجرياتها بهواتفهم المحمولة. وكان حادث المرور الذي وقع شهر جوان الماضي، على مستوى الطريق السريع العاصمة زرالدة، والذي تسبب فيه 4 أشخاص طائشين من خلال مراوغة سيارة والتسبب في انقلابها، وإدخال سائقها المستشفى، من أكثر الأساليب الحضارية في التبليغ ضد الجرائم والفساد. ورغم استغلال التكنولوجيا في كشف الفساد الإداري أو الجرائم التي يرتكبها الأشخاص سواء ضد الأفراد أو المجتمع ككل أو مؤسسات عمومية، وخاصة، إلا أن خوف المبلغ على حياته، في ظل نقص الضمانات لحمايته، دفع بالكثيرين إلى التزام الصمت وأصبح الجزائري يذبح أمام أعين البعض ولا ينبسوا ببنت شفة. وانتشرت مؤخرا في المجتمع الجزائري، ثقافة "اسكت" و"الفم المزموم ما تدخله ذبانة"، ويأتي هذا في الوقت الذي تدعوا فيه الجهات القضائية وهيئات محاربة الفساد، إلى التبليغ وتجريم عصابات الأحياء، هذه العصابات التي باتت تمتد جذورها أحيانا حتى داخل مؤسسات من المفروض أن تكون هي من تحمي المبلغ! حقوقيون.. لابد من ضمانات لحماية المبلغ شكاوى بالجملة تستقبلها مراكز الشرطة والدرك والمحاكم، ولكن أصحابها وهم أغلبهم ضحايا، ينسحبون في صمت ويلفهم الخوف، وبعضهم يتفاجؤون بانتشار خبرهم بمجرد أن وطأت أقدامهم مصلحة التبليغ بسرعة البرق، ومن المبلغين من بمجرد التفكير في الكشف عن فساد أو عصابات، يقابلون بالتخويف حتى من طرف مسؤولين وموظفين في مؤسسات كان عليهم أن يكونوا أول من يحمي هذا التبليغ! وناشد أصحاب الجبة السوداء وبعض الحقوقيين، في تصريح ل"الشروق"، الجهات العليا والأمنية بتجسيد ضمانات حقيقية وصارمة للمبلغ، وتطبيق ما جاء في قانون مكافحة الفساد، الذي يؤكد على حماية المبلغ بكل الأساليب بما فيها تغيير مقر سكنه، وقال هؤلاء إن مافيا الأحياء والتي حث رئيس الجمهورية على محاربتها، هي فساد له جذور وامتدادات، وإن "بلطجية" الأحياء الشعبية، لديهم من يحميهم في الخفاء، ويملكون مصادر وأعينا في الكثير من الأماكن، وهذا بسبب فساد طال حتى موظفين في مؤسسات الدولة. الخوف من المجرمين فرض هيمنتهم وأكدت الأستاذة مهدية سعاد مقراني، محامية لدى مجلس الجزائر، أن ثقافة التبليغ لا تمثل إلا 1بالمائة من المواطنين، وهي أغلبها اليوم تتعلق بتسجيل فيديوهات ونشرها عبر الفايسبوك تكشف عن بعض التجاوزات لكنها ضد الإدارة،وإذا تعلق الأمر بالعصابات سواء في الأحياء أو شبكات المتاجرة بالمخدرات، والسرقة، والاعتداءات، فالأمر مسكوت عنه، من يفتح فمه، حسبها، بكلمة واحدة تنقلب الأمور عليه. وقالت ذات المحامية، أن المبلغ عن الجريمة لم يعد محميا وتتبعه الأعين داخل مقرات الشرطة والمحاكم، كما أن محاضر الأمن تتضمن اسمه وعنوانه ورقم هاتفه، مما جعل الكثير من الجزائريين وحتى وهم ضحايا لا يبلغون عن المجرم. السكوت وصرف النظر عن ما تقوم به بعض العصابات، وعن رؤية بعض متعاطي الحبوب المهلوسة والمخدرات والوقوف عليهم وهم يقبلون على هذه السموم، حسب مقراني، ساعد في نمو الجريمة، والقتل العمدي، وتراجع ضحايا التهديد والسرقة والضرب عن شكواهم قبل الفصل فيها من طرف العدالة، لاسيما من طرف النساء، أدّى حسب المتحدثة، إلى تشجيع المجرم وفرض هيمنته على المنطقة أو الحي الذي يسكنه. وأعطت المحامية مهدية سعاد مقراني، أمثلة عن بعض الضحايا بينهم امرأة اعتدى عليها منحرف في الجزائر الوسطي وسحبها أرضها وسرق هاتفها النقال، وبعد تعرضها إلى التهديد تراجعت عن أقوالها أمام قاضي الجنح وقالت إنها كانت مخطأة وليس هو الفاعل. وقضية أخرى في محكمة الحراش، أين غصت قاعة الجنح بمجموعة من الشباب كانوا ينتظرون حكم القاضي بعد أن تراجعت ضحية سرقة عن أقوالها، ونفت أن يكون المتهم هو الفاعل، حيث تعالت التصفيقات بعد أن صدرت البراءة في حقه،وكانت الضحية تحت الضغط والخوف على حياتها. حماية المبلغ.. منصوص عليها قانونا لكنّها غير مطبقة واقعيا غياب حماية الضحية والمبلغ، زرع في المجرمين وعصابات الأحياء الثقة، وهذا ما أكده حسان براهمي، محامي لدى مجلس الجزائر، الذي استغرب أن ضمانات الحماية للمبلغ موجودة في قانون مكافحة الفساد، لكنها غير مجسدة وغير مطبقة على ارض الواقع، ودعا إلى إخفاء هوية المبلغ عن العصابات وإعطائه اسم وهوية أخرى وتوفير الحماية من طرف الأمن. وفي السياق، يرى المحامي سليمان لعلالي، أن الحماية للمبلغ سلوك مسؤول يجب أن يعاقب كل من يتساهل في تعريض المبلغ أو الضحية لخطر المبلغ عليه، وتأسف لوجود من أسماهم ب"العملاء" الذين انتشروا في كل مكان بسبب الفساد وعدم الرقابة الشديدة والعقاب الصارم. ويلجأ بعض رؤساء عصابات الأحياء و"البلطجية" حسب بعض المحاميين، إلى زرع عيون المراقبة والحماية لهم من خلال مسك زلات ونقاط ضعف على بعض الأشخاص وهم موظفون في أماكن حساسة، إما بتصويرهم وهم في وضعيات مخلة بالحياء أو تزويدهم بالمخدرات والحبوب المهلوسة.