لماذا يا ماما لا أختن مثل أخي؟ سؤال بريء سألته ملاك لأمها في حفل ختان أخيها، طبعا لم تجد الأم الشابة جوابا مُقنعا سوى كلمة حرام يا إبنتي، وكبرت الطفلة دون أن تجد جوابا شافيا لسؤالها البريء، ففي عاداتنا تعودنا أن نفرح بالطفل، نُقيم له الولائم عند ختانه وهذا تطبيقا للشريعة الإسلامية وحفاظا على صحة أبنائنا في المُستقبل.. أُوروبا مهد الحضارة كانت ومازالت تعتبر هذه الخُطوة سلبية وإنتهاكا لحُقوق الطفل، لكنهم الآن يدعون إليها ويعتبرونها صحية على أساس دراسات قاموا بها وبينت ما أقرته الشريعة من سنوات مضت.. صورة أُخرى لكن هذه المرة في قلب إفريقيا في الصومال، أين سألت صليحة أُمها عن سبب تختينها، الأم صمتت وأٍرجعت هذا إلى العادات والتقاليد والديانات السماوية، ففي ديننا الحنيف إختلفت الأراء الفقهية حول الموضوع بين الإباحة والوُجوب، فالأئمة الأربعة إتفقوا على أن الختان للذكر والخافض للأنثى، وإختلفوا في وُجوبه، فالإمامان أبو حُنيفة ومالك قالا إنه مسنون وليس واجب وُجوب الفرض، لكن السُنة عند المالكية يُؤثم تاركها، أما الإمام الشافعي قالا إنه واجب على الذكر والأنثى، الإمام أحمد إبن حنبل قال إنه واجب للرجال وسنة للنساء ومكرمة لهُن، وطبعا يُوجد رأي السلفيين الذين هم كذلك إختلفوا حول الموضوع، أما الديانات الأخرى كالمسيحية التي ترفض كنائسها ختان الإناث واليهودية كذلك إعتبرت ختان الذكور حُكما إلاهيا ولم تُجز ختان الإناث، ولأننا في هذا المقام لن نتكلم عن ختان الإناث من الناحية الدينية، بل سُنُعالجه من النواحي الأُخرى والتي لها تأثير كبير على حياة الفتاة في المُستقبل. فهذه الظاهرة إنتشرت ومازالت بكثرة في بعض الدُول العربية والإفريقية، أين يجب على الأباء تختين بناتهم في سن مُعينة لأسباب وأخرى، فمنهم من يعتقد أن الفتاة إذا خُفضت وهو التسمية الصحيحة للمُصطلح ستُخفض شهوتها ولن تُمارس الرذيلة مع الرجل، وهم بهذا يُوافقون رأي كثير من الفقهاء والأئمة المُسلمون على غرار السيد شعراوي رحمة الله عليه، آخرون يعتقدون أنه يُسرع نُمو الطفلة إلى الأنوثة الكاملة، يزيد من فُرصة الفتاة بالزواج، لأنه في بعض البُلدان الرجال لا يتزوجون من الفتاة الغير مختونة، إعتباره وسيلة لإنخراط الفتاة في عالم المرآة، بالإضافة إلى مُعتقدات صحية كزيادة الخُصوبة، ونفسية لأن المرأة الغير مُخنتة لا تستطيع الإندماج في المُجتمع، وأي كان السبب إلا أن كل هذا لا يُبرر الفعل الشنيع في حق نساء الغد، فنصف من تعرضت لهذا العُنف تُعاني أزمات نفسية خانقة وتخاف من مُواجهة المُجتمع، بالعكس ترفض الزواج وترى نفسها غير مُناسبة لأن تكون زوجة وأُما، خوفها من نظرات زوجها المُستقبلي ومن تبعات الإرتباط يجعلها تُفضل الصمت والهروب ورفض كل خطيب، على فكرة نحن لا نتكلم من العدم، بل ما سبق ذكره حدث فعليا لنساء إفريقيات وعربيات مٌغتربات، وهذا في وقت العُطلة المدرسية، فبسبب هذه العادات والتقاليد المُقززة كرهن العُطل وأًصبحن يرفضن النزول للبلد الأُم لكي لا يتذكرن ما حدث لهن، بعضهن إخترن الغناء والمسرح للتعبير عن كبتهن ومآساتهن، الكتابة كذلك كانت حاضرة من خلال بعض الضحايا اللواتي قررن كتابة مُذكرات وأراء لنشرها في كُتب كرسائل لجيل المُستقبل، فبالفعل ختن البنات تُعد من أهم الجرائم والقضايا المُهمة التي يجب مُعالجتها بأسرع وقت ممكن، ففي إيرلاندا جرمت المحكمة أبوين لتختينهما إبنتهما الصغيرة، وحكمت عليهما بالسجن خمس سنوات مع حرمانهما منها وإعطائها للرعاية الإجتماعية، حادثة هزت المُجتمع الإيرلندي وجعلته يُفيق من غفوته. أما عن الأثار النفسية والصحية وحتى الإجتماعية لهذا الفعل القبيح نقول أن الختان يُمكن أن يُسبب العُقم وخاصة في سن مُبكرة نتيجة إلتهاب الحوض، كذلك يتسبب في ولادات عسيرة في حالة إذا ما تم قطع كل الجهاز التناسلي، وطبعا هذا مُمكن أن يُؤدي إلى فقدان الأم والطفل معا، يُسبب حالات وجع وألم أثناء المُعاشرة، وهذا ما صرحت به كل النساء في مُلتقى طبي في مُستشفى فرنسي، ضعف المناعة والخُصُوبة، فٌقدان حاسة الشم، زيادة الإحساس بآلام الصُداع وإلتهاب المفاصل هذا دون نسيان عواقب كل هذا على المدى البعيد والقريب على نفسية المرأة، فالخجل والرهبة الإجتماعية ستبقى تُرافقها حتى الموت، نظرة الناس لها كضحية، زيادة مُستوى القلق والإكتئاب، ضُعف التركيز والأداء العقلي وغيرها من النتائج السلبية لهذه الخُطوة الغير مدروسة، ورغم تكاثف جُهود كثير من الجمعيات والمُنظمات العربية والإفريقية للحد من هذه الظاهرة، إلا أنها مازالت مُنتشرة وبكثرة في بعض المُجتمعات، ولا أحد أخذ الموضوع للأسف على محمل الجد، لذا فشلت كل المُبادرات وما بقي منها لا يكفي لمُعالجته. فصعب جدا إقناع أي شخص تربى على هذه الفكرة العُدُول عنها وخاصة في المناظق الريفية وعُمق إفريقيا، لذا الحل الأمثل هو سن قوانين في بعض الدُول المشرقية والإفريقية تُعاقب على هذا الفعل، وإذا كان لابد منه وضروري في بعض الحالات فرأي الطبيب المُختص لازم للفصل في الأمر، وأخيرااا ألف تحية لكل مُناضلة ترفض مثل هذا الأمر وتُدافع بشراسة عن بنات جنسها الجاهلات في كثير من الأحيان بالمخاطر والأثار السلبية المُترتبة عنه، ألف تحية لكل من تُقوم بالتوعية والنصائح لبنات وطنها المُقيمات والمُغتربات.