قد تكون النهاية معلومة لعدد من الجزائريين في العراق، فمنهم من هو مجهول مصيره، ومنهم هالك برصاص أمريكي أو عراقي، كانوا قبل سنوات يوجهون أسلحتهم إلى محتل قادم من وراء الأطلسي، ومنهم من هو محتجز في سجن تطغى عليه الطائفية المقيتة، لكن من هم هؤلاء الجزائريين الذين شدّوا الرحال إلى عاصمة الرشيد، وكيف وصلوا إلى هنالك، وكيف كانت حياة عائلاتهم قبل وبعد ذلك. . علمت بمصير جلال وعبد الحق عبر الفضائيات عائلات تتضرع إلى الله لإنقاذ فلذات أكبادها من المقصلة يتواجدان في السجون العراقية منذ سنوات وعائلتاهما تتضرعان إلى الله أن يفك أسرهما بعد أن فقدتا الأمل في تحرك السلطات الجزائرية، لإطلاق سراح ابنيهما على غرار باقي السجناء من الجنسيات العربية الأخرى، والذين زجّت بهم قوات المارينز الأمريكية في السجون العراقية بدون سبب، حيث وجد كل من الشاب جلال باديس، وصديقه محامدية عبد الحق، المولودان سنة 1982 نفسيهما في غياهب السجن، بعد أن كانا يزاولان الدراسة في جامعة المسيلة، بتخصص العلوم التجارية والمحاسبة، ثم قررا السفر إلى سوريا لمواصلة الدراسة أين تم إلقاء القبض عليهما بالحدود وتحويلهما إلى السجن بطريقة مريبة، والتهمة هي عدم امتلاك وثائق تسمح لهم بالإقامة الشرعية. وقالت والدة باديس جلال شقيقته اللتان تحدثت إليهما "الشروق"، أن باديس كان نعم الابن والأخ، طيّب النفس وخفيف الروح ومحبوب من طرف الأهل والأقارب والجيران وسوي السلوك وغير متعصب، وأنه سافر بطريقة قانونية وباستعمال جواز سفر ولم يكن "حراڤا"، حيث اتصل بالعائلة بمجرد وصوله إلى سوريا وطمأنهم على حاله، ونفس الشيء قالته والدة عبد الحق محامدية، التي كانت تحمل صورة ابنها ولم تتوقف عن تقبيلها، موضحة أن غياب ابنها أشعل النار في قلبها وأن دموعها جفّت من كثرة البكاء عليه لأنه كان باردا وهادئا، ورغم انه كان يطلق لحيته إلا أنه لم يكن متعصبا في دينه ويؤدي صلواته في المسجد أو في البيت بطريقة عادية بدون تشدد في السلوك أو في طريقة الحديث. باديس ترك فراغا رهيبا وغياب عبد الحق أشعل النار في قلب أمه الوصول إلى سوريا كان آخر ما علمت به العائلتان اللتان دخلتا في رحلة طويلة بحثا عن أخبار فلذتي كبدهما، وواصلت والدة باديس الحديث قائلة أن وصول ابنها إلى سوريا كان اخر ما علمت به، قبل أن تنقطع أخباره لقرابة سنة كاملة تحولت فيها حياة العائلة إلى جحيم حقيقي، إلا أن القدر مكّنهم من العثور على خيط رفيع لتتبع أخباره والسؤال عنه، حيث سمع الوالد الذي كان يشاهد الأخبار على شاشة التلفاز اسم ابنه الثلاثي على طريقة المشارقة، وهو باديس كمال موسى، ضمن أسماء مجموعة من الأشخاص الموقوفين في السجون العراقية، لتبدأ رحلة البحث والاستقصاء التي انتهت عند باب مسدود، رغم أن الوالد والأشقاء لم يتركوا طريقة إلا واستعملوها طمعا في الوصول إلى ابنهم المفقود. وبعد مرور سنة اتصل أخيرا باديس بالعائلة هاتفيا، وأخبرهم أنه يتواجد في سجن الموصل بالعراق، وأن القوات الأمريكية اعتقلته في الحدود السورية العراقية، ورمت به في السجن بتهمة الاقامة غير الشرعية، وكانت حالة عائلة باديس أفضل بعض الشيء من حالة عائلة صديقه عبد الحق، الذي لم يتصل نهائيا بأهله ولم يسمعوا صوته منذ أن قال أنه مسافر إلى سوريا لمواصلة الدراسة. تعذيب واستنطاق لإلصاق تهمة الإرهاب لتنفيذ الإعدام وأكدت عائلة باديس أن ابنها تعرض لشتى أنواع العذاب ليعترف بانتمائه للجماعات المسلحة، لينزلوا عليه أقصى عقوبة إلا أنه أنكر ذلك جملة وتفصيلا -حسب ما أخبرهم به-، لتتم محاكمته داخل غرفة على يد عسكريين وحكم عليه بالحبس لمدة 15 سنة، وأضافت العائلة أن ذلك كان سنوات 2007 / 2008 ثم اتصل بهم الهلال الأحمر الجزائري، الذي أصبح حلقة الوصل بابنها باديس وكذلك بعبد الحق الذي أرسل بعض الرسائل لعائلته. وبتدخل الهلال الأحمر الجزائري أصبح كل من باديس وعبد الحق يرسلان إليهما رسائل كل ما فيها أنهما بخير من دون أن يعطيا أية تفاصيل عن حياتهما في السجن، حيث كانت الرسائل تخضع للمراقبة الدقيقة ويتم مسح غير المرغوب فيه من طرف القائمين على السجن، وأضافت عائلة جلال، أن باديس أصبح يتصل بهم هاتفيا مرة كل شهرين لمدة 5 دقائق فقط، أين يطلب منهم التحرك لدى المسؤولين والسلطات الجزائرية للإفراج عنه، أما عبد الحق، فرسائله تحمل طلب الرضا من الوالدين والدعاء له بأن يفك أسره دون أن يذكر أشياء معينة تخص ظروف سجنه، وتعامل السلطات العراقية القائمة على السجن معه. تحركوا قبل أن يلق أبناؤنا بمصير ابن ولاية الوادي وطالبت العائلتان من المسؤولين الجزائريين التحرك مثل باقي الدول العربية، قبل أن يلق أبناؤهم مصير ابن ولاية الوادي، الذي عاد إلى أهله جثة هامدة، موضحين أن عددا كبيرا من السجناء من مختلف الجنسيات العربية تمكنوا من الخروج من السجن بعد أن تدخلت سلطات بلدانهم على غرار الليبيين والمصريين، إلا أن الجزائريين لا أحد يسأل عنهم أو يحاول التحرك والسعي الجاد للإفراج عنهم، رغم أن تهمهم لا تزيد عن التواجد غير الشرعي، حسب ما أكده أبناؤهم. كفانا من الوعود الفارغة والتسويف الذي زاد من معاناتنا وحزننا على غياب أبنائنا الذين يواجهون مصيرا مظلما، هي الكلمات التي قالتها والدة وشقيقة وشقيق باديس، الذين كانوا يحاولون عبثا حبس دموعهم وكذا والدة وشقيقة عبد الحق، مطالبين من رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية، التدخل العاجل لاطلاق سراح ابنيهما قبل فوات الآوان خاصة بعد ما تعرض له السجين الجزائري من ولاية الوادي، وأضاف محدثونا قائلين: "ارحمونا من الرعب والذعر الذي يصيبنا كلما سمعنا عن أحداث التقتيل والتفجيرات في العراق، ولا نريد إلا أن تقر أعيننا برؤية أبنائنا قبل أن يتوفانا الله دون ذلك". . . غادر أولاد بديرة بالمسيلة في 2003 نحو العراق بن عبد الله إسماعيل.. أعلنوا وفاته عدة مرات لكنه حي يرزق ببغداد لاتزال عائلة بن عبد الله بمنطقة أولاد بديرة ببلدية المسيلة، تتابع كل كبيرة وصغيرة عن ابنها الشاب بن عبد الله إسماعيل من مواليد 1980، الذي غادر الديار متجها إلى العراق، سنة 2003 / 2004 بغرض التجارة، كما أكد أخوه في لقاء خص به "الشروق"، حيث باع -يضيف الأخير- وسائل محله الخاص بالنجارة. وسافر إلى بلاد الرافدين للغرض المشار إليه سلفا، لكن بعد مدة -يضيف المصدر- انقطعت أخباره وتوقفت اتصالاته، والأكثر من ذلك وصول معلومات إلى أسرته، في ليلة 27 من شهر رمضان لسنة 2004 تفيد بأنه فارق الحياة في العراق. الحاجة زهرة لم تصدق روايه وفاته لكن رغم هذا -يقول المعني- ظلت أمه الحاجة زهرة صابرة صبر أيوب. وتردد (إسماعيل حي يرزق وسيدق عليّ الباب في يوم ما)، إلا أن أمل والدته اصطدم في أكثر من مرة باعتقاد اغلب أفراد العائلة بأن رحى الحرب، في أرض الرشيد قد آتت على إسماعيل ومن معه. واستمر هذا التصادم إلى أن لاح في الأفق بريق أمل، أكد إحساس الحاجة زهرة، التي لم يفارقها طيف إسماعيل، بل حتى في المنام، كان دوما يقف بين يديها ويناديها "أماه.. أنا على قيد الحياة.."، حيث أشير إلى أن معلومات أبلغ بها بعض الجزائريين، عائلته، تفيد بأنه على قيد الحياة، الأمر الذي ترك عائلة بن عبد الله -يضيف المتحدث- تستأنف متابعة أخبار ابنها إلى أن تأكدت بأنه موجود في سجن سوسة بكردستان العراق، والأكثر من ذلك أنها تمكنت من ربط اتصالات هاتفية معه، بعد غياب دام أزيد من 5 سنوات بما في ذلك والدته التي تنفست الصعداء، وربما أنها أجابت من كان يعترض إحساسها كما أجاب يعقوب عليه السلام بقية أولاده.. صدمة الجزائريين صبيحة إعدام صدام وكان آخر اتصال مع أمه في شهر رمضان نهاية 2010 بداية 2011 كما أوضح بذلك المصدر، الذي أشار بأن إسماعيل كان يخبرهم بأوضاعه في السجن ومعاملة الحراس لهم، حيث تختلف من فريق إلى آخر. وعن سؤال يتعلق بطريقة الاتصال، أشير إلى أن الأمر يتم خلسة وبطرق بعيدة عن كل الأنظار، وربما بمساعدة بعض السجانين، واستمر هذا الأمر إلى أن علموا بأنه حول إلى سجن تاجي ببغداد في نهاية 2012 رفقة حوالي 100 شخص من مختلف الجنسيات العربية على وجه التحديد. وكانت المكالمة الأخيرة معه منذ حوالي 20 يوما فقط، ومن بين الأشياء التي تحدث بها إسماعيل الذي عرف فيما بعد على ما يعتقد (باسم عبد القادر) وربما حتى في السجن ينادونه بهذا الإسم، عن التعذيب والزنزانات التي لا تسمح للمسجون بالجلوس والاستلقاء، بل حتى انه أشار في اتصالاته الهاتفية إلى لحظة استشهاد الرئيس العراقي صدام حسين، وكيف كانت الصدمة كبيرة في نفوس الآلاف من المساجين العرب عامة والجزائريين خاصة. وفي سياق متصل، كشف المصدر عن نقل كافة المعلومات إلى وزارة الخارجية الجزائرية بغرض التكفل به، والعائلة -يقول المتحدث- تترقب لحظة الإفراج عنه رفقة بقية إخوانه الجزائريين. . . عائلته بالشلف تتهم وزارة الخارجية بالإهمال والتقصير الشلفاوي.. دخل العراق تاجرا فحكم عليه 15 سجنا بتهمة "مُحارب عربي" خرجت زوجة محمد وابد، الموقوف بسجن سوسة بإقليم كردستان العراق عن صمتها، وطالبت رئيس الجمهورية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من الجزائريين المحكوم عليهم بسجون العراق، وأضافت ذات المتحدثة أن زوجها حكم عليه بعقوبة 15 سنة سجنا نافذا، همه الوحيد أنه دخل إلى التراب العراقي من أجل التجارة رفقة تاجر من سوريا، غير أن السلطات الأمريكية قامت باعتقاله، لتسلمه بعدها إلى المصالح الأمنية العراقية، حسب تصريحاته لعدة قنوات أجنبية، كاشفا في ذات الوقت عن تعرضه للتعذيب الشديد على أساس أنه مُحارب عربي. وأضافت زوجة المسجون محمد وابد أن هذا الأخير راسل عدة جهات، غير أنها لم تحرك ساكنا، وألقت في ذات السياق كل اللوم على مصالح وزارة الخارجية الجزائرية التي حسبها منحتها أرقام هواتف للاتصال بها في حالة هناك تطورات ومستجدات في القضية، غير أن هذه الأرقام لا ترد على المكالمات، ما زاد الطين بلة -تضيف الشاكية- التي تعيش أوضاعا اجتماعية جد مزرية في مدينة تنس بولاية الشلف رفقة بناتها الثلاث، في حين بقيت مصالح وزارة الخارجية مكتوفة الأيدي تتفرج على حال "الزوالية" في سجون العراق التي أعدم فيها أحدهم مؤخرا، وأضافت الزوجة في حديثها ل"الشروق" أنها لم تتلق أي اتصال رسمي من الجهات الجزائرية عدا رد ممثل وزارة العدل الذي طلب من العائلات الجزائرية المتواجد أبناؤها في سجون العراق بالتحلي بالصبر، وأن القضية في طريقها للتسوية، غير أن الواقع أبان عكس ذالك، إذ لاتزال هذه العائلة تتجرع مرارة العيش في ظل وجود رب العائلة وراء قضبان دولة أجنبية. وأضافت الشاكية أن زوجها كان يمارس تجارة حرة، همه الوحيد جمع قوت العائلة بطريقة شرعية، كيف يُحاكم في محاكم عراقية تحت الإدارة الأمريكية بتهم الانتماء إلى مجموعات مسلحة وتهم تتعلق بخرق قانون الجوازات ودخول العراق بطريقة غير شرعية ويسجن لمدة 15 سنة سجنا نافذا، وعبرت زوجة محمد وابد المنحدر من مدينة واد سلي والبالغ من العمر 38 سنة عن تذمرها واستيائها الشديدين في ظل بقاء مصالح وزارة الخارجية مكتوفة الأيدي، ما عجل بالعائلة لمطالبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصفته القاضي الأول في البلاد بالتدخل العاجل، لدى السلطات العراقية للسماح لهم بالعودة إلى الجزائر، كما أبدت ذات المتحدثة تخوفها الشديد من إعادة سجنهم في السجون الجزائرية فور عودتهم، كما سبق وأن حدث مع أحد العائدين من السجون العراقية مؤخرا -تضيف الشاكية- وكلها أمل في رئيس الجمهورية من أجل التدخل وتحريك والدفع بالقضية نحو الحل. . . طارق.. الشاب الذي كان متمدنا ثم ملتزما فمقاوما من البقاع المقدسة إلى بلاد الرافدين.. الوصية "شدّو في دينكم" يصعب على المرء أن يتحدث عن شقيق له غاب، ومن الصعب أن يتحدث المرء عن شقيقين له غابا، والأصعب أن يتحدث المرء عن أخويه، أحدهما مفقود انقطعت أخباره والآخر في غياهب السجن.. هذه هي حكاية مراد الريف، الذي سألته "الشروق" عن استحياء ما جرى لعائلته و شقيقيه طارق وأمين من براقي في العاصمة إلى بلاد الرافدين. يتنهد مراد ويسترجع شريط ذكرياته إلى ما قبل سنة الاحتلال الأمريكي للعراق، ففي تلك الفترة توقفت عقارب الساعة العائلة وصار لها موعد مع تاريخ أليم مؤلم لا ينسى، فالأخ طارق- من مواليد 1976 - عمل فيه الاحتلال الأمريكي عملته، حوله من شاب متمدن مفعم بالحياة والنشاط إلى شاب ملتزم، غيّر ملابسه وهو الذي كان يتتبع أخبار الموضة ليلبس "الطاشة والحر والڤريفة"، فقد نزع اللباس الغربي ليرتدي القمصان، ويطلق لحيته ويقص شعره الطويل ويصبح أقل حركة، فكلامه صار في المفيد، كيف لا وحدث جلل "تمر به الأمة الإسلامية" ولهذا وجب الجد والتقليل من المزاح في أوساط العائلة خاصة مع الوالدين. ومع اهتمام طارق بكل ما يحدث في بلاد الرافدين، لم يكن ظاهرا لأفراد الأسرة أن ابنها طارق سيشد الرحال إلى العراق لكف العدوان الأمريكي والوقوف إلى جانب إخوانه العراقيين المستضعفين، بعدما نفض الساسة العرب أيديهم من جزء عربي. على عكس الملتحقين المتأخرين بركب المقاومة العراقية، الذين سلكوا طريق مطار هواري بومدين إلى سوريا ومنها برا إلى العراق، أو من العاصمة إلى تونس ومنها نحو ليبيا ثم إلى سوريا، اختار طارق طريقا آخر ربما في اعتقاد شقيقه مراد، أنه لم يرد أن "يصعق" العائلة بمخططه، ففي سنة 2004 أبلغ العائلة برغبته في أداء العمرة في شهر رمضان، وككل العائلات الجزائرية أعدت العائلة العدة ورافقت "حاجها الصغير" إلى المطار في موكب كبير، وكانت لحظة دخوله قاعة المغادرة آخر لقاء بين طارق وعائلته. انقضى موسم العمرة ومعه شهر الصيام لكن إقامة طارق، بجوار الحرم طالت، ففقد أبلغ العائلة أنه سيؤدي فريضة الحج، وهو الأمر الذي لم يقلق العائلة ولم يدخلها في "سوسبانس" (أين هو طارق؟)، وبعد انقضاء موسم الحج أبى طارق العودة إلى البيت فقد كان على شبر فقط من الوصول إلى مبتغاه في العراق، وجعل الهاتف وسيلة الاتصال الوحيدة، فكان يهاتفهم بين الفينة والأخرى وإن حافظ على بعض مزاحه و"الطوايش" مثلما وصفها شقيقه مراد، فطارق صار يوصي أفراد العائلة بالالتزام والكف عن الانشغال بالأمور الدنيوية. بحلول سنة 2006 انقطع الاتصال كلية بطارق، وهنا كانت نقطة التحول في العائلة التي صار كل اهتمامها "أين طارق، ألم يتصل"، وبدرجات متفاوتة أصيبت العائلة بالإحباط والحزن و خاصة الوالدين، وهنا يقول مراد "لقد اجتمعت كل الأمراض الحديثة بوالدي من الأرق إلى القلق إلى السكري والضغط الدموي"، ويضيف: "الوالدة انهارت وصارت تظهر طاعنة في السن، مسار الدموع على جفونها صار ظاهرا للعيان". ومع طول مدة الانتظار باتت بعض المعلومات غير المؤكدة تصل إلى العائلة مفادها التحاق طارق بالمقاومة العراقية، وهذه المعلومة كانت على ألسن كل أفراد العائلة لكن لم يجرؤ أحد على إخطار الآخر. . أمين على خطى شقيقه طارق العائلة ما إن ألفت غياب ابنها طارق، حتى تفاجأت باختفاء الابن الأصغر أمين - من مواليد 1982- سنة 2007 دون سابق إنذار، حيث لم تكن تدري العائلة أن ابنها "المازوزي" قد التحق بالعراق كذلك، وما كانت خطوته بالتصدق بملابسه "الجميلة" إلى بعض المحتاجين والاحتفاظ ببدلة "جينز" وحذاء رياضي سوى المؤشر على المخطط، لكن أفراد العائلة لم ينتبهوا لذلك. ويروي مراد، بالتفصيل ما جرى تلك الأمسية "أبلغت من أحد معارفي أن شقيقي أمين سيغادر اليوم إلى العراق فالحق لتوقفه، لقد صعقتني تلك العبارات فعدت إلى البيت على جناح السرعة لأبحث عن جواز سفره فلم أجده وألبسته غير موجودة، وحتى سروال الجينز والحذاء الرياضي الذي تركه على الجانب لم يكن موجودا، وحينها أيقنت الوالدة أن مدللها قد غادر وصرخت صرخة لا تزال في أذني -خوك الصغير راح لحق بطارق- وسقطت مغشيا عليها لم أفهم ما أفعل.. هل أواصل البحث عن آخي أم ألتف لأمي وأنقلها إلى المستشفى وهي غائبة عن الوعي، بدأت بالثانية وبعدها الأولى لكن بعد 6 سنوات لم أجده بعد". وصية الوالد لابنه.. "حبة سخونة" بعد شهرين من اليوم المشؤوم يرن هاتفي النقال برقم دولي، إنه أخي أمين يتكلم من العراق، كان كلامه قليلا للغاية "أنا في العراق، ولا تقلقوا علي وأرجو أن يسامحني والدي"، بعدها تبادلنا المكالمات الهاتفية، وأذكر أن والدي كان يقوله له "حبة سخونة" يقصد أن يقتل في اشتباك مع الأمريكان، وأن لا يوجّه سلاحه إلى إخوانه المسلمين العراقيين سنة أو شيعة، لكن لا الوالد ولا أفراد العائلة يعلمون لحد الساعة مصيره ابنهم أمين. في الوقت الذي كفّت عائلة ريف السؤال على الابن طارق، بعد طول غياب وانقطاع الاتصال والاهتمام بمصير ابنها الأصغر أمين، ظهر فجأة خبر عاجل على قناة العربية توقيف مسلحين من بينهم جزائري يدعي طارق، الخبر ذلك بقدر ما كان مؤلما لهم، لكنه أعاد بعض الأمل للعائلة الحزينة، على الأقل ابنها لا يزال على قيد الحياة ولكنه بين أيدي السجانين. لم يبعث طارق أية رسالة إلى عائلته منذ مغادرته سنة 2004، ولكن يتصل بهم عبر الهاتف، يسأل عن أحوالهم ويحثهم على الصبر والثبات على المحن إلى أن يأذن الله بالفرج. . . من ميلة إلى سجون العراق منذ 2005 مسعود ومحمد..سافرا إلى سوريا للدراسة فوجدا نفسيهما في زنزانات الكرخ تعيش عائلة بريكة القاطنة بمشتة القروة الواقعة ببلدية مينار زارزة أقصى شمال عاصمة الولاية ميلة، حالة من القلق والخوف الشديدين عقب انتهاء رحلة أبنائهما مسعود البالغ من العمر 26 عاما، وابن عمه محمد صاحب ال 28 سنة إلى غياهب السجن بالعراق، حيث أكد كل من العيد وعبد السلام، وهما شقيقا السجينين مسعود ومحمد للشروق أن عائلة الشابين وخاصة والدة مسعود تعيش حرقة غياب فلذة كبدها الذي غادر الجزائر على أساس طلب العلم والدراسة سنة 2005 رفقة ابن عمه محمد إلى سوريا، وقضيا هناك شهرا كاملا لتنقطع أخبارهما منذ ذلك الحين إلى غاية سنة 2011، أين تلقينا مكالمة هاتفية من الخارج - تقول والدة مسعود- وإذا به صوت ابنها، حيث أخبرها في عجالة أنه بخير وعلى قيد الحياة لكنه محكوم عليه ب 15سنة سجنا نافذا في أحد السجون العراقية المسمى الكرخ المركزي المتواجد بالعاصمة بغداد، كما طمأنهم بأنه سيعيد الاتصال بهم لاحقا، ومن ثم بدأت رحلة العذاب والبحث للعائلة، خصوصا عندما تلقت عائلة محمد أيضا مكالمة من ابنها الذي يوجد هو الأخر في سجن كردستان العراق ومحكوم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، وكانت تهمتهما التي حوكما بها، يضيف شقيقا السجينين، هي الدخول غير الشرعي إلى التراب العراقي. وقد قدمت عائلة السجينين طلبا لوزارة الخارجية مرفقا بكل الوثائق الخاصة بهما قصد التكفل بإطلاق سراحهما، غير أن لاشيء تحقق في ظل صمت السلطات الجزائرية يقول شقيقا السجينين إلى يومنا هذا، وعدم اهتمامها بالملف، حيث لم تبذل أي مساع أو إجراءات للتخفيف من عقوبتهما، وللأسف محاكمة الأجانب في العراق لم تكن عادلة وأحكامها قاسية والسجناء لا يملكون الإمكانات المادية اللازمة لتوكيل محام. "الشروق" حاولت الوصول إلى أدق التفاصيل عن كيفية دخولهما العراق والطريقة التي اعتمداها في ذلك إلا أننا لم نجد الجواب من العائلة التي لا تعلم هي الأخرى بتفاصيل هذه المغامرة، فأبنائهما يكلمونهم هاتفيا بحذر خوفا من التجسس على مكالماتهم من طرف إدارة السجن بالعراق، وما يعرفونه أن أبنائهما كانا يدرسان في زاوية البلدية القرآن الكريم حفظا وترتيلا ثم انتقلا سنة 2005 إلى زاوية السانية بولاية وهران لإكمال الدراسة، ومن هناك استخرجا جوازات سفر وتوجها إلى سوريا لإكمال الدراسة، أين مكثا فيها أكثر من شهر كانا يكلمان العائلة تقريبا كل يوم ومن تم انقطعت أخبارهما نهائيا حتى سنة 2011، كما أن السجينين أخبرا عائلتهما بأنهما لا يعلمان كيف حصل ذلك، حيث يقولان: "عندما فتحنا أعيننا وجدنا أنفسنا في مطار العراق، ومن تم إلى السجن مباشرة، كما أن آخر كلامهما في الهاتف مع عائلتهما هو جريو علينا راهم نساونا هنا وننتظر تدخل السلطات الجزائرية عند اتصالهما بالعائلة يضيف شقيق مسعود أخبره أن معه شابان من وادي سوف، الأول اسمه سوساني محمد يبلغ من العمر 26 سنة، والثاني روادة أحمد علي من منطقة حاسي خليفة يبلغ من العمر 28 سنة، وهما بنفس السجن الذي يقبع فيه مسعود. بعد دخلوهما إلى السجن أدخلا معهما أهلهما في دوامة من المعاناة، فيما تعيش أم مسعود وأفراد عائلته بميلة وضعية نفسية صعبة للغاية جراء الحادثة، جدة محمد توفيت قبل أن ترى حفيدها مجددا، عائلتي الشابين تناشدان الجهات المعنية التدخل لإنهاء حالة الترقب والخوف التي تعيشها العائلة، مطالبين في الوقت ذاته وزارة الخارجية بالتدخل العاجل لإنهاء هذا الكابوس الذي قلب حياتها رأسا على عقب، من خلال التنسيق مع القنصلية الجزائرية في العراق لتفعيل عملية الإفراج عنهما ونقلهما إلى أرض الوطن. . . أربعة وخامسهم المرحوم بلهادي الذي أعدمه المالكي من حقول البطاطا بوادي سوف إلى سجون العراق ..هم أربعة وخامسهم المرحوم عبد الله بلهادي الذي أعدمته الحكومة العراقية تنفيذا لحكم قضائي، كما قالت بتهمة الانخراط في جماعة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة كما تدعي، بينما مصير اثنان مازال غامضا كونهما اختفيا منذ وصولهما للعراق سنة 2007 والآخران موجودان رهن الاعتقال دون محاكمة منذ أكثر من 6 سنوات، وهو ما يخالف كل القوانين الكونية في بلد تحكمه قائمة تسمي نفسها دولة القانون بزعامة نوري المالكي. كان الأربعة وهم ض. وشوشاني من مواليد 1986وجويدة احمد علي1987 وقسومة محمد ورمي علي من الشباب المهتمين بالنشاط الفلاحي بقرية الصحين النائية التابعة لبلدية الطريفاوي، وتبعد عن عاصمة الولاية الوادي بنحو 23 كم، وتخصصوا في زراعة البطاطا وهم من ذوي المستوى التعليمي المحدود ولم يتجاوزوا في دراستهم السادسة ابتدائي، تأثروا أيما تأثير بحادثة إعدام الشهيد صدام حسين في 29 ديسمبر سنة 2006 وبعد 6 أيام من الحادثة باعوا المحصول وغادروا مع بعضهم إلى العراق عبر سوريا بنية الجهاد ومحاربة القوات الأمريكيةالمحتلة للعراق، حيث وقعوا تحت تأثير الإعلام والخطب الدينية في تلك الفترة، والتي كانت تدعوا للجهاد في العراق. اختفاء اثنين وتوقيف الآخرين وإعدام بلهادي يثير القلق بمجرد وصولهم للعراق تم توزيعهم على مجموعات جهادية للتدريب، لكن قوات الأمن العراقية أوقفت اثنين منهما وهما "ج. ا. ع"، وشوشاني .ض وأودعتهما الحبس بسجن الكاظمية ببغداد، بينما اختفى الآخران ولم يظهر لهما أي أثر إلى الأن. نزل خبر إعدام عبد الله بلهادي وهو من نفس العرش الذي ينحدر منه ابنا قرية الصحين الأربعة والمعروف باسم عرش الربايع كالصاعقة على بقية الأسر، خوفا من أن يلقى أبناءهم نفس المصير، فسارعوا بتوجيه نداءات عبر مختلف وسائل الإعلام للسلطات الجزائرية ولرئيس الجمهورية يرجونه التدخل لإنقاذ حياة أبنائهم واستعادتهم ومحاكمتهم في الجزائر إن هم أجرموا حقا. اتصالات هاتفية مستمرة بين الأسر والموقوفين في زيارة قادتنا لقرية الصحين تحديدا لعائلة الموقوفين، أين أكدوا أنهم يتصلون بأبنائهم بشكل منتظم عبر الهاتف ويتحدثون معهم، لكن وضعهم ظلّ معلقا لأنهم مسجونون دون محاكمة لحد الآن، ولم توجه لهما أي تهمة وتم تفريقهما، أحدهما يدعى وشوشاني تم وضعه في سجن الناصرية، والآخر يدعى جويدة في سجن الكاظمية، كما أن الاتصالات عبر الرسائل توقفت منذ سنة 2010 بينهم تاريخ إرسال آخر رسالة تلقت "الشروق" نسخة منها. الرسالة تضمنت اسم أبو صلاح نصر محمد طليبة شوشاني واسمه في وثائق الحالة المدنية بالطريفاوي محمد وشوشاني، وقال إن رقمه في السجن 22560 أخبرهم فيها أنه بصحة جيدة وتحت سلطة الحكومة العراقية. عائلات الموقوفين يستنجدون بالحكومة أكد أولياء من إخوة ووالدي الموقوفين في تصريحات متطابقة ل "الشروق" في قرية الصحين أن ابنيهما غادرا القرية دون علمهما، ولم يكونا على دراية بالأمر لمحدودية تعليمهما وأنهما وقعا ضحية تأثير شخص غريب عن المنطقة اسمه مراد كان يجند الشباب للجهاد في العراق، فأغراهم بذلك فقاما ببيع غلة البطاطا واستثمار المال في التنقل ولم يعلم الأسر إلا بعد وصولهم العراق. ودعا الأولياء الحكومة الجزائرية ممارسة كافة الضغوط على الحكومة العراقية على غرار مافعلت نظيرتها السعودية لاستعادة أبناء الجزائر إلى وطنهم.