لم يكن نجم الأغنية الشاوية علي كاتشو، يدري أنه سيقع في فخ أسئلتنا وما كاد يتفطن لذلك، حتى راح يقرّ بتفاجئه واسترسل مجيبا عن كل سؤال يتلقاه، بما في ذلك الأسئلة التي كانت محرجة بعض الشيء بالنسبة إليه دون أن يخفي انشراحه، فكان هذا الحوار الصريح جدا الذي يتضمن كيف عاد كاتشو إلى الغناء بعد أداء فريضة الحج ودور زوجته وراء هذه العودة وجوانب أخرى يجهلها عشاقه. بداية، حدثنا عن نفسك قبل وبعد الحج؟ سؤالك فيه بعض الإحراج يضحك ويضيف قبل الحج، كنت دائم التنقل داخل الوطن وخارجه، أحيي الحفلات والأعراس بشكل مكثف، وأصدر الأشرطة بشكل منتظم. أما بعد أداء فريضة الحج، فقدت التوازن ولم أعد متحكّما في قراراتي، فلا أنا قررت الإعتزال نهائيا ولا أنا واصلت بصورة طبيعية. لقد كانت لي ارتباطات مع التلفزيون ومع متعهدي الحفلات، وكان صعبا عليّ الإخلال بها، كما كان صعبا عليّ أن أقف أمام الجمهور أو أمام الكاميرا وأنا أحمل صفة "حاج"، ففعلا كنت متردّدا، أتذكر مرة تنقلت إلى سطيف، بنية المشاركة في حفل تكريم المدرب القدير عبد الحميد كرمالي، وفي آخر لحظة وبلا شعور قرّرت عدم المشاركة وعدت إلى باتنة دون أن أقف على قرار فاصل يتعلق بالإعتزال أو عدمه، كنت مرتبكا جدا ومتردّدا بين القطيعة والإستمرارية، عشت مرحلة فراغ دامت حوالي عامين، لا حفلات ولا تسجيلات ولا لقاءات مع الفنانين ولا حتى متابعة البرامج التلفزيونية. وكيف كانت العودة؟ كانت قوية جدا، والبداية كانت بالمشاركة في الأسبوع الثقافي الباتني المقام مؤخرا بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، ثم المشاركة في برنامجين تلفزيونيين، أحدهما حفل اختتام "ليلة النجوم" رفقة أمل وهبي، عبدو درياسة وفلة عبابسة، أما آخر مشاركة، فكانت في الطبعة الأخيرة لمهرجان تيمقاد الدولي لمرتين. أنت متهم بالتخلي عن أصلك والتخلي عن الغناء بالشاوية؟ لا أعتقد أن ثمّة من يتنكر لأصله أو يتخلى عنه، فالأصل مغروس بالفطرة في بني البشر، وأنا واحد منهم، لم أتنكر لأصلي، أنا شاوي اليوم وغدا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. حقيقة بدايتي كانت بالشاوية، وكانت بداية قوية جدا على المستوى المحلي، ولما اخترق صوتي حدود الخارطة الأمازيغية، رأيت أنه من الضروري تلبية رغبة عشاق الأغنية الشاوية وعشاق صوت كاتشو، فغنيت بالعربية، مبقيا على النمط الشاوي الأوراسي، الأمر الذي زاد في نجوميتي وأعتقد أن عيسى الجرموني النجم الذي لن يأفل غنى بالشاوية وبالعربية ونحن في الأوراس نقتدي به كفنان قدير، لأنه مصدر إلهامنا وعليه أعيد وأكرر أنا شاوي وكلي فخر بهويتي الوطنية ويكفيني ما أشعر به من إعتزاز حين أكون سفيرا للأغنية الشاوية في المحافل الوطنية وخارج الجزائر. علمنا أنك غير مقتنع بالفتوى "السعودية"؟ "يضحك" الفتوى السعودية.. أنا ما يهمني قناعتي بما أفعل وكما تعلم، فإن زيارتي إلى البقاع المقدسة كانت لأجل أداء فريضة الحج، ولا أخفي عليك اندهاشي لما تلقيت عرض رئيس الجمهورية عن طريق والي ولاية باتنة، كما لا أخفي عليك إعتذاري في البداية، حيث اقترحت تعويضي بشخص آخر، لكن وبإلحاح من السيد الوالي قبلت الدعوة وكنت ضمن وفد الحجيج إلى مكةالمكرمة.. أما بخصوص ما سمعته من فتاوى في السعودية وأنت كلك اطلاع على أسراري يا حكيم فكنت كثير المجالسة مع العلماء والفقهاء في حلقات دينية من بينهم أبو بكر الجزائري، رفقة حجاج مغاربيين كانو يستفتون الفقهاء حول الغناء وكأنهم يتحدثون نيابة عني، فكانت فتاويهم جامعة على تحريم الغناء مع الموسيقى. ثمة من عرض عليك أن تستفتي الشيخ القرضاوي؟ نعم، لكنني لم أفعل، استخرت الله تعالى ورفعت إليه دعواتي واقتنعت بمواصلة مشواري الفني للإسترزاق وها أنا أواصل، لكن من يدري ربما سأجد مصدر رزق آخر وأضع حدّا لمساري الفني أو أغيّر نمط الغناء.. زوجتك خاضت معك موضوع العودة من عدمها؟ أنت يا حكيم، وكأنك تعيش معي يومياتي، بسؤالك هذا تكون قد ألممت بكل شيء وهذا شيء جميل يشجعني للتحدث إليك بكل صراحة وشفافية..علا زوجتي كانت وراء عودتي بنسبة 50 بالمائة، لقد وقعت تحت ضغط مكثّف من لدن النساء، خصوصا عندما تلتقي بالكثير منهن في الأعراس والولائم ومختلف المناسبات لقد كانت همزة وصل بيني وبين عاشقات صوت كاتشو، خصوصا أثناء عزلته التي دامت عامين تقريبا. قبل أن تكون فنّانا ماذا كنت؟ أنا إبن فلاح أنحدر من قرية حملة بباتنة، أعشق الفلاحة والبساطة، أفكر بجد في العودة إلى عالم الفلاحة، فما أتمناه هو أن أمتلك خرفانا وأبقارا ودواجن في مزرعتي لأعيش فيها عيشة بسيطة. هل تعرضت إلى تحرّشات من طرف عاشقات صوتك؟ نعم، لقد تعرضت، لكنني عرفت كيف أتجنبها، لقد حصلت لي مواقف كثيرة من هذا القبيل ودون أن أشعر الطرف الآخر أنه شخص غير مرغوب فيه، خرجت منها كالشعرة من العجين. وهل أم الأولاد مقتنعة؟ نعم، هي مقتنعة وكلها ثقة في شخصي، هي تعرفني جيدا. ذكرنا بالصدمة العنيفة التي هزتك في مسارك الفني؟ لقد كانت فعلا صدمة عنيفة، تلك التي عشتها في إحدى الحملات الإنتخابية لما ناصرت مترشحا على حساب مترشح آخر، أتذكر تلك الكتابات على الجدران المسيئة لي، تعرّضت إلى التهديد بالإغتيال وآخر بخطف أبنائي، ما دفعني إلى منعهم من الدراسة لمدة أسبوع. هل كنت تحت الحراسة الأمنية؟ لا أدري، ربما كان ذلك دون علمي، فقط تلقيت دعوة من الوالي الذي خفّف من ضائقتي وأبدى استعداده التام لحمايتي ومساعدتي. كلمة أخيرة.. أنا مدمن على قراءة جريدتي الأولى الشروق اليومي، لكنني لم أعرف بأنك الشخص الذي سيتمكن من ترويضي بهذا الشكل، فأنت الوحيد الذي "ربش في خزاني الحسّاس"ربما لأنك مطلع جدّا على مساري، فالشكر لك وللشروق وتحياتي لجميع قرائها. حاوره بباتنة/عبد الحكيم عماري