يواصل الشيخ كمال قمازي شهادته ل"الشروق"، متحدثا في هذه الحلقة عن تداعيات الظهور التلفزيوني لجماعة مراني، والتي وقع بعدها الكثير من الأحداث، أهمها اعتقال شيوخ الفيس... أي أنّهم اتّخذوا قرار إخلاء الساحات دون علمكم، ولم يراسلكم أحد في هذا الشأن؟ لم نراسل ولم نعلم بأي شيء، وحتّى من يقول بأنّهم تحدّثوا في نشرة الأخبار بالتلفزة فهذا شيء غير رسمي، ولم نحصل حتّى على ذلك البيان، وأيضا أثناء محاكمتنا بلغنا أنّ القاضي بحث عنه على مستوى الوزارة ولم يجده، فهذا ما ولّد الصدام بإخلاء الساحات من غير إنذار، فقانونيا لابد من الإنذار بالاتصال بقيادة الحزب وإعلام النّاس بمكبّر الصوت مثلا ويأتي رئيس البلدية وعليه شارة البلدية وتكون هناك طلقات تحذيرية ...فيكون هناك تدرّج وهذا هو القانون المعمول به. ماذا حدث بالضبط؟ سقط ضحايا في مواجهات استعملت فيها القنابل المسيلة للدّموع واستمرّت حتّى النّهار، وعندها جاء عبد الحميد مهري رحمه الله واتّصل بعبّاسي وقال له إن أمكن التوصل إلى اتّفاق على إعادة النظر في القوانين ويتوقّف الإضراب تمضي عليه جبهة التحرير الوطني من جهة باعتبارها الحزب الحاكم ومن جهة تمضي عليه الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ولم يحضر الشيخ علي بن حاج لأنّ مهري قبل مجيئه تحدّث عن احتجاجات في القصبة ومحاولة إحراق الخزينة العمومية، فأرسله الشيخ عبّاسي لتهدئة المتظاهرين. والشهادة أنّ الشيخ علي بن حاج منذ بدء الاحتجاجات كان يذهب إلى الساحات كساحة الشهداء ويهدئ المتظاهرين ويتكلّم أيضا مع قوّات الأمن بأنّه لابد من التواصل، فالكل جزائريون، فلماذا هذه المواجهات؟ وبقي معهم تلك الليلة حتّى صلّى الصبح. وحتّى بلخادم في شهادته قال بأنه عندما جاء للشيخ عبّاسي وجده في ساحة أوّل ماي لتهدئة المعتصمين. البعض تحدث عن سراديب بمستشفى مصطفى باشا، كان عندما يختطف رجال الأمن، يقتادون إليها ويعذبون .. هل هذا صحيح؟ لا، لا .. التفاصيل قد يعلمها من كان حاضرا هناك، فعند المواجهات قد تجد جماعة من المعتصمين وسط الشرطة، وقد يجد شرطي نفسه وسط المتظاهرين، فليس بالضرورة أن يكون هناك اختطاف .. ولكن المعروف أنّنا كنا حرصين على التهدئة، المقصود من الإضراب ليست المواجهة وإنّما تعقّل السلطة واعترافها بأنّ القوانين جائرة ولابد من تغييرها، وهو ما وقع بعد مجيء غزالي . فلمّا جاء مهري ليلة 04 جوان تم الاتّفاق الذي أمضي عليه من الطرفين، سمعنا أنّه سيكون إعلان من الرئاسة يبث في التلفزة في وقت متأخر ليلا، وهو الذي أعلن فيه عن حالة الحصار وإقالة حكومة حمروش، وبدأ ذلك يوم 05 جوان بما فيه من حظر تجوّل وغير ذلك. وبعدها قال حمروش إنّه قدّم استقالته يوم 02 جوان أي قبل ذلك اليوم والحكومة مستقيلة، وهو ما يطرح علامات استفهام إذا كانت الحكومة مستقيلة فمن كان يسيّر الأمور ومن أعطى الأمر بمداهمة الساحات وتفريق المتظاهرين بذلك الشكل، فلابد أنّه يوجد طرف كان كلّما حاولنا التوصّل إلى حل أدخل معطى جديدا وعفّن الوضع، فنحن لمّا تكلمنا مع حمروش تمت مداهمة الساحات وعندما اتّفقنا مع مهري أعلنت حالة الحصار. جاءت حكومة غزالي فكانت هناك جلسات حوار معها واستجابت كما أظن لأغلب طلبات الجبهة.. لكن التوتر استمر؟ إعلان حالة الحصار كان يوم 05 جوان وتبعه انقطاع الاتصال مع السلطة والشروع في اعتقال المناضلين، ولم تتوقف الأمور فكان هناك اضطراب، أي أنّ السلطة لم تسلك مسلك الحوار وإنّما انتهجت طريقا آخر، وكنت ذكرت أن السلطة عزمت على تنظيم الانتخابات يوم 17 جوان وأن الجبهة أودعت الملفّات في كل الدوائر مبدية حسن نية المشاركة في كل الأحوال. يوم 06 جوان عندما شعرنا بوجود شيء ما يدبّر، كانت الوثيقة التي تقول إنّه في حال اعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ يجتمع رؤساء المكاتب التنفيذية ويختارون قيّادة لمواصلة المشوار. يعني عباسي وبن حاج كانا يعلمان أنهما سيعتقلان؟ كلّما كان هناك حوار أو اتّفاق ويبقى فقط تنفيذه يأتي التصعيد من جهات أخرى. تقصد أنه كان يوجد طرف في السلطة ضد بقاء الفيس في الشرعية!؟ هي محاولة لجرّه للخروج من الشرعية، ولهذا أذكر أنّ وصية الشيخ عبّاسي عندما جاؤوا لاعتقاله وكان أقرب النّاس منه الشيخ محمد السعيد، قال له "التزموا الشرعية"، وكرّرها وحذّره "إيّاكم وأن يخرجوكم من الشرعية". البعض ادعى أنه قال "اخرجوا الناس للشارع واحرقوا كل الأوراق"؟ هذه شهادة الشيخ عبّاسي بأنّه قال هذا ولمّا اعتقل الشيخ محمد السعيد وأتوا به معنا تقريبا لمدة 4 أشهر كرّر هذا الكلام، فهي شهادة صحيحة، ولا أعتقد أنّ الشيخ عبّاسي يقول اخرجوا النّاس للشارع وأحرقوا الأوراق والله سبحانه وتعالى يقول "ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا"، فالإنسان يقول كلاما مسؤولا حضره فرآه بعينه أو سمعه بأذنه أو كان شاهدا عليه. هل اعتقل محمد السعيد معكم؟ بعد أسبوع من اعتقالنا، اعتقل محمد السعيد وجاؤوا به إلى سجن البليدة لمدة 04 أشهر ثمّ أطلق سراحه. لماذا اعتقل؟ قضيته لم تكن قضيتنا، فهو لم يكن عضوا بالمجلس الشوري للجبهة الإسلامية للإنقاذ، هو قرأ بيانا مع حشاني ....فكانت عنده مسألة أخرى تستطيع أن تقول إنّها صحفية أو شيء من هذا. ففي 06 جوان كانت هذه الوصية والإضراب يومها لم يتوقّف بعد، وظهرت سيّارات مجهولة الهوّية تطلق الرصاص على النّاس، وكانت من قبل في أحداث أكتوبر لتعود في تلك الفترة، أيضا مداهمة المساجد والأحياء وغير ذلك من أمور التصعيد، فكانت هناك وثيقة فيها تعليمات لكيفية الدّفاع عن الأحياء والمساجد ... ما هو محتواها بالضبط؟ لا يحضرني الآن، لكنّها كانت في يومها وفي سياقها، إذ عندما حرّرت وجيء بها إلى مقر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، جاء بشير فقيه وقال إنّه يوجد اتّصال مع رئيس الحكومة أحمد غزالي. هل الوثيقة تتحدّث صراحة عن الدّفاع على مقرات الجبهة بالقوة؟ لابد أن تضع نفسك في تلك الفترة، حيث كان الإخوة يعتقلون فكانت هناك مداهمة الأحياء بالسيّارات وكان الوضع مشحونا ومضطربا. كيف كنتم تنصحون المناضلين في تلك اللحظة الحرجة؟ كان فيه قنوات اتّصال مع السلطة ثم انقطعت، ومهما كان الحال فإنك في حزب معتمد ولن تأمر النّاس بالتصعيد، لكن هذا لا ينفي الدّفاع عن النفس . لكن كان هناك لقاء مع حكومة غزالي بعد اتّصاله بإمام من وهران الذي قبل أن يكون وسيطا بينه وبين قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكان اللقاء يوم الجمعة 07 جوان من العاشرة صباحا إلى منتصف النهار وبعدها مباشرة كانت صلاة الجمعة، وفيها أعلن عن توقيف الإضراب بسبب أنّه تمّ الاتّفاق مع رئيس الحكومة على تعديل القوانين وإعادة العمّال وإطلاق سراح المساجين والأمور الاجتماعية المتعلقة بهذه الأمور. فاستبشر النّاس وتوقّف الإضراب فاعتقدنا أنّ الأمور ستعود إلى نصابها، ولكنّنا كنا في حالة حصار وحظر التجوّل في الليل، واستمرت الاعتقالات، بل أخذ الإخوة من العاصمة وضواحيها إلى اولاد فايت والإخوة من الشرق إلى عين مليلة وهناك من اعتقل 45 يوما اعتقالا إداريا وليس قضائيا، ثمّ أخذوهم إلى الصحراء، أي أنّ التصعيد استمر والعمّال لم تتم إعادتهم إلى مناصبهم بشكل كامل، عكس ما قاله غزالي بأنّ عمّال الشركات العمومية ستتم إعادة إدماجهم. أمّا الشركات الخاصة فلا سلطة لي عليها، فتحس بأنّ السلطة دخلت في خطّة أخرى، وفي تلك الأيّام المشحونة انعقد المجلس الشوري في 25 جوان وكان جدول أعماله هو التحضير لمؤتمر الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتقييم الوضع ..ولم يحضر في بداية الجلسة مرّاني وبشير فقيه ليلتحقا بالجلسة مساء، في حين أنّ الشيخ الهاشمي كان مريضا ولم يحضر، وقالا كلاما فهمنا منه أنّهما كانا على اتّصال بالسلطة بغير إذن من المجلس الشوري فتمّ الإنكار عليهما، وكان فيه شيء من الحدّة فسمعت بشير فقيه يقول سأذهب للتلفزة وأتكلّم، فاعتقدنا أنّ كلامه كعادته يمتاز بالحدّة، وفي المساء سمعنا على التلفزة أنّ هناك كلمة لنتفاجأ بظهور الهاشمي سحنوني وبشير فقيه ومرّاني والذي تكلّم بحدة عن عبّاسي هو وبشير فقيه، فتعجّبنا من السهولة التي بها فتحت لهم التلفزة أبوابها وطبعا كان ذلك بإذن من السلطة وفهمنا أنّ شيئا ما يدّبر، وكان ذلك اليوم 25 جوان حيث جاءتنا مراسلة أمضاها الجنرال العمّاري بصفته مسؤولا على حالة الحصار، يشير فيها إلى نزع اللافتات الموجودة على واجهة البلديات المكتوب عليها "بلدية إسلامية"، وهو أمر موّجه إلى رؤساء البلديّات، وعند التّشاور قلنا بأننّا لن ننزعها وإذا جاءت السلطة لفعل ذلك فلن نمنعها. وانعقاد المجلس الشوري لم يكن ليوم واحد بل قد يدوم ليومين أو ثلاثة أيّام، وفي اليوم الثّاني الأربعاء التقينا ولم يكن الأمر متعلّقا بالتحضير للمؤتمر وإنّما ما استجدّ فيما يتعلق بمن تدّخل في التلفزة، وعندها اتّخذنا قرارا بعزل كل من مرّاني وفقيه من المجلس الشوري . لماذا الهاشمي سحنوني لم يتعرض لنفس العقوبة؟. بلغنا أنّه كان مريضا ولم يعلم بمحتوى التدخّل وهو ما يقوله حتّى الآن ففتحنا له بابا لكنّه لم يرجع. هو لم يتبرّأ من الظهور التلفزيوني وقال لي ذلك صراحة في حوار سابق؟ رأينا أنّ المبادرة كانت من مرّاني وفقيه، حيث ذهبا للهاشمي سحنوني وأخذاه معهما فاعتبرنا أنّ مسؤوليته في المسألة كانت بدرجة أقل. في رأيك هل خروجهم أثّر على المناضلين أم أنهم وجدوا من يصدّقهم؟ هكذا كلام ظهر أوّل مرّة للعلن ولم نتوتر في المجلس الشوري بهذه الدرجة، بل كان في الغالب انضباط لأنّه مهما حدث، أغلبنا أبناء حركة إسلامية ومساجد، والإنسان يلتزم بالخلق والآداب والتّثبّت في الأقوال، فليس من السهولة أن يأتيَ أحدهم ويطعن في أخيه، فكان أمرا صدم النّاس، ولكن الأصداء التي جاءتنا من الولايات أنّ النّاس ثابتون مع القيّادة وبقي الانضباط والتواصل من الولايات مع المجلس الشوري . وكان هناك لقاء آخر في اليوم الثالث ليتكرّر الظهور في التلفزيون يوم السبت 29 جوان وفيه بشير فقيه ومرّاني وشيخ من غرداية يسمّى الشنقيطي، وهو أيضا عضو في المجلس الشوري لكنّه لم يكن عنصرا فعّالا لعدم مداومته على الحضور وأنا تقريبا رأيته مرتين منها مرّة أثناء التأسيس، فتفاجأت لمّا رأيته في التلفزة وهو ليس عنده معلومات. لكنّهم يقولون إنهم أبرؤوا ذمّتهم لأنّ الدماء كانت ستسيل وفعلا حدث ما قالوه وهم الآن يقولون بأنّ السنوات أنصفتهم .. عكسكم تماما؟ لابد أن نفرّق بين الإضراب السياسي والانتخابات التي جاءت بعد ستة أشهر ودخلتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بانضباط وفازت فيها، وجاء وقف المسار الانتخابي، فهو وضع آخر ليس فيه أي شيء عن الصّدام، بدليل أنّ النظام لمّا اعتقل القيّادة ترك العمل في الشرعية، النّاس لم يجنحوا للعنف مادام لهم مجال للعمل والتعبير السياسي، فالعنف يأتي دائما من سد الأبواب كرد فعل والشيخ عبّاسي كما يقول "نحن لا نكسر بابا مفتوحا" . فالصّدام الذي نشأ من إخلاء السّاحات لم يؤثّر في سير عمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ . بعد الظهور التلفزيوني، مرّاني يقول إنّه هدّد بالقتل والنّاس أصبحوا يسيئون إليه في الشارع بسبب أنّ قيادة الجبهة وخصوصا عبّاسي اتّهمته بالخيانة، وأنّه عميل بيد المخابرات وهذا ما هدّد حياته وحياة عائلته؟ مرّاني لم أره منذ 25 جوان يوم أوّل ظهور له على التلفزة . لو حدث صدفة والتقيت به كيف سيكون المشهد؟ هم أعطوا فرصة للسلطة لاعتقالنا ظلما بدون أي وجه حق وتضرّرنا منهم كثيرا، وحتّى ما يقوله الآن لم يكن يقوله داخل مجلس الشورى وهو على الأقل غير صادق في الكثير من الأمور والله سبحانه وتعالى يقول "فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا" والإنسان يوم القيامة يسأل "وهل يكبّ النّاس في النّار إلا حصائد ألسنتهم"، فلا بد من التثبّت وهو ما نطلبه . تقول إنّ تصريحاتهم أدّت إلى اعتقال الشيوخ فما علاقة هذا بذاك؟ لمّا كان الظهور الثّاني يوم 29 جوان وما فيه من تماد في ذلك الطرح، في الصبيحة جئنا للمقر، وكان حاضرا الشيخ علي بن حاج وعبد الرزّاق رجّام والإخوة لمناقشة الموضوع، ومرّاني يقول بأنّهم عند ذهابهم إلى التلفزيون قبلوا تدخّلهم بشكل عادي والنّاس اتّهموهم بأنّ هناك تواطؤ، وهذا حسبه غير صحيح، فقلنا ما دام الأمر بهذه السهولة فلم لا نذهب ونعطي وجهة نظر أخرى حتّى يستمع إليها النّاس، وعندها توجهنا أنا والشيخ علي بن حاج وثلاثة إخوة من المكتب الولائي للعاصمة إلى التلفزيون.