عبد القادر حشاني-رحمه الله- 3 جوان 1991: وزارة الداخلية تصدر بيانا تقول فيه إنّها ستتّخذ سلسلة من الإجراءات الصارمة من أجل إعادة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي، أهم هذه الإجراءات "إعطاء تعليمات لقوات الأمن العمومي بتشتيت كلّ التجمعات غير المرخّص لها" ويعقب عباسي مدني على هذا البيان قائلا: "سنردّ على التحدّي بالتحدّي". * * 4 جوان 1991: * اشتباكات بين قوات الأمن ومناضلي الفيس المعتصمين بساحات العاصمة تخلّف، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، 6 قتلى وعشرات الجرحى، في حين تحدّث وزير الداخلية في ندوة صحفية عن سقوط قتلى بالرصاص في أماكن لم تتدخّل فيها قوات الأمن. * * 5 جوان 1991: * رئيس الجمهورية يعلن حالة الحصار في كامل التراب الوطني، ويؤجّل الانتخابات التشريعية إلى تاريخ غير محدود، ويقول: »أنّه قَبِل استقالة رئيس الحكومة السيد مولود حمروش وأنّ حكومة جديدة ستشكّل بعد الاستشارات الضرورية مع التشكيلات السياسية«. * * 6 جوان 1991: * بيان صادر عن رئاسة الجمهورية يفصح عن مرسوم رئاسي في 13 مادّة مؤرّخ في 4 جوان 1991، يقيم حالة الحصار لمدّة 4 أشهر قابلة للإلغاء في حال استتباب الأمن، ويعلن السيد أحمد غزالي (1) رئيسا للحكومة«. انتهى.وبعد توقيف الإضراب بأيّام قليلة تمّ اعتقال الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج يوم 21 جوان 1991. * * مؤتمر جبهة الإنقاذ في باتنة (الوفاء): * ومرّت هذه العاصفة بسلام، وعاد الرئيس الشاذلي بن جديد من جديد وحددّ موعدا آخر للانتخابات التشريعية وكان ذلك يوم 26 ديسمبر1991، واستعدّت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبقية الأحزاب لخوض غمار هذه الانتخابات. وللاستعداد الكامل لهذه الانتخابات عقدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ مؤتمر »الوفاء« بباتنة يومي 25 - 26 جويلية 1991 لتعيين رئيس جديد للهيئة التنفيذية للجبهة بعد اعتقال الشيخين (عباسي مدني وعلي بن حاج)، وأفرز هذا المؤتمر قيادة جديدة للجبهة الإسلامية للإنقاذ برئاسة عبد القادر حشاني (2) رحمه الله رئيس المكتب التنفيذي الوطني للجبهة مع ستة أعضاء رئيسيين هم: محمد السعيد رحمه الله، عثمان عيساني، رابح كبير ((3، أحمد الزاوي، قاسم التاجوري، يخلف شراطي ((4 رحمه الله(5). * عُقد لقاء الوفاء في قاعة سينما بولاية باتنة يومي 25 و26 جويلية اتُّفق فيه على قيادة جديدة وأُبرم على ما يبدو صفقة بين تيار في الإنقاذ مؤيد لسياسات عباسي مدني وبين تنظيم الجزأرة. تم في نتيجتها تجميد عضوية بعض المشتبه في قربهم من الحكومة وبعض دعاة الصدام مع السلطة. وهكذا تمّ تجميد عضوية بن عزوز زبدة ومحمد كرار والهاشمي سحنوني، وهم محسوبون بشكل أو آخر على السلطة أو من معارضي عباسي مدني، وقمر الدين خربان والسعيد مخلوفي المحسوبين على التيار المتشدد في جبهة الإنقاذ. وإذا كان إبعاد الثلاثة الأوائل واضحا كونهم عارضوا عباسي مدني، فإنّ إبعاد الآخرين كان رسالة واضحة إلى السلطة مفادها أنّ قيادة الإنقاذ مصرّة على العمل الشرعي ولن تلجأ إلى العنف. * قال عبد الكريم غماتي، الذي كان من بين الأعضاء الجدد الذين أضيفوا إلى مجلس شورى الإنقاذ في مؤتمر باتنة، »إنّ إعادة النظر في هيكلية الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت إحدى النقاط التي نوقشت في باتنة، فقد كان أعضاء في مجلس شورى الجبهة أدلوا بتصريحات صحافية تتعارض مع ما اتفق عليه في القنوات الداخلية للجبهة الإسلامية. لذلك قرر ملتقى باتنة تجميد عضوية بعض الأعضاء... مثل الهاشمي سحنوني وبن عزوز زبدة بسبب انتقادتهما لقيادة الجبهة الإسلامية بعدما كان تقرر فصل بشير فقيه وأحمد مراني من الجبهة الإسلامية للإنقاذ بسبب تحميلهما القيادة مسؤولية أحداث جوان »العصيان المدني«، كذلك جُمدت عضوية الأخوين السعيد مخلوفي وقمر الدين خربان بناء على طلب من أعضاء في مجلس الشورى السابق »أي قبل التعديل الذي طرأ عليه في باتنة« وكانوا قد طلبوا بفصلهما، ولكن بعد الخلاف الذي وقع بين الموافق والمخالف تمّ الاتفاق على حلّ وسط يقضي بأن تجمّد عضويتهما في مجلس الشورى. * وقبل انعقاد هذا المؤتمر أشرف الشيخ محمد السعيد على اجتماع في العاصمة حضرته قيادات إسلامية من 22 ولاية (من أصل 48 ولاية) انتهى إلى تشكيل قيادة جديدة بديلة للجبهة. لكن هذه القيادة البديلة قوبلت بانتقادات واسعة، إذ اعترض عليها أعضاء في مجلس الشورى رأوا أنّ هذه القيادة تسحب منهم حقّهم في تولّي قيادة الجبهة في ظلّ اعتقال قيادتها. كذلك قال بعض الإخوة إن القيادة الجديدة محسوبة في شكل كبير على تيار الشيخ محمد السعيد الذي كان اسمه واسم الشيخ عبد القادر حشاني الوحيدين اللذين أعلنا من هذه القيادة. كذلك اعترض أعضاء في مكاتب الولايات والبلديات على بعض الذين شملتهم التعيينات في القيادة البديلة على أساس أنهم لم يكونوا من العناصر المنخرطة في الجبهة وإن كانوا من القادة الإسلاميين المعروفين. وفي موازاة هذه القيادة، ظهرت تيارات أخرى تودّ أيضا قيادة الجبهة. فكان هناك تيار السعيد قشي يسانده عدد من قادة الجبهة مثل مختار ابراهيمي وعبد الله حموش وبن عزوز زبدة. في ظلّ هذه الانقسامات حصلت اتصالات بين قادة الجبهة لتقويم المرحلة. كان هناك اقتناع أنّ من الضروري وقف الانقسامات وعقد جلسات لمناقشة الخلافات وحلّها بدل أن يقاطع تيار تيارا آخر. ولهذه الغاية اختار عبد القادر حشاني ثلاثة ممثلين من الشرق وثلاثة من الوسط وثلاثة من الغرب للالتقاء بأعضاء مجلس الشورى الوطني تحت إشراف السعيد قشي وسبعة أعضاء آخرين (ولم يحضر حشاني الاجتماع). ناقش هذا الاجتماع شروط عقد مؤتمر موسع للجبهة وهو المؤتمر الذي عُقِد في باتنة... وتمّ الاتفاق في باتنة على توسيع مجلس الشورى الوطني مبدئيا بضمّ 12 عضوا جديدا إليه يمثلون المناطق الجزائرية. إذ اتفق الحاضرون على تقسيم »التراب الوطني«، أي الولاياتالجزائرية ال48، إلى أربع مناطق هي: منطقة الشرق: 12 ولاية (تمثلت ب36 مشاركا اختاروا عنهم ثلاثة ممثلين لمجلس الشورى) منطقة الوسط: 12 ولاية (36 مشاركا اختاروا عنهم ثلاثة ممثلين) منطقة الغرب: 12 ولاية (36 مشاركا اختاروا عنهم ثلاثة ممثلين) منطقة الجنوب: 12ولاية (حضر منها 30 مشاركا عن 10 ولايات واختاروا أيضا ثلاثة ممثلين) وشارك في الملتقى 18 من مجلس الشورى الوطني القديم 14 منهم من المحسوبين على السعيد قشي و4 في صفّ آخر (عبد القادر حشاني وقاسم تاجوري وعثمان عيساني وعاشور ربيحي) كذلك شارك 138 من ممثلي الولايات، ليبلغ المجموع الكلّي للحضور في ملتقى باتنة حوالي 156 عضوا«. * نص بيان مؤتمر الوفاء: * "... بعد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ظلما وعدوانا لتشتيت صفوفها وشلّ حركتها وإبطال فعاليتها في الساحة السياسية قصد إجهاض الحل الإسلامي في الجزائر بعد أن ثَبُتَ احتضان الشعب لها. تضافرت جهود أبنائها المخلصين لرصّ صفوفها وتفويت الفرصة على أعدائها فانعقد ملتقى الوفاء باتنة الأوراس الأشمّ الذي ضمّ مجلس الشورى الوطني وممثلي مكاتب الولايات يومي: * 13-14 محرم 1412ه الموافق ل 25 - 26 جويلية 1991م الذي توصل إلى النتائج التالية: * 1- تثبيت الشيخ عباسي مدني رئيسا للجبهة الإسلامية للإنقاذ والشيخ علي بن حاج نائبا له. * 2- تثبيت الشيخ محمد السعيد في مجلس الشورى الوطني. * 3- تجميد عضوية الإخوة الآتية أسماؤهم في مجلس الشورى الوطني إلى غاية انعقاد المؤتمر: * ابن عزوز زبدة الهاشمي سحنوني محمد كرار سعيد مخلوفي قمر الدين خربان. * 4- تكوين لجنة تحقيق تحقق أولا مع كلّ أعضاء مجلس الشورى الوطني ثم مع بقية هيئات الجبهة الإسلامية للإنقاذ. * 5- أ) دعَّم الملتقى مجلس الشورى الوطني باثني عشر عضوا يمثلون مختلف جهات البلاد ليُوَسَّع بعد أسبوعين بممثلين عن الولايات وبعض الفعاليات والكفاءات الإسلامية الموجودة على الساحة، التي أثبتت ولاءها ومصداقيتها تجاه الجبهة الإسلامية للإنقاذ. * ب) يعيّن المكتب التنفيذي الوطني المؤقت من بين أعضائه ملحقا صحفيا لتبليغ التصريحات الرسمية«. * * تنظيم صفّ الإنقاذ: * باشرت القيادة الجديدة للإنقاذ التي أفرزها مؤتمر باتنة فور انتهاء اللقاء بإعادة تنظيم الصفوف استعدادا للانتخابات التشريعية المقررة في 11 ديسمبر. وبحلول شهر سبتمبر كانت القيادة الجديدة الممثلة ب»المكتب التنفيذي الوطني المؤقت« قد اكتملت بإعلان أسماء أعضائها وهم: * 1- عبد القادر حشاني: مسؤول المكتب التنفيذي، رئيس اللجنة السياسية وملحق صحافي، وكان قبل ذلك يشغل منصب نائب رئيس اللجنة السياسية. * 2- قاسم تاجوري: رئيس لجنة التنظيم. وهو عضو مؤسس ل»الإنقاذ« وكان يتولّى سابقا منصب نائب رئيس لجنة التنظيم. * 3- عبد الكريم غماتي: رئيس لجنة الإدارة والوسائل العامة. وكان قبل ذلك يرأس مكتب ولاية تيبازة عن الإنقاذ. * 4- عاشور ربيحي: رئيس لجنة المال، وهو عضو مؤسس. وكان يشغل المنصب نفسه سابقا. * 5- يخلف شراطي: رئيس لجنة الدعوة والإرشاد. وكان قبل ذلك عضوا في اللجنة الوطنية للدعوة والإرشاد. * 6- عثمان عيساني: رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية. وهو أيضا من المؤسسين وكان يشغل سابقا منصب نائب رئيس اللجنة الوطنية للشؤون الاجتماعية (التي كان يتولاها الشيخ أحمد مراني). * 7- عبد الرزاق رجام: رئيس لجنة الإعلام. وهو كذلك من الأعضاء المؤسسين ل»الإنقاذ« وكان يشغل منصب »رئيس الديوان« لدى الشيخ عباسي مدني. * 8- نصر الدين تركمان: رئيس لجنة رعاية المجالس المنتخبة. ووظيفته السابقة رئيس مكتب ولاية المدية. * 9- رابح كبير: رئيس اللجنة المكلفة بالعلاقات مع الجمعيات غير السياسية، وكان سابقا عضوا في اللجنة الجهوية (شرق الجزائر). * * الهوامش: * 1 - سيد أحمد غزالي من مواليد 31 مارس 1937 تقلد منصب رئيس الحكومة الجزائرية من 05 جوان 1991 خلفا لمولود حمروش إلى غاية 8 جويلية 1992 أي في فترة حكم الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف، خلفه بلعيد عبد السلام. عرفت فترة حكم سيد أحمد غزالي أخطر الأحداث في الجزائر المستقلة: * - أحداث جوان 1991 التي أدت إلى سقوط مئات الضحايا من شباب الجزائر. * - إلغاء المسار الانتخابي يوم 11 جانفي 1992 وإقالة الرئيس الشاذلي بن جديد مما أدى بالجزائر إلى دخول في دوامة عنف أودت بحياة أكثر من 150 ألف جزائري. * - اغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 جوان 1992. * 2 - عبد القادر حشاني من مواليد قسنطينة (شرق الجزائر) عام 1954 عمل مهندسا بتروليا في شركة سوناطراك، أكبر مؤسسة اقتصادية عملاقة في البلاد تختص في استغلال النفط ونقله وتصديره، كان أبوه عضوا في المنظمة الخاصة التي شكلت المنبع الأول لقادة جبهة التحرير الوطني، يمثل تيار الجزأرة، تمثلت أهم أعماله في إقناع أعضاء الجبهة وأنصارها بضرورة خوض الانتخابات التشريعية بعد أن تم اعتقال الشيخين (عباسي مدني وعلي بن حاج). فقاد منذ (جويلية) 1991 المكتب التنفيذي للجبهة الذي انبثق عن مؤتمر باتنة، ثم وقع سجنه في 27 (سبتمبر) 1991 وأطلق سراحه بعد شهر حتى يشرف على مشاركة الجبهة الإسلامية في الانتخابات، وتم اعتقاله مرة أخرى مع رفاقه على إثر أحداث (يناير) 1992 ورفض في شهر (فبراير) 1994 الخروج من السجن تضامنا مع رفاقه فلم يشارك في ندوة الحوار الوطني الذي نظمته السلطات الجزائرية، وأطلق سراحه سنة 1997 ثم بعدها بسنتين في عام 1999 ثمّ اغتياله على يد مسلحين مجهولين. * 3 - ولد رابح كبير عام 1956 في ضواحي ولاية سكيكدة بالشرق الجزائري، انتقل رابح كبير من قريته الصغيرة إلى ولاية عنابة، حيث واصل دراسته الثانوية، وفي تلك الفترة انخرط في النشاط الديني والسياسي، ودخل في معارك ضد اليساريين الشيوعيين، وقد اشتد هذا النشاط عندما انتقل رابح كبير إلى الجامعة، حيث تعرف وقتها على التيار الإخواني المحلي، وأصبح أحد النشطاء ضمن هذا التيار الذي ترأسه آنذاك عبد الله جاب الله، وأطلق عليه حركة النهضة قبل أن يصير هذا الأخير زعيماً لها حينما تحولت إلى حزب سياسي في العام 1989. * غادر رابح كبير برفقة عدد كبير من زملائه تنظيم جاب الله ليلتحق بالجبهة الإسلامية التي أُنشئت مباشرة بعد اعتماد قانون حرية تشكيل الأحزاب السياسية في العام نفسه، وتولّى بذلك منصب نائب مدير المكتب التنفيذي المحلي للجبهة في مدينته، وبدأ نجمه يظهر خصوصاً بعد أن جرى توقيف قيادة الإنقاذ في صيف 1991 حينما أعلنه مؤتمر الوفاء »بباتنة« الاستثنائي، مسؤولاً عن الدائرة السياسية، وهو المنصب الذي يعدّ به الرقم الثاني في هرم القيادة بعد عبد القادر حشاني رحمه الله. تمكن »كبير« من مغادرة الجزائر سراً في أوائل العام 1992 بعد إلغاء نتائج الانتخابات مفلتاً بذلك من الإقامة الجبرية التي فُرضت عليه وتوجه إلى ألمانيا التي أقام فيها ومازال فيها إلى الآن. * 4 - الشيخ يخلف شراطي من حي الجبل ببلدية المقرية بالعاصمة خرّيج جامعة أم القرى بالمملكة السعودية، له إجازة في القراءات انضم إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ عند تأسيسها، وكان من الأعضاء الذين أفرزهم مؤتمر الوفاء بباتنة، ألقي عليه القبض في فيفري 1993 ومثل حضوريا أمام المحكمة الخاصة في العاصمة بتاريخ 29 ماي 1993 وصدر في حقه الحكم بالسجن المؤبّد، ولكن قتل في نفس السنة في عملية التمرد التي وقعت بسجن سركاجي سنة 1993. * 5 - لاحظ هنا أنّ القيادة الجديدة كلها من تيار الجزأرة.