في هذه الحلقة، يتحدّث الشيخ كمال قمّازي عن علاقة علماء الرابطة بالفيس، والمواقف المتناقضة لFFS من الجبهة، وتوقيف المسار الانتخابي، وكيف تلقت قيادات الفيس نبأ استقالة الشاذلي، وما تلاها من مظاهرات مناهضة لذلك، والمسؤول عن انزلاق البلاد إلى العنف، وموقف الجبهة من ذلك، وحقيقة ما كانت تسوّق السلطة عن حوارها مع الشيوخ في السجن... السلطة تعترف بأنّ تلك هي أنزه انتخابات منذ إقرار التعددية! اعترف رئيس الحكومة في ذلك الوقت أحمد غزالي بنزاهتها فلم يطعن في ذلك كما اعترف وزير الداخلية العربي بلخير ونشرت النتائج في أول جريدة رسمية لعام 1992 . لماذا كانت نزيهة ولم تزّورها السلطة ضدكم في رأيك؟ قبلها الشاذلي، سجّل تصريحا على التلفزة يوم 24 ديسمبر91 أي قبل يومين من إجرائها تعهّد فيه بنزاهة الانتخابات واحترام اختيار الشعب، وصدق الرجل، فالشاذلي بن جديد قام بأوّل انتخابات تشريعية حرة ونزيهة. أنتم كيف ناقشتم النتائج؟ سمعنا هذه النّتائج وسررنا بها كثيرا وقلنا لعلّها تكون فاتحة خير لحل الأزمة وعرسا للشعب الجزائري، لأنّها معطى في يد السلطة وبإمكانها توظيفها في الاتّجاه الصحيح، لكن ما بدأنا نراه في الصحف فيما بعد هذا هو وجود تململ. بدأت لجنة إنقاذ الجزائر في العمل؟ نعم بدأت مايسمى لجنة إنقاذ الجزائر وكان فيه تخويف وتأويلات ونسبوا للشيخ محمد السعيد رحمه الله قولا بأن سنبدأ في تغيير شكل المطعم والملبس خاصة الجرائد الفرانكفونية والتيّارات التغريبية، والصحيح أن الرجل قال في خطبة الجمعة بأنّ على الشعب الجزائري أن يعتمد على نفسه في العمل "فلا خير لأمة تأكل مما لا تنتج وتلبس مما لا تنسج" بعد أن شعر بأنّ هناك قوى إقليمية لا تقبل بفوز الإسلاميين. محمد السعيد بعد هذا أصبح يتحدث بصفته قياديا في الجبهة؟ في مؤتمر باتنة أصبح عضوا في المجلس الشوري الوطني. أفهم إذا أنّ الشيخ أحمد سحنون كان يزكّي المسار بحكم وجود محمد السعيد فيها. ليس الرابط هو انضمام الشيخ محمد السعيد، ولكن الشيخ أحمد سحنون منذ انشاء رابطة الدعوة الإسلامية التي كان من أعضائها عبّاسي مدني وعلي بن حاج وعلى جدي وقف وقفات جليلة قبل الانتخابات وبعدها حتى أنه أسس التجمع الإسلامي الجزائري مع بن خدة وبعض الشخصيات بعد وقف المسار الإنتخابي. أتكلّم عن مرحلة اعتقال الشيوخ، أين كانت هده الرابطة؟ بقي هناك تواصل فالشيخ أحمد سحنون بقيت له قيمته الاعتبارية. لم يصدر منه ما يوحي بأنّه مساند للجبهة في تلك الفترة أي أنّ وجود محمد السعيد فقط كان يؤشّر على مساندته. هو كان مؤيّدا لمسار الجبهة الإسلامية للإنقاذ حتّى في دخولها إلى الانتخابات. فالّذي وقع فيما بعد أنّنا شعرنا بوجود تمهيد لشيء ما، وكانت المسيرة التي سميّت بمسيرة الديمقراطيين التي قام بها FFS وأشّرت إلى محاولة الاكثار من الطعون للتشويش على نتائج الانتخابات التي أشرف عليها النظام بنفسه ورمى بكل ثقله فيها ورشح أغلب الأسماء الكبيرة من الوزراء والمسؤولين في ولاياتهم ودفع بالأسماء المعروفة شعبيا إلى الترشح كمستقلين وأكثر من الأحزاب الجديدة فزاد العدد عما كان عليه في المحليات السابقة ثم لما جاءت النتائج مخالفة لتوقعاته عمد في البداية الى الإكثار من الطعون. ضد نتائج الانتخابات؟ نعم قلت وبحكم وجود دور ثان فالFFS حاول استقطاب كل القوى الديمقراطية. تحذيرا من وصول الإسلاميين؟ في تقديري أنه حاول كسب أصوات الديمقراطيين في صالحه. لكن الFFS فيما بعد كان نعم المساند لقيادات الفيس في السجن!؟ فيما بعد كانت له مواقف يشكر عليها، فبعد توقيف المسار الانتخابي كان هناك لقاء بين حشّاني وآيت أحمد وعبد الحميد مهري لمحاولة التهدئة والتّحكّم في قواعد الأحزاب، لأنّ هذه الأحزاب هي الثلاثة الفائزة وشجّعنا هذا الاتّفاق وبلّغوا هذا للسلطات، ولمّا سئل مهري رحمه الله في حوار متلفز قيل له لمن بلّغت هذا قال بلّغنه لنزّار وأنّ جوابه الأمر انتهى فقد اتّخذنا مسارا آخر، لأنّهم في ذلك الوقت اتّصلوا ببوضياف ورسموا خطة ما بعد وقف الإنتخابات. فمسيرة ال FFS كانت من حقه، ولكنه حق أراد به النظام باطلا فتلك المسيرة وإن كان غرض ال FFS منها هو الكسب أكثر في الدور الثاني وليس توقيف المسار الانتخابي فاستعملها الاستئصاليون كورقة وذريعة يحتجّون بها من بين عدّة ذرائع أخرى لوقف المسار الانتخابي. النقطة التي ألغيت فيها الانتخابات وتم توقيف المسار الانتخابي هل كانت بعد هذه المسيرة؟ هذه مسيرة 02 جانفي والشّاذلي بن جديد استقال يوم11 جانفي وهي التي كانت نقطة التّحوّل، فبعد استقالته وإعلانه عن حل المجلس الشعبي الوطني وبلخادم قال بأنّه سمع هذا في التلفزة، والجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت تشعر بامكانية التوقيف رغم استعدادها للدّور الثاني وقامت حتّى بالتوعية الانتخابية التلفزيونية، واستمرّت الأمور بشكل عادي. ولكن كان هناك شيء يطبخ. في جانفي نشرت جريدة الفرقان التابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ والنّاطقة بالفرنسية أنّه كان هناك اجتماع عقده أبو بكر بلقايد بصفته وزيرا للإعلام مع مديري نشر الصحف في قاعة ابن خلدون وهيّأهم لتوقيف المسار الانتحابي فهناك من تكلّم عن ذلك داخلي كصحفيي "لوسوار دالجيري" حسب ما أظن وأيضا كتب عنه عمار بلحيمر، كما كانت هناك كلمة قبلها لأمحمد يزيد المجاهد والوزير في الحكومة المؤقتة في حصة بالتلفزة قبل الانتخابات أشار فيها الى امكانية فوز الاسلاميين، لكن هذا لا تقبله القوى الاقليمية، ويقصد أن فوز الجبهة الاسلامية لا يرضى عنه لا زين العابدين بن على ولا القذافي ولا مبارك ولا الحسن الثاني ولا ميتيران ولا جورج بوش الأب، وهو ما أشار اليه نزار في مذكراته الى أن نتائج الانتخابات أدت الى ارتباك واحباط الرأي العام وقلق البلدان المغاربية والأوروبية خاصة فرنسا. داخل السجن كيف ناقشتم الموضوع وما قراءتكم لاستقالة الشاذلي وهل فهمتم وجود صراع في السلطة بأنّ الشاذلي يريد المسار الديمقراطي أن يستمر وكانت جهات أخرى ضده؟ بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بتلك النسبة الكبيرة التي فرحنا بها رغم أنّ الشيخ علي قال لا تفرحوا كثيرا فلا أظن أنّهم سيتركوننا نواصل العمل في الشرعية عن طريق الصندوق، كان هناك توجّس، ولمّا أوقف المسار الانتخابي فهمنا أنّه انقلاب بسبب حل مجلس الشعبي الوطني واستقالة الرئيس فلو وجد رئيس مجلس الشعبي الوطني لأمكن إيجاد حل، ففهمنا أنّ هناك ضغوطا على الشاذلي بن جديد بدليل أنّه في تصريحاته الأخيرة قبل وفاته قال لو أنّهم تركوا الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحكم في تلك الفترة وتواصل عملها فهذا حقها. ويوم الجمعة 7 فيفري خرجت احتجاجات شعبية عبر ولايات الوطن بعد صلاة الجمعة فقمعت وسقط فيها ضحايا. هل كانت عفوية أم من تنظيم الجبهة؟ أشرفت عليها الجبهة الإسلامية للإنقاذ لانها كانت مطلبا شعبيا احتجاجا على توقيف المسار الانتخابي. فكان موقفنا في ذلك الوقت أنّه لابد أن نكون مع الشعب لا نسبقه ولا نتخلّف عنه فلا نكلّف الشعب ما لا يطيقه وإذا أراد القيام بالاحتجاجات والتعبير السلمي لا نتخلف عنه. ولكن بعد تلك المسيرة في 9 فبراير أعلنت حالة الطوارئ، وكان هناك تلميح إلى أنّه ستحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو ما وقع في 4 مارس. فهذا شيء نذكره دائما وهو أنّنا لما اعتقلنا وبقيت الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يلجأ النّاس إلى العنف بل التزموا العمل في الشرعية، ولكن بعدما حلّت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتم اعتقال حشّاني ورابح كبير وغيرهم من القيّادات في أقل من أسبوعين من مجيء بوضياف وتشريد بقية القيادات كتاجوري وشراطي ومحمد السعيد والكثير من القيادات المحلية في الولايات والتي فتحت لها المعتقلات في أقصى الصحراء ومنها أماكن في رڤان قرب مناطق تجارب فرنسا النووية، وتم فتح أبواب السجون والتعذيب والقتل خارج إطار القانون والمحاكم الاستثنائية والاعتقالات من أماكن العمل والبيوت ومنهم من لم يظهر له أثر إلى يوم الناس هذا. وقد كان يظن ما بات يعرف فيما بعد بالتّيّار الاستئصالي أن هذه اجراءات وقائية من ردة الفعل وارتدادات وقف المسار الانتخابي حتى لا تتجاوز الاحتجاجات بضعة شهور كما قال علي هارون، ولكن هذه الإجراءات الظالمة هي التي صبت الزيت على النار فاستمرت الأزمة واستفحلت لسنين طويلة. توقيف المسار الانتخابي وحل الجبهة هو الذي قاد النّاس إلى العمل المسلح.. هناك من يحملكم المسؤولية لأنكم لم تكبحوا جماح المناضلين؟ السلطة كانت تحاول إلصاق تهمة العمل المسلّح بالجبهة حتّى قبل الانتخابات التشريعية مثل حادثة ڤمار في نوفمبر 1991. ربّما بعض المحسوبين عليكم وليس بالضرورة أنتم؟ فيما بعد أراد النظام ان يسوّق القول بأنّ هؤلاء اناس يستخدمون العنف حتّى قبل الانتخابات، ثمّ ظهرت العديد من الصّور التي تريد إلصاق هذه التهمة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ والاستدلال بحادثة الاعتداء على ثكنة قمار والتي راح ضحيتها مجموعة من الجنود الأبرياء، وهذا غير معقول، حزب مقبل على انتخابات يتوقع الفوز فيها يقدم على عمل مشين كهذا، ثم وقع اتهام مجموعة من الشباب ومنهم كذلك حتى شيخ البلدية الذي كان غائبا منذ بضعة أشهر وهو الرجل المجاهد ابن جيش التحرير الوطني عمار لزعر، ومجاهدو الجهة والمواطنون يعرفون قدره وفضله وتفانيه في خدمة البلدية فلم يُر مثله في تواضعه واخلاصه حسب علمي ولا نزكي على الله أحدا ومدينة ڤمار كانت مدينة آمنة ومطمئنة اشتهرت في تاريخها الطويل بأنها أنجبت العلماء، وسكّان ڤمار رغم ما لحق بهم أعطوا صوتهم بالاغلبية لمرشّح الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي فاز بأكثر من 62 بالمائة في الدور الأول، وهذا دليل وشهادة على أنّ الناس تبرئ الجبهة من هذه التّهم. قبل توقيف المسار الانتخابي، لكن بعد وقوع الكارثة لم نسمع موقفا من الشيوخ داخل السجن وكأنّهم بسكوتهم أعطوا تزكية للأمر الواقع؟ فلم أحجم الشيوخ داخل السجن عن إدانة العنف؟ لن تستطيع التحكم في المناضلين من داخل السجن، خصوصا في ظل ذلك التسارع واعتقال السلطة لبقيّة القيادات ومنهم من أصبحوا مطاردين مثل محمد السعيد وشراطي وتاجوري رحمهم الله، فالنّظام أدخل البلد في فوضى كبيرة، فلمّا تعتقل القيادات ويبقى الشباب فمن ينصح ومن يوجه ومن يرفع صوت الحكمة!؟ وقد كان النظام ينتهج سياسة "الكل أمني" ولا يريد سماع الاصوات المخالفة، فلا حديث عن السلم أو المصالحة، ومن قال بهذا يتهم بأنه موال للجبهة الإسلامية للإنقاذ، والذي يرجع إلى كتابات تلك الفترة يرى كم عانى عقلاء هذه البلاد وحكماؤها من إمثال إحمد سحنون وعبد الحميد مهري وآيت احمد وبن خدة والكثير من أهل الفضل مما لا يتسع المجال لذكرهم والذين كانت أصواتهم صرخة في واد. هناك من يرد عليك ويقول إنّ كلمة واحدة من الشيخ علي بن حاج أو عبّاسي مدني من داخل السجن كانت ستحقن دماء الجزائريين لكنكم لم تفعلوا؟ هذا من النّاحية النظرية، ولكن المعلوم أن في الشهور الأولى للإنقلاب كنا في سجن عسكري ننتظر محاكمة عسكرية بعد بضعة أشهر ولا ندري ما مصيرنا، وكان المجلس الأعلى للدولة يحشد الدعم لسياسته ليبرر نجاح ما ذهب إليه من قاموا بالانقلاب ويصم آذانه عن الأصوات الداعية إلى تغليب العقل والحكمة والحوار، ونحن مع ذلك كنا دائما نبدي استعدادنا للمشاركة والمساهمة في أي حل سواء قبل توقيف المسار الانتخابي أو بعده، والنظام عمق الازمة، فكانت تتطلب تظافر الجهود وتعاون الكثير من اهل الخير لحلها. لكن سمعتم أنّ الجماعات المسلّحة بدأت في التّشكّل باسم الجبهة؟ نعم وهو أمر كان يتوقعه من أقدموا على عزل الشاذلي، لكنهم في كتابتهم فيما بعد قالوا كنا نتوقع هذا لبضعة شهور وليس لسنين عديدة. فالعنف لم ترتّب له الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا استعدت لمواجهة عنف النظام في حال وقوعه، فالإخوة رتبوا واستعدوا للانتخابات فقط، وبعدها اعتقل أكثرهم وحلت الجبهة الإسلامية.