سبق لهم أن رفضوا جبهة الإنقاذ ثم سيطروا على قيادتها وأجمعت الصحافة بمختلف اتجهاتها أنّ التجمع النسوي عرف مشاركة مكثفة، والاستجابة له كانت كثيرة من مختلف أرجاء الوطن، حيث شاركت في التجمّع المحجبات "وحتى السافرات من مختلف الفئات والأعمار"، وبالنسبة لأهم نقاط العارضة التي توجهت بها المجُتَمِعَات أمام المجلس الشعبي الوطني فيمكن تلخيصها في النقاط التالية : * التطبيق العملي للمادة الثانية والتاسعة من أحكام الدستور. * - إعادة النظر في كلّ قوانين الدولة على ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها مع إلغاء كلّ ما يتعارض مع النصوص القطعية والإجماع. * - وضع حد للهجمة "المسعورة" التي تشنها بعض وسائل الإعلام على مشاعر المواطن الجزائري. * - وضع حد للهجوم على مقدسات الأمة وثوابتها. * - وضع حد للمساس بكرامة المرأة المسلمة والمؤامرة المبيتة على الأسرة. * - التنديد باللهجة الوقحة التي تستعملها بعض الأحزاب في خطابها السياسي ضد ثوابت الأمة. * - التنديد بالأحزاب والجمعيات الداعية إلى اللائكية التي تحركها أيد خفية والتي نعتبر دعوتها مخالفة للدين، متنكرة للتاريخ خارقة للدستور ولا سيما المادة الثانية والتاسعة. * * - إلغاء القوانين والإجراءات الإدارية المخالفة لعقيدة وأخلاق المرأة الجزائرية، ونخصّ بالذكر: * * أ - الاختلاط الموروث عن الاستعمار والمفروض على أبنائنا. * ب - فرض تعرية رأس المرأة في الصور الخاصة بالوثائق الرسمية. * ج - إكراه الفتيات على ممارسة الرياضة في غياب الضوابط الشرعية. * * واعتبر بيان الرابطة الحضور في موعد مع الشعب ومع التاريخ إبراء للذمة من جهة ودقّ جرس الإنذار من جهة ثانية، بتذكيره بعدد من القضايا الحساسة والمستعجلة، فتفادي الخطر في نظر هذا البيان أيسر من علاج آثاره وهذه القضايا المستعجلة تتمثل في قانون الأسرة الذي يجب أن "يحسّن باستمرار ليخدم المصالح العليا للمرأة المسلمة" والإعلام الذي آن الأوان بالنسبة إليه "أن يتحرّر من العقول المأجورة والعقول المسمومة ليعود من منفاه، قصد "مسايرة الجماهير، التي أدركت أنّ الإسلام هو الحل والمرأة التي يجب على المجتمع أن يراعي خصوصيتها الفطرية في كلّ التشريعات والإجراءات، والإسلام الذي ليس مجرّد حزب أو مجموعة، بل هو صحوة شعب". * وكانت الرابطة الإسلامية بقيادة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله تسعى إلى جمع تكتّل ضخم وكبير، إذ كان يرى أن يقوم الإسلاميون بتشكيل حزب سياسي واحد يكون ناطقا باسمهم وجامعا لكلمتهم ومبلورا لمشروعهم أفضل من تفرقهم وتفريق الأمّة معهم، وجرت لهذا الغرض اجتماعات في مسجد السنة في باب الواديبالجزائر العاصمة ومسجد الأرقم في ناحية شوفاليي، لكن محاولات جمع الشمل هذه تبددت، فتأسست أحزاب إسلامية كثيرة وهي: * * 8 الجبهة الإسلامية للإنقاذ: * دارت اجتماعات وحوارات عديدة بين أقطاب الحركة الإسلامية كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها: * - دعوة الشيخ الشاب علي بن حاج إلى تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) إلا أن الدكتور الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسماً آخر هو (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، معللاً هذه التسمية بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، وهذه الجبهة (إسلامية) لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير (والإنقاذ). * - ويقال إن فكرة تأسيس الجبهة الإسلامية حملها من شرق الجزائر سعيد قشي، ومن الوسط علي بن حاج والهاشمي سحنوني وعباسي مدني، ومن الغرب محمد كرار، وبعد هذه الاتصالات التمهيدية، حصل اجتماع تمّ فيه تأسيس الجبهة. وقد حصل ذلك في مسجد السنة في باب الواد في فبراير 1989 وفي مارس تم الإعلان رسميا عن تأسيس الجبهة في مسجد ابن باديس في القبة، وكان الشيخ عبد الباقي صحراوي رحمه الله هو من أعلن تأسيسها. * "والجبهة الإسلامية للإنقاذ هي حزب سياسي جزائري يعرف اختصارا ب ج.إ.إ. (Fis)، أُنشئ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية التي فرضتهما الانتفاضة الشعبية يوم 5 أكتوبر 1988، واعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع شهر سبتمبر 1989 ويترأسها منذ تاريخ تأسيسها الشيخ عباسي مدني وينوب عنه الشيخ علي بن حاج، وكان عدد الأعضاء أثناء التأسيس 13 عضوا، وتنتمي الجبهة الإسلامية للإنقاذ تاريخيا إلى الحركة الإسلامية الجزائرية والحركة الوطنية التي عملت على تحرير الجزائر من وطأة الاستعمار وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام، وتسعى إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب، والأهداف التي أنشئت لأجلها الجبهة الإسلامية للإنقاذ كما جاء في بيانها الأوّل تتلخص في النقاط التالية: * * الأولى: تطبيق الإسلام في كلّ النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها.. * الثانية: تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية. * الثالثة: النهوض بالشعب إلى النموذج الإسلامي القرآني السنّي. * الرابعة: توجيه الشعب والسير به إلى المنهج القويم والصراط المستقيم المانعين من المخاطر الضامنين للنجاح والمحققين للمراد من الصحوة الإسلامية. * الخامسة: الإشعاع على العقول بأنوار الهداية وإنعاش الضمائر بالغذاء الروحي الذي يزخر به القرآن والسنة، وشحن الإرادة الخيّرة للأمة بالطاقة الإيمانية الفعالة. * السادسة: العمل بالدين القويم لإنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت. * السابعة: العمل على وحدة الصف الإسلامي والمحافظة على وحدة الأمة. * الثامنة: تقديم بديل كامل شامل لجميع المعضلات الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في نطاق الإسلام كما جاء في القرآن والسنة. * العاشرة: تشجيع روح المبادرة وتوظيف الذكاء والعبقرية وجميع الإرادات الخيِّرة في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري." اه * * بين جبهة الإنقاذ وقادة الحركة الإسلامية: * كان من المعلوم عند كلّ المتتبعين أنّ تأسيس هذا الحزب (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) الذي لم ينل الترخيص الرسمي من وزارة الداخلية حتى سبتمبر 1989 "لم يكن محل ترحيب واسع في الساحة الإسلامية الجزائرية، ذلك أنّ هذه الساحة كانت محتكرة، وإن في شكل غير رسمي، من قيادات إسلامية تعتبر أنها أحق وأجدر في إدارة شؤون الإسلاميين الجزائريين من قادة الجبهة الإسلامية، فالشيخ محفوظ نحناح والشيخ محمد بوسليماني كانا يشرفان منذ فترة طويلة على تيار إسلامي معروف في الجزائر هو التيار العالمي ل "الإخوان المسلمين" كذلك فإنّ الشيخ محمد السعيد كان يُشرف بدوره على تيار آخر ناشط منذ السبعينيات هو تيار الجزأرة، وهو بطريقة أو بأخرى يُعتبر صيغة محلية لتيار "الإخوان" العالمي. أما في شرق الجزائر فكان هناك تيار إخواني محليّ آخر يشرف عليه الشيخ عبد الله جاب الله. وقد وجدت هذه القيادات جميعها نفسها فجأة في مواجهة ناشطين إسلاميين مصرّين على تأسيس حزب جديد مستقل يستوعب التيارات الإسلامية المختلفة. * الجزأرة وجبهة الإنقاذ: * مع طرح فكرة تأسيس الإنقاذ بدت الجزأرة مترددة في دخول معترك العمل السياسي. ويقول منتمون إلى هذا التيار إنّ قياديي "الجزأرة" اختلفوا في تلك الفترة في موضوع العمل السياسي العلني الذي كانت "الإنقاذ" تستعدّ لمباشرته بقيادة الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج. وكان من بين الأسباب التي تذرّع بها المتحفظون عن المشاركة في العمل السياسي العلني الشك في نيات السلطة، إذ قالوا إنها ستستخدم التعددية لكشف معارضيها، مما سيسمح لها بضربهم في الوقت الملائم بعد أن يكونوا قد كشفوا عن أنفسهم بخروجهم من السرية التي التزموها منذ الاستقلال. وأثّر ذلك التحفظ في ما يبدو في بداية النشاط العلني ل "الجزأرة" إذ جادل قادة هذا التيار ضد تأسيس "الإنقاذ" في فيفري 1989، وفضّلوا أن يُمارس العمل الإسلامي في غطاء يجمع كلّ التيارات، وتمّ اقتراح الشيخ أحمد سحنون ليقود هذا الإطار الجامع الذي اطلق عليه اسم "رابطة الدعوة الإسلامية" وقد عبّرت هذه الرابطة في شكل غير مباشر عن مخاوف الجزأرة وغيرها من التيارات الإسلامية، إذ اعتبرت أن العمل الدعوي يجب أن يأتي قبل السياسي، وهو ما يبدو أنه يتعارض مع ما كان المتحمسون لتأسيس "الإنقاذ" يسعون إليه. * وتقول أوساط "الجزأرة" إنّ الشيخ أحمد سحنون الذي يعتبر العديد من الإسلاميين أنه يشكل غطاء تنشط "الجزأرة" في ظله، أوفد الشيخ محمد السعيد إلى الاجتماع التأسيسي ل "الإنقاذ" الذي كان يُعقد في مسجد السنة في باب الواد، بهدف إقناع المؤسسين بإرجاء إعلان الجبهة. وكان مبرّر الشيخ سحنون لطلب تأجيل إعلان تأسيس "الإنقاذ" حصول تشاور أوسع مع قادة التيارات الإسلامية المتعددة في الجزائر. وألقى الشيخ محمد السعيد كلمة في مؤسسي الجبهة، لكنه لم يفلح في إقناعهم بتأجيل إعلان خطوتهم... وبين الإعلان التأسيسي ل "الإنقاذ" في فبراير والإعلان الرسمي عنها في مارس عقدت اجتماعات عدّة بهدف تذليل الخلافات بين مؤسسي "الإنقاذ" وبقية التيارات الإسلامية. * وكان من بين تلك الاجتماعات ذلك الذي استضافه الشيخ أحمد سحنون في منزله في بداية مارس وحضره عباسي مدني وعلي بن حاج وأسفر عن اتفاق على تشكيل "رابطة الدعوة الإسلامية" برئاسة سحنون نفسه. لكن ذلك الاجتماع لم يؤدّ على إقناع علي بن حاج ورفاقه بعدم إعلان تأسيس الجبهة. * ويُنقل عن علي بن حاج قوله في هذا الإطار أن عدم إعلان الاجتماع التأسيسي ل "الإنقاذ" في فيفري وظهور الجبهة إلى العلن كان تأجيلا فقط للإعلان وليس تراجعا عنه، في إشارة إلى عدم اقتناع المؤسسين بطلب الشيخ سحنون تأجيل إعلان الجبهة. وكان الشيخ سحنون برر طلبه تأجيل تأسيس "الإنقاذ" بأنّ من الأفضل "توحيد صوت الأمة وتوفير إطار منظم لتوجيه الجهود. * * انضمام الجزأرة لجبهة الإنقاذ: * وبعد هذه الأحداث تأسست الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكان الشيخ محمد السعيد رحمه الله رافضا فكرة تشكيل (حزب إسلامي ابتداء) أو الانضمام إليه، ولكن ما لبث أن التحق بها قُبَيْل الانتخابات البلدية بأيام قليلة، والتي عرفتها الجزائر يوم 12 جوان سنة 1990، وقد صرّح بانضمامهم الشيخ عباسي مدني في اجتماع الولايات الثالث الذي انعقد بالمكتب الوطني للجبهة الإسلامية للإنقاذ يوم الثلاثاء 01 ماي 1990، فالتحق الشيخ محمد السعيد وجماعته بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ودخلوها كالغزاة واحتلّوا فيها أكثر وأكبر المراكز المهمة وخاصة عند إدخال الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج إلى السجن، ويَذكر أتباعهم بأنّهم انظموا إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ بغاية إصلاحها من الداخل وأنّ بعض كوادرها التحقوا بها بتشفع من عباسي مدني ليعينوه على ما ورّطه فيه السلفيون، وذكر بعض المختصين في هذا الشأن أيضا أن: جماعة محمد السعيد أو أصحاب تنظيم الجزأرة كما يطلق عليهم انظموا إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ بغاية الاستيلاء عليها حتى يصادروها ويُصبحوا هم أصحاب القرار فيها، قال الشيخ أحمد مراني((1 أحد القياديين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ: "أود أن أركز هنا على تيار خطير هو المسمى "الجزأرة". هم جماعة متآمرة همها الوصول إلى قيادة الحركة الإسلامية، هم لم يكونوا معنا (أي في الجبهة) في الانطلاقة، لكن حين شعروا بأن الجبهة تَقَوَّت وكسبت موقعا سياسيا كبيرا في البلاد وهي قريبة من الحكم تسللوا داخل الصفوف وقد تمكنوا من الوصول إلى رئاسة نسبة معتبرة من مجالس البلديات والولايات التي فازت بها الجبهة في انتخابات 12 يونيو 1990، وهذا التيار لا يزال يبحث عن القيادة وهو الذي نَظَّم المؤتمر الأخير (أي مؤتمر باتنة) وسيطر عليه، أتذكر أن عباسي مدني تنقل إلى تلمسان لإلقاء دروس وشرح مواقف الجبهة لكنه لم يجد أي مكان يُسمح له فيه بالحديث إلى الناس كون منطقة تلمسان كان يسيطر عليها تنظيم "الجزأرة" بشكل يكاد يكون مطلقا، وحين تَقَوّت الجبهة أطلقوا تعليمات بالانخراط الجماعي فيها، فدخلوا كالغزاة بهدف السيطرة على المناصب الحساسة، ولقد حققوا هدفهم بالفعل بعد ما تفرقت القيادة السابقة بانسحاب البعض واعتقال البعض الآخر، فعقدوا مؤتمر باتنة واستولوا على الجبهة، وبعد وقف المسار الانتخابي ودخل الإسلاميون المسلحون السرية وتأسست الجماعة الإسلامية المسلحة وتَقَوَّتْ عملت "الجزأرة" على الانخراط فيها واحتوائها ووصل بعض أفرادها إلى مناصب كبيرة كأمراء مناطق مثلا، وكانوا يريدون تنصيب محمد السعيد أميرا وطنيا عليها، ولما كشف جمال زيتوني الأمير الوطني للجماعة وقتها قتل عدد كبير منهم ومن بينهم محمد السعيد وعبد الرزاق رجام (وهما من قيادات جبهة الإنقاذ التي أفرزها مؤتمر باتنة)".اه * ويوضح قريبون من "الجزأرة" أنّ انخراط أنصار هذا التيار في الجبهة الإسلامية جاء بالتدريج(2) إذ أن الشيخ محمد السعيد دعا إلى مؤتمر لأنصار جماعته لدرس قضية الدخول في الإنقاذ. لكن خلافات ظهرت في ذلك المؤتمر إزاء هذا الموضوع، بين تيار أيد الانضمام إلى الإنقاذ وبين تيار آخر عارضه. فكان أن تقرر ترك حرية الاختيار لمن يشاء أن ينظم إلى الإنقاذ، وهذا ما فعله كثيرون من أنصار الجزأرة. وترفض الجزأرة أن تصف ما حصل في ذلك الوقت بأنه انشقاق أو انقسام داخلها، مُعتَبرة أنّ كثيرين من الذين انضموا إلى الإنقاذ من صفوفها، إنما انضموا لتقديم الدعم الذي تحتاجه الجبهة الإسلامية في المناطق التي ينشطون فيها. * وفي هذا الإطار يقول أحد أعضاء المكتب التنسيقي لجبهة الإنقاذ في الخارج إنّ "ظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ وخوضها المعترك السياسي وتبنيها المشروع الحضاري الإسلامي طمأن جلّ إطارات وقواعد الحركة الإسلامية "أي الجزأرة" فدعّموا الحزب الإسلامي على كلّ المستويات لا للاحتواء كما يشاع ويدّعيه من في نفسه شيء، ولكن للمؤازرة والتقويم والنصرة لأنّ مشروع الجبهة أكبر من ذواتنا وطموحاتنا الضيقة، وقد امتنعوا عن تشكيل حزب "كالنهضة وحماس" لهذه الأسباب بالذات".