يواصل الشيخ كمال ڤمّازي، شهادته عن الفيس.. في هذه الحلقة تحدّث عن اعتقال الشيخ محمد السعيد، وانضمام تيّار البناء الحضاري إلى الجبهة بعد مؤتمر باتنة، وعن إضراب الشيوخ عن الطعام داخل السجن، وعن المفاجأة التي أحدثتها الجبهة عند فوزها بالأغلبية الساحقة إلى تشكيل لجنة الإنقاذ الوطني. تواصلتم مع فريق كامل من المحامين أم هو محامٍ واحد؟ كلّهم حتّى توصلنا في الأخير إلى 22 محاميا كان فيه الأستاذ عمار بن تومي وهو محامي الشيخ عبّاسي في السجن أثناء فترة الاستعمار. وأيضا محامي صدّام حسين؟ نعم، أصبح محاميا دوّليا وهو عميد المحامين فحتّى عندما قدّمنا عريضة كان هو من قرأها فشعرنا أنّه يوجد تعسّف، فكيف تعتقل قيادة حزب معتمد. فالقضية سياسية وتحل بالطرق السياسية. كان مطلبكم هو المحاكمة أمام محكمة إدارية؟ كنّا ضد اعتقالنا لأنّنا أولا لم نسرق أو نقتل أو نفعل أي شيء يستوجب هذا الأمر الذي قامت به السلطة، وحتى اذا ادعوا أننا ارتكبنا شيئا فنحن مستعدون لإثبات براءتنا أمام محكمة علنية على المباشر في التلفزة، محاكمة شرعية أو وطنية حيادية أو دولية، وهذا ما قيل حتى للرئيس زروال في ما بعد. فقد كنا في اتّصال مع حمروش وغزالي ومهري ومسؤولين في الدولة ثمّ بعد ذلك حين لم نتفق أصبحنا في السجن، فشعرنا أنّ هذا انتقام وتعسف في استعمال السلطة، ولازلنا نعتقد إلى يومنا هذا بأنّ قضيتنا كانت سياسية، ونحن أبرياء من كل ما ادعوه . كم دامت الفترة إلى غاية المحاكمة؟ وهل تستطيع أن تسرد لنا أهم الأحداث؟ سنة، قمنا بالإجراءات القانونية كطلب الإفراج المؤقّت علّه يكون فسحة للسلطة من أجل حل الأزمة أو أي مخرج آخر ولكن كلّ هذا قوبل بالرفض . رفضوا الاستجابة. كنّا نتابع عن طريق المحامين وضع إخواننا في الجبهة الاسلامية للانقاذ لأنّنا شعرنا أنّ هناك محاولة تحييد طرف معيّن من قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ حتّى تكون هناك فرصة لوضع قيادة بديلة . تقصد من السلطة. نعم، وهذا ما قاله مرّاني بعد ذلك في ندوة صحفية عقدها بأنّه سيفتح المقر ويستأنف نشاط الجبهة. هل السلطة حاولت تنصيب قيادة جديدة للفيس؟ ظهورهم بالتلفزة وتلك الامتيازات التي تمتّعوا بها كانت توحي بشيء ولكن لا أستطيع الحكم. وكان حشّاني في تلك الفترة قد اختفى لمدّة تزيد عن الشّهر بسبب الملاحقة. هم يقولون بأنّه لم يصدر أمر بالقبض عليه. كان يشعر بأنه معرض للاعتقال. هل كان معكم محمد السعيد؟ بعد أسبوع من اعتقالنا عقد ندوة في القبّة وكانت يوم الأحد. بأي صفة.. فالمعلوم أنّه ليس عضوا في مجلس الشورى؟ التاريخ يشهد له أنه وقف وقفة رجل خاصة بعد فراغ الساحة في الأيام الأولى لاعتقال الشيوخ، فألقى دروسا في مسجد النور بوادي قريش وقام بتهدئة الناس وقد كلّفه الإخوة على رأسهم حشاني رحمه الله بقراءة البيان وبحضوره في القاعة. فألقى كلمة ثم اعتقل على إثرها. كلمة فيها الهجوم على السلطة والدّفاع عن الشيوخ؟ أكيد فيها دفاع عنّا وفيها إشعار بأنّنا اعتقلنا ظلما بغير وجه حق، ومحمد السعيد رجل هادئ وليس رجل تصعيد. جاؤوا به إليكم في السجن؟ لمّا اعتقل جيئ به إلى سجن البليدة في المكان الذي كنّا فيه. وفي تلك الفترة كانت الندوة التي أجراها غزالي مع الأحزاب في التلفزة ولمدة ثلاثة أيّام، فكانت أغلب الأحزاب تطالب بإطلاق سراحنا، لأنّ هذه تعتبر سابقة أن حزبا معتمدا يعمل في الشرعية وبعدها تؤخذ قيادته إلى السجن فهذا شيء خطير، وبالمناسبة أتقدم بالشكر لكل من قال كلمة حق في ذلك المقام. وبعده انعقد مؤتمر الوفاء في باتنة والذي اجتمع فيه الإخوة من رؤساء المكاتب الولائية مع البقية من أعضاء المجلس الشوري حسب وصيّة الشيخ عباسي وبن حاج التي تلاها الشيخ عبد القادر حشّاني رحمه الله لتطبيق ما جاء فيها. في مؤتمر باتنة قيل بأنّ جماعة الجزأرة اتّخذت قرارا بانضمام قياداتها إلى الفيس وقيل بأنّها سيطرت على الفيس بشكل تام، حتى أنّ الذين ترشحوا في الانتخابات التشريعية تحت مظلّة الفيس وفازوا أغلبهم إطارات الجزأرة؟. الشيخ عبد القادر رحمه الله لم يقدّم هذه الصورة، والأكيد أنّ الإخوة في "البناء الحضاري" في تقديري أنّهم لم ينضموا إلى الجبهة خلال مؤتمر باتنة بل من قبل، وقبل الانتخابات البلدية كانت التيّارات الإسلامية بصفة عامّة مترددة ومشككة في نية السلطة وبعد فوز الجبهة الاسلامية في الانتخابات المحلية في جوان 90 وقع الإقبال على الجبهة الإسلامية للإنقاذ من التيّارات التي أرادت دخولها وهناك من أسّسوا أحزابا كنحناح وجاب الله... وفي مؤتمر باتنة تدعم المجلس الشوري بدخول الشيخ محمد السعيد والشيخ يخلف شراطي رحمهما الله. بل قالوا إنّهم في باتنة سيطروا على القيادة وإلا كيف تفسر الهيئة البرلمانية التي يرأسها أنور هدّام؟ هذه المعلومة غير صحيحة، بل القوائم التي تقدّمت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيها أسماء معروفة، وأغلبها إطارات وكفاءات محلية. هل كان ما يجري في مؤتمر باتنة بتنسيق معكم في السجن؟ كان في البداية المجلس الشوري المعروف ثم جزء منه اعتقل وجزء آخر ذهب إلى التلفزة، ومنهم من سار مع هذا التيّار وهناك من لزم بيته وعفاه الله سبحانه وتعالى من الاعتقال. فاجتماع رؤساء المكاتب الولائية هو على أساس استئناف عمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ لقيادة أصيلة تنسجم مع توجهات إطارات وقاعدة الجبهة الاسلامية للإنقاذ. فهذه محطّة تاريخية فاصلة أسّست لقيادة جديدة التزمت بالخط الأصيل للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وضمنت الاستمرارية وكان على رأسها الشيخ عبد القادر حشّاني رحمه الله. ماذا عن الإضراب عن الطعام الذي قمتم به داخل السجن؟ هناك محطّة في السجن يوم 08 سبتمبر بعد رفض الطلبات ورفض الاعتراف بأنّها قضيّة سياسية، أي بعد أكثر من شهرين من الاعتقال قمنا بإضراب عن الطّعام وأغلب الإخوة تضرروا، فالشيخ عبّاسي أخذ إلى المستشفى والشيخ علي بن حاج أيضا تأثّر كثيرا. كنتم تقتاتون بالحد الأدنى أو لا تتناولون شيئا ما؟ الماء والسكر فقط، وهذا لمدة 11 يوما. هل أثر هذا الاضراب عن الطعام على السلطة؟ خصوصا وأنّ الصحافة تناولته في ذلك الوقت. الصحافة تناولته وعائلاتنا تضامنت معنا وقامت باحتجاج واتصلت برئيس الحكومة غزالي، كما تحرك الرأي العام الوطني والعربي والاسلامي وعدد من الأحزاب والشخصيات الوطنية والاسلامية، وهنا لابد من وقفة تقدير وعرفان للبيان الذي أصدرته مجموعة من الشيوخ والشخصيات يوم 12 سبتمبر 91 وعلى رأسهم الشيخ أحمد سحنون وبن يوسف بن خدة عليهما رحمة الله ومنهم الشيخ الطاهر آيت علجت ولخضر الزاوي والعقيد محمدي السعيد رحمه الله والدكتور طالب الابراهيمي وعبد الله جاب الله وآخرون، وقد طالبوا النظام بتصفية الأجواء السياسية وأعلنوا عن إنشاء "اللجنة الوطنية لمساندة المساجين السياسيين" وعن تضامنهم المادي والمعنوي مع ضحايا القمع في البلاد وطالبوا بالإطلاق الفوري للمساجين السياسيين وعلى رأسهم قيادة الجبهة الاسلامية للانقاذ خاصة بعد تدهور وضعهم الصحي جراء الإضراب عن الطعام منذ 08 سبتمبر91 كما طالبوا بإعادة العمال المطرودين الى مناصبهم ودعوا القوى المحبة للسلم في الجزائر الى الالتحاق والتضامن مع هذا النداء، وهي وقفة تاريخية تحسب لهؤلاء الرجال الذين نعتقد أنه لو أخذت السلطة بمبادرتهم الحكيمة لجنّبت الجزائر المحن والمصائب. أي أنّكم نجحتم في التأثير على الرأي العام؟ لم نقم بهذا الإضراب للتأثير على الرأي العام، بل كان سعيا لنيل الاعتراف بحقنا في أن قضيتنا سياسية والحصول على الأقل عن إفراج مؤقت كخطوة نحو ايجاد مخرج للقضية، إذا كان للسلطة حقا الإرادة السياسية في ذلك. وكيف أنهيتم الإضراب مع أنّ السلطة لم تستجب؟ هل رأيتم أنّه يشكّل خطرا على حياتكم؟ كانت هناك اتّصالات من النّائب العسكري، حيث كان معنا مدير السجن في اتّصال يومي لنقل وضعنا، وبعد اتّصال المحامين والأسر أوقفنا الإضراب لأنّنا بعدها كنّا على أبواب الانتخابات فقلنا لعلّ تكون عندنا فسحة في هذا الجانب خصوصا وأنّ الإخوة اقترحوا أن نرشّح للانتخابات التشريعية فيكون هذا مخرجا سياسيا وقانونيا لهذه الأزمة. ألم تتناولوا الجانب الشرعي في جواز الإضراب عن الطعام من عدمه؟ بل تكلّمنا فيه، وبالمناسبة أذكر أنه جاءتنا جريدة فيها مقال للهاشمي سحنوني يقول فيه بأنّ الإضراب غير مشروع. ولكن هل كانت لكم حججكم الفقهية؟ أكيد، لقد تدارسنا وتكلمنا عن هذا الأمر قبل الدخول فيه لعدة أيام وبالاعتماد من الناحية الشرعية على الأثر المرفوع الذي رواه الإمام مالك وغيره "لا ضرر ولا ضرار"، فالضرر منتف في الشريعة الإسلامية فلا يجوز للإنسان أن يضر لا نفسه ولا غيره والله سبحانه وتعالى يقول في سورة النّساء "ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما". لكنّكم أضررتم أنفسكم. الإضراب يكون إلى الحد الذي يحتمله الإنسان ويطيقه، ولم تكن في ذلك الوقت وسيلة أخرى للاحتجاج حتّى نحاول التعبير عن الظلم الذي نعانيه والأذى الذي يعيشه. بعد توقيفكم الإضراب كيف عشتم نتائج الانتخابات التشريعية؟ هل كنتم متأكدين من الفوز؟. بعد استدعاء الشاذلي بن جديد للهيئة النّاخبة وتحديد موعد الانتخابات ب26 ديسمبر بقي السؤال: هل تشارك الجبهة الإسلامية للإنقاذ في هذه الانتخابات أم لا، ففي البداية أعلنت الجبهة أنّها لن تشارك في الانتخابات حتى يطلق سراح قيادة الجبهة. وكيف كان موقفكم ؟ كان الإخوة مستعدين لكل الاحتمالات، بلا شك، وأودعت الملفّات في كل الولايات والدّوائر، وجبهة التحرير في ذلك الوقت وضعت القانون الجديد بأنّ المترشّح لابد أن يضع ملفّه بيّده وهذا سدا لطريق ترشحنا، ووقع أنّ جبهة التحرير كان أحد مرشّحيها غائبا وبحكم هذه المادّة لم يستطع وضع ملفّه، فوضعت في كل الدّوائر إلا واحدة في ولاية غرداية، إلا أنّ الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ وضعت في كل الدوائر، ونحن استشارنا الإخوة في المشاركة من عدمها، ومن خلال سيّاق الأحداث أحببنا معرفة رأي الإخوة قبل كل شيء، فوجدنا أنّ الرأي الغالب في الولايات هو المشاركة، وكانوا متأكدين من خلال الاستطلاعات أنّه ممكن أن تفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنسبة كبيرة . كانوا يظنّون أنّها لن تفوز بالأغلبية؟ تقديراتنا كانت متوافقة مع النتائج أو أكثر منها بعض الشيء، عكس تقديرات السلطة التي كانت تنتظر أن تأخذ الجبهة الإسلامية للإنقاذ 30 بالمائة أو الثلث على أكثر تقدير، وهذا حسب تصريح العربي بلخير وغيره فيما بعد. وأثناء تشاورنا رأينا أنه من مصلحة الشعب الجزائري واستعداداته وما يمكن أن نقدمه في حال فوز الجبهة من تغيير وإصلاح يعود بالنفع على الأمة، أن نشارك في الانتخابات وهذا الرأي تبلور بعد نقاش طويل بين الاخوة، اذ كان منهم في البداية الموافق والمعارض، ولكن الرأي الغالب في الأخير كان المشاركة، وقد نظرنا من جانب آخر الى أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحاك ضدّها المؤامرات وأنها يمكن أن تضرب من النافذين من التيار التغريبي او ما عرف آنذاك بحزب فرنسا، وأن هذا آت كما يقول المثل الشعبي "في العيد أو في عاشورا"، أي أنّنا معرضون لهذا الخطر اليوم أو غدا، فمن الأفضل أنّ ندخل الانتخابات، وأخبرنا الإخوة بهذا، فشاركت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتابعنا النّتائج في التلفزة في ذلك الوقت وما رافق الانتخابات من إقبال شعبي كبير وصلت نسبة المشاركة إلى 60 بالمائة، وهذا رغم استعمال الحافلات ومساعدة النّاس للوصول إلى مكاتب الاقتراع وحثهم سواء من الجبهة أوالسلطة أو الأحزاب، لأن الحدث كان تاريخيا ومصيريا بالنسبة للجزائر، فكانت الطوابير الطويلة التي تشبه ما نراه اليوم في أوربا والدول التي تتميز بانتخابات نزيهة. ما الذي تريد قوله؟ الآن ترى مكاتب الاقتراع فارغة، وقد تكون النسبة أكثر من 60 بالمائة؟ . . يتبع