لازمت الراحل لخضر بورقعة لسنوات في حله وترحاله، ومن خلاله تعرفت على جيل الثورة الذي نذر نفسه لتخليص البلاد من الاستعمار، كان عمي لخضر شعلة من النشاط والحيوية لدرجة أنك تنسى أنك من رجل تجاوز الثمانين، كلما أرافقه في سفر داخل الوطن أو خارجه أشعر أني أعيش الثورة بكل مراحلها، سرد لي تفاصيل المعارك التي خاضها مع رفاقه في جبال الشريعة والونشريس، مرورا على الخيبة التي عاشها غداة وقف إطلاق النار وهو يشاهد الطريقة التي دخل بها جيش الحدود إلى الجزائر. وبقدر الألم الذي ينتاب عمي لخضر وهو بروي تفاصيل مسيرته الطويلة في الكفاح والنضال بقدر شعوره بالمسؤولية عندما يتحدث عن مخاطر التدخل الأجنبي عندما يتعلق الأمر بخلاف داخلي، وهذا سبب موقفه الرافض لمسار ثورات الربيع العربي التي سمحت بالتدخل الأجنبي بل استدعه لتدمير البلدان العربية وهو بالذات ما حدث في سوريا واليمن وليبيا ودول أخرى. لقد وجدت في عمي لخضر الشهامة والوفاء والتواضع وكان يحمل هم كل الوطن العربي والإسلامي وينصر المظلومين في كل مكان وكانت فلسطين جرحه النازف أما سوريا فكان مجرد ذكرها أمامه يبكي بحرقة لما آل إليه هذا البلد الشقيق من دمار وخراب إلى أيدي الأشقاء. طالما شجعني عمي لخضر على المضي قدما في أعمال الإغاثة الإنسانية التي كنا ننفذها في عدد من مناطق النزاع والحروب، ولا أذكر أن لم يبادر بالاتصال والسؤال خلال تسييرنا لرحلات الإغاثة إلى فلسطين أو بورما أو سوريا مباركا ومشجعا على المزيد وكان يقول لنا نحن قمنا بالجهاد الأصغر أما أنتم توليتم مسؤولية الجهاد الأكبر. عمي لخضر كان ينتصر لكل مظلوم بغض النظر عن عرقه ولونه ويعرف عن عمي اعتزاز بالانتماء العربي والإسلامي والأمازيغي للجزائر، وقد نال احترام جميع الاتجاهات من إسلاميين ووطنيين وديمقراط، وطالما جمع بين هذه الاتجاهات الإيديولوجية في مبادراته محققا بذلك الإجماع. لقد تعرض عمّي لخضر لكثير من الأذى بسبب نهجه الذي لا يهادن السّلطات القائمة ودفع الثمن غاليا خلال عدة مراحل من تاريخ الجزائر بعد الاستقلال، آخرها ما حدث له العام الماضي، وغادرنا عمي لخضر وغصة في قلبه بسبب حالة التنكر التي واجهها وهو يرى إعلام بلده يشكّك في تاريخه وهو الذي ضحى بكل شيء من أجل وطنه.