إن أوضاع الربيع العربي وتطوّراته، منح إسرائيل فرصة الاستفراد بالوضع الفلسطيني، ففي ظل غرق العالم العربي في أتون خراب بيوت الأوطان، وإنهاك الجيوش الوطنيّة، في حروب الجماعات، وتأثر المقاومات الوطنيّة والإسلاميّة بأجواء الحرب على سوريا، بشكل أو بآخر، والوضع العربي المزري، بالمنظور الإسرائيلي تكون هذه اللحظة التاريخيّة التي لا تتكرّر للعمل على مشروع سياسي يستفرد فيه المستوطنون والقيادات الإسرائيلية بالوضع الفلسطيني لتغيير سكاني وميداني عبر سياسة استيطان متسارعة، وفرض قواعد سياسية باستغلال الانقسام الفلسطيني وتكريسه، والتجرؤ لتنفيذ مشروع يخصّ القدس قد يذهب بعيدا بعد مرحلة جسّ النبض المتكرّرة، وتكالب المتديّنين الإسرائيليين على استباحة مسجده وبُنيته، والتنكر لأيّ التزام سياسي معيّن. إنّ فشل أوسلو لتقديم أيّ أمل للفلسطينيين، وتداعيات الربيع العربي الكارثية على العالم العربي، وتقدّم قضايا دوليّة على حساب القضيّة الفلسطينية المؤجلة دائما، دفعت إلى بوادر انتفاضة في فلسطين، كانت شراراتها القتل المتسلسل لأطفال وشباب فلسطيني، واستباحة مُمَنهجة للقدس وحرمته، والبعض يتعامل معها بوصفها ظاهرة تتكرّر أحيانا وتتراجع ليعود الوضع كما كان، ولكن قراءة متأنيّة للأوضاع المحيطة، والتكالب الإسرائيلي غير المسبوق، وأمام تعنّت إسرائيلي واضح مستغلا الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة والعالم، والتي ستزداد مع بوادر فشل كسر طوق المقاومة، التي كانت إسرائيل تنتظر كسره بواسطة الهجمة الإرهابيّة، المدعومة عربيا وأمريكيا، من متطرفين يُعرفون بنفسهم الطويل في التدمير وحروب العصابات. إن الفلسطينيين ربما يكونون بواسطة حاسّة الشعوب التحرّرية، قد لامسوا من جهتهم أنها اللحظة التاريخيّة المناسبة لثورة وانتفاضة شعبيّة تدفع بقضيتهم كما تستحق في واجهة القضايا العالميّة، وضمن أولويات الضمائر الإنسانيّة، ولا يمكن أن يستسلموا لهذا الاستفراد الإسرائيلي، ويمكن للشباب الفلسطيني أن يفعلها ويقلب الطاولة على مشروع الجهاد البديل، ومشروع الخراب العربي الذي يُراد له أن يأخذ من هذه الأمّة سنوات طويلة، كما فعل يوما الشباب الجزائري الذي اندلعت على يديه الثورة التحريريّة، عندما تجاوز كل القيادات التقليدية، وذهب إلى ثورته مستنيرا بقولة الشهيد ”العربي بن مهيدي” الشهيرة: ”ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب” هل حان الوقت للشارع الفلسطيني في الداخل وفي الشتات لأخذ المبادرة الجريئة واحتضان انتفاضة كبرى ليُعيد للأمّة العربية والإسلاميّة وكل العالم شيئا من وعيه أنّ هذا الشعب لا يستحق هذا الإهمال. فلسطين هي الحق والحقيقة، وحدها يليق بها التكبير، وتستحق أن تكتسي بلباس الربيع والثورة والجهاد الحقيقي، أمّا معاركنا خارج فلسطين ما هي إلا عبث، وجهادها جهاد بديل عن جهاد فلسطين، وحدها البطولة وفيها الإسلام، أمّا خارجها فلا يوجد إلا أدعياء النبوّة ومهرّجي البطولات، لأنهم في النهاية مجرّد بيادق لعبة دوليّة كبرى، تريدنا أن نخوض حروبنا المقدّسة في كل الدنيا إلا في فلسطين، ونبكي بإنسانيّة لكل الأحزان ولو كانت تخص إنقاذ قرد، ولكن لا يحق لنا التعاطف مع قتلى وأسرى فلسطينيين لأنّهم مجرّد أرقام، يراد لنا أن نرى العدو داخل أوطاننا، ولا يحق لنا أن نرى العدو عدوا، يراد لكل بلد أن يتحوّل ربيعه إلى عواصف من اقتتال داخلي، أمّا فلسطين فيكفيها فصل التمييز العنصري، وفصل الجدار العازل، وفصل استفراد الكيان الصهيوني بشعب، غابت عنه كل فتاوى الجهاد البديل، وأموال نُصرة المُرابطين، وبطولات أمراء العرب، ولكن هؤلاء لا يليقون بفلسطين، لأنهم ليس هؤلاء من حرّر أو يُحرّر أيّ شعب، هؤلاء جميعا لم يصنعوا لنا إلا مآسي وداحسيّات حروب الأزقّة، من أفغانستان مرورا بالعراق إلى ليبيا وسوريا قصص طويلة من الفشل المتكرّر، والمؤامرات المفضوحة. ما يليق بفلسطين هم شبابها كما شباب الجزائر يوما، أن يترك أولئك السياسيين التافهين، وأولئك النخب الكسولة، وتلك القطعان من الجماعات، وأولئك العملاء الأغبياء، ويذهب إلى ربيعه، فربيعه وحده الربيع الحقيقي، أما فصول الربيع في الوطن العربي هي مجرّد فصولا للإلهاء عن الفصل الحقيقي في فلسطين، عن القضيّة الحقيقيّة في فلسطين، فليخجل وليصمت كل أولئك الذين يُحدّثوننا عن موت العروبة في اليمن، أو موت الإسلام في سوريا، أو غوث السُنّة في العراق، ولتصمت الفتاوى المعلّبة، والقصائد المعلّقة، والتكبيرات المزيّفة، وفضائيات مسيلمة الكذّاب، لأنها كلها اتجاهات خاطئة، بوصلة فلسطين وحدها تُخبرنا عن قبلة الجهاد والإسلام والعروبة والبطولة والشهادة وربيع الحياة الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، ونحن مع فلسطين مظلومة ومظلومة، مظلومة من محتلّها ومظلومة من أشقائها.