يعاني تلاميذ العديد من المناطق الريفية، من مشكل النقل من وإلى مؤسساتهم التعليمية. ففي تيبازة وبالضبط في الجهة الغربية منها، يجد المتمدرسون أنفسهم أمام قطع عشرات الكيلومترات في ظروف مناخية قاسية، والانقطاع عن الدراسة لأيام عديدة، وهما خياران أحلاهما مر. وبالمدية فإن تفاقم المشكل دفع بعائلات الى توقيف بناتها عن الدراسة. والحال نفسه بالبليدة التي أصبح الأولياء بها يخشون من هاجس احتمال تعرّض أبنائهم لاعتداءات أو الاختطاف، ناهيك عن خطر الطرقات وهي كلها مشاكل قد تختلف تفاصيلها لكنها تتشابه في المعاناة عبر كل الولايات.
ولاية المدية لا تتوفر سوى على 187 حافلة تلاميذ يسمونها ''المحاشر'' وآخرون ينتظرونها كالحلم بلغ عدد المحتاجين إلى خدمات النقل المدرسي بالمدية 45 ألف تلميذ ، أي ربع عدد المتمدرسين بالقطاع، فيما لا تتوفر الولاية حاليا سوى على 187 حافلة لنقل ما يقارب 27 ألف من التلاميذ إلى مواقع تمدرسهم ،أي بمعدل حافلة لكل 150 تلميذ، وهو ما يمثل أزيد من خمس مرات أقل من المستوى المريح للتلاميذ، بالنظر إلى طاقة استيعاب الحافلات المتوفرة. تبقى حاجة قطاع التربية بالمدية لضمان أدنى حد لخدمات نقل تلاميذ المناطق الريفية إلى 48 حافلة، بعيدة المنال مع تقدم الموسم الدراسي الجاري، وبذلك يبقى أيضا تمدرس 19 ألف تلميذ على كف عفريت، أي بمعدل يصل الى حافلة واحدة لكل 400 تلميذ، مما يجعل هذه الحاجة المعبّر عنها من قبل مديرية القطاع غير قريبة التحقيق لفائدة المحتاجين إلى هذه الخدمة، خاصة بقرى تعاني عطلا تنمويا مجحفا، وتضاريس ومسالك ريفية لا تسمح للسائقين بالتردد عليها لضمان بلوغ التلاميذ مقاعد دراستهم في الوقت المحدد. الوضعية هذه يحاول القائمون على القطاع، التخفيف منها بتكثيف خدمات الإطعام المدرسي للحد من تنقلات التلاميذ بين مدارسهم وأماكن إقامتهم، خاصة وسط النهار، إلا أن ذلك لن يحول دون تسرب أبناء العديد من المناطق من المدارس، خاصة في الفترات الشتوية، أو الفتيات اللائي ينتقلن دراسيا إلى مرحلة التعليم المتوسط، دون حظوهن بوسيلة نقل مدرسي، كما يقول رئيس بلدية سيدي الزهار جنوب شرقي الولاية، والتي تبقى نموذجا لهذا التسرب بفعل تداعيات جغرافية ومعيشية يصعب معها تأقلم الأبناء مع تطلعات الأولياء والقائمين على قطاع التعليم ''لدينا حافلة واحدة بسعة 25 مقعدا لنقل 400 تلميذ من ست قرى مبعثرة عبر إقليم البلدية، ولدينا أزيد من مئة تلميذ من ثلاث قرى، لا نتمكن بأي حال من تأمين نقلهم إلى المدارس لمسافات لاتقل أحيانا عن تسع كيلومترات. نفس الصورة تحدث بقرى تابلاط شرقا أو بوغزول والشهبونية وعين بوسيف جنوبا وأولاد هلال، سبت عزيز وأولاد عنتر ودراق غربا، أين أصبح الأولياء يخشون من تنقل أطفالهم مشيا نحو المدارس، لانتشار قطعان الكلاب الضالة والخنازير.
تيبازة المشي لكيلومترات أو التوقف عن الدراسة لأيام خياران أحلاهما مرُّ
''لقد تعبنا.. نطالب بتدخل السلطات وتوفير النقل.. حياة أبنائنا بين مطرقة ثقل المحافظ وسندان مخاطر الطرقات''. هي كلمات اختزل بها أولياء التلاميذ بالعديد من دواوير بلديات ولاية تيبازة، المعاناة اليومية لأبنائهم. فمناصر وسيدي أعمر وسيدي سميان وأغبال وبني ميلك وشطر من فوراية ومسلمون، لم تتغير بها معالم البؤس والشقاء الذي لازم التلاميذ منذ الاستقلال. بين المشي على الأقدام لعشرات الكيلومترات في ظروف مناخية قاسية أو الانقطاع عن الدراسة لأيام عديدة، خياران أحلاهما مرّ بالنسبة لتلاميذ بلديات ولاية تيبازة، الذين يتجرعون المعاناة، خاصة في فصل الشتاء . وللوقوف على الواقع الذي يعيشه هؤلاء، قمنا بزيارة إلى المناطق التي شهدت في الفترة الأخيرة احتجاجات على غياب النقل المدرسي، حيث كانت وجهتنا الأولى إلى قرية سي عمران، أين صادفنا مجموعة من التلاميذ برفقة أوليائهم في انتظار حافلة للنقل الخاص في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، أين استوقفتنا عبارات وليّة تلميذ ممزوجة بنبرة استياء وغضب ''إن لم تستجب البلدية لمطلب نقل أبنائنا سنضطر لقطع الطريق أو توقيف أبنائنا عن الدراسة''. وبذات النبرة عبّر أحد الآباء بدوار بوزيدي ببلدية سيدي أعمر، عن استيائه من المشاق التي يتحملها جراء التكاليف التي يدفعها لنقل أبنائه إلى المدارس، ناهيك عن تكاليف الأكل''. معاناة أخرى وقفنا عليها ببلديات أقصى غرب الولاية، فتلاميذ الابتدائي والمتوسط لا زالوا يضطرون للمشي وسط الأحراش والغابات للوصول إلى المدارس، إضافة إلى تحملهم البرد والأمطار التي ينقطعون بسببها عن الدراسة، إما عن مرض أو عن سوء حال الطريق، ذنبهم الوحيد أنهم يسكنون في مناطق نائية وآباؤهم من ضعيفي الدخل من جهة، وعدم تدخل السلطات المحلية لحل مشكلهم، كما هو الحال بالنسبة لتلاميذ دوار إيغيداين بسيدي سميان ودوار بوحسين ودوار إيرويس ولجنان وغيرهم من تلاميذ الدواوير الذين يضطرون إلى ارتداء الأحذية المطاطية والخروج باكرا لمواجهة مخاطر الطرق الغابية ووادي الأربعاء. والحال لا يختلف بالنسبة لأبناء بلدية بني ميلك بأقصى الغرب وكذا دوار الإخوة مرسلي ببلدية مسلمون وأبناء دوار تاشتة ومزرينة بأغبال الذين يقاسمونهم المعاناة ذاتها. ونال الثانويون بالجهة الغربية للولاية نصيبهم من المعاناة، كما هو الشأن بالنسبة لأبناء مسلمون الذين ينتظرون حافلات النقل الخاص للتوجه لثانوية فوراية، متحدين مخاطر الطريق الوطني رقم .11 والحال نفسه بالنسبة لأبناء بلدية عين تفورايت الذين يضطرون للتنقل يوميا إلى بلدية بوهارون وسط رفض الناقلين الخواص نقلهم.
المشكل تسبّب في تعرض تلميذات لمحاولة اختطاف أولياء بالبليدة يضطرون إلى منع أبنائهم من مواصلة الدراسة تسبب عامل انعدام النقل المدرسي في بعض أحياء وأحواش بلديات ولاية البليدة، في معاناة الكثير من المتمدرسين، مما أدى بالعديد من الأولياء إلى اتخاذ قرار منعهم من مواصلة الدراسة بالمؤسسات التربوية البعيدة عنهم، وطرد البعض منهم بسبب التأخر المتكرر أو الغياب المستمر . تصنّف أحواش وأحياء بدائرة موزاية الواقعة إلى الغرب والمقدّرة بأكثر من 50 حيا أو حوشا، على رأس المناطق المتضررة من نقص وانعدام وسائل نقل التلاميذ. ويعتبر حي النحاوة الفقير ومختيش عبد القادر المعروف بحوش جوردا نموذجان لهذه المعاناة، حيث يضطر التلاميذ إلى قطع مسافة تقدر بحوالي 06 كيلومترات للوصول إلى أقرب مؤسسة تربوية. مستغلين وسائلهم الخاصة من أجل الوصول في الأوقات النظامية للدخول. وإلى الشمال وبالضبط في بلدية الشبلي، يقاسي تلاميذ الطور الابتدائي بحوش 12 هكتار ودوار الحمراء بقطع مسافة 3 كيلومترا يوميا للوصول مبكرا الى مدرستهم بمركز برمضان الحضري. وإلى الشرق يشكو تلاميذ بحوش برطلة وتبرانت في الأربعاء أيضا من الانعدام التام للنقل المدرسي، مما يدفع بهم الى السير مسافات تتراوح بين 04 الى 06 كيلومترات في اليوم. ويتأزم الحال خصوصا مع الأطفال المتمدرسين بحي بن دالي علي، أين يجبرون يوميا السير على قارعة الطريق العام الرابط بين الاربعاء وسيدي موسى أمام خطر المركبات. وإلى الشمال الغربي وبالضبط بدائرة وادي العلايق، يجبر تلاميذ حي 05 نخلات الى جانب حوش لوفلا إلى السير أيضا على قارعة الطريق الوطني رقم 04 لمسافة تقارب ال 2500 متر. وكنتائج لهذا المشكل، حدث وأن تعرضت 03 تلميذات بالطور المتوسط بأحد أحواش موزاية إلى عملية اختطاف من قبل أشخاص غرباء استدعت تدخل رجال الدرك للقبض على الجناة، كما نجم عن ذلك منع بعض الأولياء أبناءهم من مواصلة تعليمهم خاصة الفتيات.
حافلات خواص مهترئة لكنها للمحظوظين فقط بالجلفة 15 كلم يوميا للالتحاق بمقاعد الدراسة يبقى مشكل النقل المدرسي بولاية الجلفة يؤرق الأولياء والتلاميذ على مستوى بلدياتها الست والثلاثين، في ظل التجمعات الريفية الكثيرة والقرى المتناثرة والتعداد المتزايد للسكان سنة بعد أخرى، وفي مقابل ذلك أعداد محدودة لحافلات النقل المدرسي. وأمام هذا المشكل تتجه بعض البلديات إلى عملية استئجار حافلات الخواص من أجل تسخيرها طوال الموسم الدراسي، غير أن الملفت أن أغلب تلك الحافلات المخصصة للنقل المدرسي تسجل تصدعات وأعطاب بسبب عملها الدائم طوال أيام الأسبوع. وتختصر تجمعات المليليحة مشكل النقل المدرسي في الجلفة، حيث توجّه سكان التجمعات الريفية بمناطق سمارة عرعور والضاية المالحة التابعتين لبلدية المليليحة جنوب شرق الولاية، برسالة تخطر السلطات الولائية بمعاناة أبنائهم بسبب انعدام النقل المدرسي. وشرحت الرسالة التي بعث بها سكان التجمعات الريفية ، ما يعانيه أبناؤهم المتمدرسون في متوسطة ''المويلح''، حيث يتنقلون على الأقدام ويقطعون أكثر من 15 كم ذهابا وإيابا بشكل يومي، وما يترتّب عن هذه المسافة من مخاطر التعرض للحيوانات ووعورة المسالك، ، مما اضطر بالكثير إلى توديع الدراسة خاصة الفتيات بسبب تعطل الحافلة وحرمان أكثر من 50 تلميذا من الدراسة دون التدخل لإصلاحها من قبل السلطات المحلية لبلدية المليليحة. وفي منطقة الخرزة التابعة لبلدية فيض البطمة، جنوبي شرق الولاية، يطالب متمدرسو المنطقة منذ سنوات بتوفير النقل المدرسي المنعدم تماما رغم بعد المسافة عن المدينة، حيث تصل إلى نحو14 كلم. حيث يضطر المتمدرسون القاطنون بمنطقة الخرزة الى الاستيقاظ باكرا والسير جماعات خوفا من الكلاب الضالة ومخاطر الطريق ويمشون على جوانب الطريق المعبد، يلوّحون بأياديهم لكل شاحنة أو سيارة أو جرار ليعينهم على التنقل بعض الكيلومترات. سكيكدة فتيات وذكور يتزاحمون في شاحنات ''السوناكوم'' دق رئيس فيدرالية أولياء التلاميذ بولاية سكيكدة، يوسف شويط، ناقوس الخطر بشأن تفاقم مشكل النقل المدرسي عبر إقليم الولاية، دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنا لاحتواء الوضعية وتبعاتها السلبية التي قد تقلب المؤسسات التربوية رأسا على عقب، وتدخلها في دوامة اضطرابات هي في غنى عنها، بسبب نقص الحافلات واستغلال البعض منها لغير الغرض الذي وجدت لأجله. رغم حصول البلديات على حافلات لنقل المتمدرسين إلا أن المشكل لا يزال قائما بجل المناطق، والسبب حسب رئيس فيدرالية أولياء التلاميذ أن الحافلات تستعمل لغير الغرض الذي وجدت لأجله، حيث عمد بعض رؤساء البلديات إلى تخصيص هذه المركبات للجمعيات الرياضية. الأمر الذي يجعل احترام مواعيد نقل التلاميذ إلى مؤسساتهم من ضرب الخيال، مما جعل الآلاف من التلاميذ القاطنين بقرى ومداشر إقليم الولاية يعانون من انعدام الحافلات، مما أثر، حسب محدثنا، على المردود الدراسي للتلاميذ خاصة في الطورين المتوسط والثانوي، وجعلهم يعجزون عن تحمل الظروف المناخية القاسية لفصل الشتاء. فالكثير منهم يضطرون لقطع الوديان والمسالك الجبلية الصعبة والمشي في طرق مهترئة، رغم أن المنطقة لا تزال تعرف توترا أمنيا واعتداءات إرهابية من حين لآخر. ويبدي أولياء التلاميذ استغرابهم الشديد لواقع النقل المدرسي وعدم أخذ الجهات المحلية نتائجه السلبية مأخذ الجد، مما أدى إلى شن حركات احتجاجية متكررة للمطالبة بتوفير النقل المدرسي، كما حدث مؤخرا ببلديات وادي الزهور، أولاد عطية والولجة بوالبلوط، حيث قاطع التلاميذ الدخول المدرسي في أسبوعه الأول. كما استنكر المئات من أولياء التلاميذ إقدام رؤساء البلديات على تخصيص شاحنات من نوع ''سوناكوم'' لا تتوفر على مقاعد وتفتقر لأدنى ظروف الراحة، كمركبات لنقل التلاميذ ذكورا وانات لمسافات طويلة، ما دفع بالعديد من الأولياء إلى حرمان بناتهم من مواصلة مسارهن الدراسي. ويعتمد المئات من التلاميذ بعديد البلديات الجبلية على السيارات النفعية، التي لا تصلح حتى لنقل البضائع، من أجل التنقل إلى مدارسهم في غياب النقل المدرسي. ويلجأ بعضهم إلى وسائل نقل أخرى، رغم التكلفة التي تضيفها إلى ميزانية الأسر المحدودة الدخل، حيث يستنجدون ذكورا وإناثا بالسيارات والشاحنات المارة عبر الطرق المحاذية لمقر سكناهم قصد الوصول إلى مؤسساتهم التربوية، سيما المتوسطات والثانويات غير المتوفرة في تجمعاتهم السكنية، بينما يضطر البعض منهم إلى المشي على الأقدام. ولعل الأمثلة عديدة عن هذه المعاناة، وأبرزها تلك التي يعيشها يوميا سكان قرى ومداشر ببلديات أم الطوب، سيدي مزغيش، جندل، السبت، الولجة بوالبلوط وغيرها من المناطق المعزولة، حيث يقطع أبناؤهم نحو 3كيلومترات صباحا ومساء. ع.م مافورة بتلمسان التلاميذ يتوجهون إلى مدارسهم على ظهور الحمير إشتكى أولياء التلاميذ المتمدرسين في المدرسة الابتدائية لقرية مافورة ببلدية البويهي في تلمسان من غياب النقل المدرسي، الذي يقلّهم من مناطق سكناهم في كدية اللبية، البعاج وحاسي سيدي محمد. حيث يقطع هؤلاء مسافات كبيرة، للوصول إلى المدرسة مشيا على الأقدام وعلى ظهور الحمير في ظروف صعبة، كما هو الحال في المناطق الريفية النائية لبلديات العريشة وسيدي الجيلالي، بسبب انعدام النقل المدرسي.
تغطية غير كافية بالنعامة مع بداية كل موسم دراسي، تتجدّد معاناة الأطفال المتمدرسين بولاية النعامة، سيما القاطنين بالمناطق النائية الذين يجدون أنفسهم يصارعون متاعب يوميات تصنعها مظاهر الغبن، التي تلاحقهم للالتحاق بمقاعدهم الدراسية مع بداية كل يوم جديد. وتتعمّق هذه المعاناة، خلال أيام الشتاء في منطقة معروفة بمناخها القاسي؛ حيث البرودة الشديدة والجليد وغياب أماكن الانتظار المهيّأة لمثل هذه الظاهرة الطبيعية الصعبة. ويشتدّ الأمر أكثر بكل من قرى بلديات القصدير ، تيوت ، مغرار وصفيصيفة.