إنطلاقا من قناعتي الشخصية أن الأفافاس إرث تاريخي معنوي ملك لكل أبناءه ومتعاطيفه منذ تأسيسه منذ نصف قرن من الزمن، وملك لشهداء الديمقراطية الغير معترف بهم إلى غاية هذه الساعة، والذين ضحوا بالنفس والنفيس في سبيل جزائر سعيدة حرة تعترف بالتعددية السياسية والثقافية والذين هم امتداد لثورة عظيمة استشهد من أجلها مليون ونصف المليون شهيد وقناعة منهم أن الأرض حررت من المستعمر الغاشم، ولكن المؤسسات والشعب بقوا سجناء، شلة وجماعة كانوا يتحيليون الفرصة لاقتناص هذه الحرية والاستحواذ على الحكم باسم الشرعية الثورية ثورة شارك البعض منهم عبر القنوات الإذاعية والصحف والعمل المخابراتي والكولسي. هم اليوم يستلذون خيرات هذا البلد الذي أبناؤه همشوا، شردوا، غيبوا، أهينوا، استعبدوا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. و على طريقة أحد مؤسسي الأفافاس سي لخضر بورقعة الذي عنون كتابه شاهد على اغتيال ثورة. الأفافاس شاهد على اغتيال هذه الثورة وتقزيمها والتنكيل بها وتصفية زعمائها انطلاقا من صالح زعموم، عبان رمضان إلى شعباني. خيضر. كريم بلقاسم، ومحمد بوضياف..
وإيمانا مني أن هذا الشاهد يجب حمايته ليكون همزة وصل بين جزائر الثورة وجزائر الاستقلال والحداثة، يجب الاستماع إليه وعدم إغتياله وتصفيته. لهذا أود طرح جملة من انشغالات بعض أبناء هذا الشاهد وسرد بعض القضايا للتاريخ وللتذكير . إن ما يحدث اليوم في المشهد السياسي الوطني في إطار إعادة هيكلة واجهات الأحزاب ووجوه مل منها الشعب وسئم، وفي إطار التحضير لعرس جديد للسلطة وهي الإنتخابات الرئاسية لعام 2014 !؟ أو 2016 !؟ وذلك يشبه تلك العجوز الشمطاء التي تتراكم المساحيق على وجهها ظنا منها أنها تعجب وتغري من يراها ويشاهدها. في الوقت الذي يتقزز من مشهدها الكل ويتحسر لوضعها المخزي ويحق لنا ان نتساءل: هل ما يجري من حراك سياسي داخل أسرة الأفافاس هو إمتداد لكل هذه الحركات التصحيحية المفتعلة والمفبركة في مخابر النظام والسلطة ودوائره المختلفة أم هي حركة استثنائية غير مشابهة لذلك؟ وبغرض فهم بعض الأمور بودي طرح جملة من التساؤلات والتذكير ببعض المحطات المهمة في تاريخ ومسيرة الحزب ومناضليه وزعيمه وربطها بما يحدث اليوم. الأفافاس منذ نشأته في يوم 29 سبتمبر 1963 أي منذ نصف قرن من الزمن وهو أقدم تنظيم سياسي معارض لا يزال على قيد الحياة ونجى من كل محاولات الاغتيال والتصفية، عارض نظام الحزب الواحد صيغة بن بلة وجماعة وجدة وعارضه كذلك في صيغته الأحادي في التسيير والتفكير في العقلية، والتعددي واجهيا صيغة النظام الحالي. فهو قاوم أشكال الاستمالة، والتدجين، سياسية الإغراء، سياسية الترغيب والترهيب، وذلك بغرض توريطه في المشاركة في مختلف السياسات المنتهجة منذ فجر الإستقلال إلى يومنا هذا وًالتي أدت الى تهلكة البلاد والعباد. نظام بن بلة صفى 450 مجاهد بالرصاص لكن إيمان زعيمه التاريخي حسين آيت أحمد بالنهج الديمقراطي التعددي والأسلوب الحضاري للتداول على السلطة والحكم، وإنهاء حكم العسكر، ومختلف مراكز القوى ومختلف الأجهزة بمختلف تسمياتها وهياكلها وعدم مسايرة مختلف الإنقلابات جعل النظام وأصحاب القرار يصطدمون دائماً برفض آيت أحمد في مسايرتهم في مختلف السياسات الإقصائية المنتهجة إلى حد اليوم. فهو يعرف طبيعة النظام وذاق ويلاته وًضرباته الموجعة، ومدرك أكثر من غيره أن النظام لا يستعمل الأحزاب والأشخاص إلا كأدوات ووسائل لديمومته وربح الوقت وإطالة عمر حكمه والانفراد بالسلطة وكل من اقترب منه وحام في فلكه إحترق وأستهلك. اسألوا الباكس مؤطر ومنشط الثورة الزراعية كيف إنقلب عليه النظام في أحداث أكتوبر 88 وأهدى الشارع على طبق من ذهب للتيار الإسلاماوي بغرض إضعافه وتهميش التيار الديمقراطي والبربري. اسألوا عن عبد الحق بن حمودة الذي دافع عن السياسة الاستئصالية للنظام وسكوته عن ظروف إعادة جدولة ديون الجزائر لدى صندوق النقد الدولي، كيف كان مصيره وآخر كلمة له هي "خدعونا" اسألوا عن حركة حمس الذي استوزر رئيسها، كم كان عدد نوابها في العهدتين الماضيتين وما هو عدد منتخبيها اليوم. اسألوا عن الأرسيدي الذي لم يكتشف عنف السلطة إلا سنة 2001 . ماذا جنى من مشاركته في الحكم غير التشتت والانشقاقات، اسألوا عن زعيم ثورة اسمه سي الطيب الوطني، محمد بوضياف ماذا حدث له؟ بعد انتهاء مهامه وحل حزب الفيس؟ اسألوا عن الراحل بن بلة كيف رمي به في السجن بعد تحطيمه للحكومة المؤقتة رمز الشرعية، وتصفية خصوم عرابه بومدين؟ اسألوا عن مصير الحرس البلدي الذي قاوم الإرهاب سنين الجمر كيف عوملوا من طرف السلطة في مسيرتهم الأخيرة بعد انتهاء مهامهم. واسألوا عن مسيرة 02 جانفي 1992 كيف وظفها النظام لتبرير الانقلاب وهي الداعية الى عكس ما أقدموا عليه. إن كل من يقترب من النظام مآله الذوبان وجر ذيول الهزيمة وفقدان كل مصداقية وشرعية، لهذا آلت كل محاولات النظام لاستدراج آيت أحمد إلى صفها واستمالته إلى الفشل ومن هنا سعى النظام إلى تحطيمه وتهميشه ورميه في طي النسيان والتقليل من وزنه التاريخي وإلصاق كل التهم والريبة به من قبائلي جهوي، إلى يساري ملحد تغريبي، ملمحا بالخطر القبائلي على الأمة الجزائرية. ولكن النظام الاشتراكي اليساري في زمن الراحل بن بلة وزمن بومدين هو نفسه النظام الليبرالي في زمن الراحل الشاذلي بن جديد وًهو نفسه النظام الاستئصالي اللائكي في زمن زروال وأويحيى وهو نفسه النظام المهادن للإسلاماوين والمصالح في زمن الرئيس الحالي رفقة أبي جرة سلطاني والنهضة صيغة ما بعد عبد الله جاب الله. المحامي المسيلي صُفي لأنه أحدث التقارب بين آيت أحمد وبن بلة فالنظام ايديولوجيته الوحيدة هي الدوام ثم الدوام ثم الدوام ولا يهم الغطاء السياسي فلكل زمن حلته. ويعرف كيف يتأقلم مع كل الحالات كالحرباء مع كل الألوان. فالشعارات غزيرة كثيرة، كبيرة ورنانة لكن الغاية والهدف نفسه لهذا اصطدمت محاولات النظام بالمبادئ الثابتة للأفافاس وآيت أحمد، وهذه أمور حالت دون حدوث أي تقارب بين الجانبين اللذان يسيران على خطين متوازنين لا يلتقيان. وكان السبيل الوحيد لآيت أحمد هو الاحتكام إلى الشارع فلقد عبأ عبر نداءاته للشعب الجزائري، حشودا غفيرة في مضاهرات ومسيرات ضخمة سلمية ومسالمة لإظهار البديل الديمقراطي والنهج الثالث الذي هو بديل للسلطة البوليسية، وبديل للمشروع الإسلاماوي. هو صاحب شعار "لا لدولة بوليسية ولا لدولة دينية تيوقراطية، وكان مدركا من البداية أن المسار الانتخابي قد فخخ، أولاً بنوعية التقسيم الإداري، ثانياً بنمط الاقتراع، والأفافاس دافع منذ البداية عن الاقتراع النسبي بغرض تمثيل كل التيارات السياسية والأحزاب بمختلف توجهاتها داخل المجلس الشعبي الوطني الجديد، لكن إرادة السلطة بتأييد من بعض الأحزاب الحليفة أرادته إقتراع أغلبية في دورتين ،فكانت الهاوية كما خطط لها النظام ولو أنه كان أول المتفاجئين بالنتيجة لكنه عرف كيف يوظفها في صالحه في نهاية الأمر فبعد الدور الأول يوم 26 ديسمبر1991، تحصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على 188 مقعد بثلاثة ملايين صوت والأفافاس على أربع وعشرون مقعد بخمسمائة ألف صوت ،و الأفلان على أربعة عشرة مقعدا بمليون وخمسمائة ألف صوت . إنها النتيجة الطبيعية لنظام لم يؤمن يوما لا بالمنافسة النزيهة ولا بمبدإ التداول على السلطة ولا بنتائج الانتخابات إلا إذا كانت في صالحه دون سواه، ففهم أن ساعة الحسم قد وصلت فقرر توقيف المسار الإنتخابي ومن خلاله كل المسار الديمقراطي، وكان ذلك بمثابة إعلان حرب على الشعب والشرعية وكان القرار الذي أدى إلى خراب البلاد وتهلكة مئات الألاف من المواطنين الأبرياء ومن خيرة أبناء هذه الأمة من إطارات وأساتذة، ومفكرين، وصحفيين، وفنانين، ومناضلين بل كل القوى الحية للبلاد آلاف من المفقودين وما يفوت المئتي ألف قتيل (200) في حرب لم تفصح عن اسمها وملايين من ضحايا العنف من آرامل، ويتامى ومعوقين ومشوهين جسديا ومنهارين نفسيا، ونزوح من جهة إلى أخرى بحثا عن الأمن وانهيار اقتصاد، وتدحرج البلد إلى أسفل الرتب في كل مجالات الحياة في وقت كان ينتظر من الجزائر لعب دور الريادة جهويا، إقليميا ودوليا، ومقابل كل هذه المصائب التي حلت بالبلد وبفعل فاعل الأفافاس لم ينصاغ وراء العابثين والمغامرين، والمتشبثين بكراسيهم ومصالحهم وبالذين أوصلوا البلد إلى أسفل السافلين خلال فترة عشرين سنة التي فيها عمت الفوضى والجهوية والمحسوبية واستقوت الرشوة وابن عميس. الأفافاس رفض منح الغطاء السياسي بثقله التاريخي والمعنوي لهذه الجرائم ضد الجزائر أمةً وشعباً والتي سوف تبقى وصمة عار ولعنة تطارد مسببها إلى أبد الدهر. فقاوم وناضل في ظروف صعبة ومر بأوقات حالكة مثله مثل كل طبقات الشعب في موقف يشبه الواقف بين المطرقة والسندان، مطرقة النظام من جهة وسندان الجماعات الدموية، وكان في وقت ينادي فيه الأفافاس بالمصالحة الوطنية وكان مرادف مناضليه بالإرهابيين، أو بالمساندين له. في أحسن الأحوال وذلك لجره إلى صف النظام وإدانة العنف الإسلاماوي وغض النظر عن عنف السلطة وبقية كل الجرائم. ورغم كل هذه الضغوطات أدان الأفافاس العنف بشقيه الإسلاماوي والسلطوي وذلك وفاء لشعاره لا لدولة بوليسية ولا لدولة دينية، فاصطدم النظام بتعنت الأفافاس ورفضه كل استمالة أو مهادنة أو تدجين ورفض السياسة الاستئصالية والحلول الأمنية للأزمة مثلما أرادها النظام، بل أن الأزمة سياسية يستوجب اقتراح حل سياسي تفاوضي، فالأفافاس ومن خلال زعيمه حسين آيت أحمد ذاق من ويلات وضربات النظام وتجرع سمه أكثر من مرة، ألم يحكم عليه بالإعدام ثم التخفيف إلى سجن مدى الحياة من قبل نظام بن بلة؟ ألم يسقط تحت طائل رصاص جيش النظام ما يقارب أربع مئة وخمسين شهيدا بين سنة 63 وسنة 1965؟ ألم يصف جسديا الشهيد المحامي علي المسيلي ودفع حياته فاتورة للتقارب الحاصل بين حسين آيت أحمد والراحل أحمد بن بلة والذي تكلل بتوحيد المعارضة واتفاقية لندن سنة 1985 ألم يقتل مبارك محيو أحد أقطاب الأفافاس في قلب العاصمة سنة 1995؟ ألم يعامل المناضلون كإرهابيين لسنين طويلة بسبب تمسكهم بخطهم السياسي ومبادئهم التي رفضوا المساومة فيها؟ إنها القدرة الإلهية التي حالت دون اندثار الأفافاس ومسحه من الخريطة السياسية، فكلما نجا من فخ قاتل حتى يكاد يقع في فخ جديد. يتبع *عضو سابق في المجلس الوطني جبهة القوى الاشتراكية. آيت جودي في سطور علي ايت جودي من مواليد سنة 1964، بعين الحمام في ولاية تيزي وزو، اشتغل بمهنة التعليم من سنة 1982 إلى غاية سنة2001، عضو مؤسس لجمعية "سي محند أو محند" والجمعية الثقافية "ثوسا"، مناضل في صفوف الأفافاس ومسؤول سابق بفدرالية تيزي وزو، وعضو المجلس الوطني للأفافاس جبهة القوى الاشتراكية في مؤتمر 2000، ومنشط وعضو فعال في اللجان الوطنية للحركة الثقافية البربرية إلى جانب جمال زناتي و... ، شارك وأطر إضراب المحفظة للمقاطعة الدراسية بمنطقة القبائل سنة 1994/1995. ثم انتخب على رأس الرابطة الثقافية لولاية تيزي وزو، التي تتكون وقتها من 122 جمعية ثقافية للولاية وعضو الفيدرالية الجزائرية لنشاطات الشباب، وفي سنة 2000 انتخب عضو مكتب الفيدرالية الجزائرية للنوادي "اليونسكو"، وشارك بإيطاليا في مارس2001 في اللقاء الدولي لثقافة السلم عبر الكتاب. كما انتخب سنة 2000 عضو اللجنة الإدارية الفيدرالية العالمية لتبادلات الشباب التربوية في مؤتمر برشلونة بإسبانيا، إلى جانب أعضاء من الحركة الجمعوية لتونس والمغرب والكاميرون، في نوفمبر 2000 كانت له عدة مساهمات صحفية وإذاعية. كما كان مراسلا صحفيا لجريدة الخبر بين سنة1991 و1994، وهذه آخر مساهمة له حول الوضع السياسي في الجزائر، وعن آخر الأحداث التي تدور داخل بيت الأفافاس.